إعادة الهيكلة:
تحديات عملية توحيد الجيوش وتهدئة الصراعات في الدول المأزومة

إعادة الهيكلة:

تحديات عملية توحيد الجيوش وتهدئة الصراعات في الدول المأزومة



أعلن رئيس المجلس الرئاسي اليمني رشاد العليمي، في 21 مايو الجاري، عن بدء إجراءات توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية تحت مظلة واحدة، مشيراً إلى أنه سيتم تشكيل لجنة بقرار جمهوري لهذا الغرض، على أن تبدأ بمجرد تشكيلها في إجراءات وخطوات عملية لدمج جميع التشكيلات والقوى العسكرية والأمنية تحت مظلتى وزارتى الدفاع والداخلية التابعتين للحكومة الشرعية، بالإضافة إلى عقد مشاورات بين وفدى الشرعية والحوثيين في العاصمة الأردنية عمّان، تتضمن مساعي التوصل لتهدئة في مدينة تعز التي تشهد حصاراً وتصعيداً حوثياً.

وبالتزامن مع هذا الإعلان، جرى عقد اجتماعين ليبيين، في اتجاه موازٍ: أولهما في إسبانيا بالتعاون مع الأمم المتحدة وخُصص للنقاش حول قضية نزع الأسلحة، وعلى هامشه نُظم لقاء بين الأمم المتحدة واللجنة العسكرية المشتركة (5+5) المعنية بملف توحيد المؤسسة العسكرية. وثانيهما في بوزنيقة بالمغرب، وكان غير رسمي بين ممثلين عن القيادة العامة للجيش الوطني الليبي وقادة فصائل مسلحة من غرب ليبيا، وهدف إلى الحفاظ على عملية وقف إطلاق النار، وعدم الانزلاق إلى الحرب في العاصمة طرابلس، في ظل الأزمة السياسية الراهنة، الأمر الذي اعتبره مراقبون خطوة على طريق تهيئة الأجواء لحوار أمني ليبي – ليبي يشكل فرصة لتقارب المكونات العسكرية وشبه العسكرية، على نحو قد يهيّئ الأجواء لتفاهمات مستقبلية حول بناء مؤسسة عسكرية موحدة في البلاد.

تتقارب مصادر الأزمة في كل من ليبيا واليمن إلى حد كبير، من الناحية الهيكلية، فيما يتعلق بالمؤسسات الأمنية والعسكرية، فالجيش والأجهزة الأمنية تعرضا لانهيار على إثر سقوط الأنظمة فيهما، ثم هيمنت الفصائل المسلحة على أجهزة الدولة. ففي اليمن، استقطبت المليشيا الحوثية قطاعاً من العسكريين، وأصبح لها مكونها العسكري الخاص إلى جانب المكون المليشياوي من غير المنتسبين للجيش، وهذه الفئات المنتمية للمليشيا لن تكون ضمن مشروع التوحيد الذي ستعمل عليه القيادة اليمنية الجديدة، وإنما سيضم المشروع الكيانات العسكرية المتعددة من القوات التي تعمل تحت راية الشرعية، خاصة وأن هناك عدداً هائلاً تم ضمه إلى الجيش دون رقم عسكري خلال فترة الرئيس عبد ربه منصور هادي، بالإضافة لتشكيلات العمالقة في الساحل والجنوب.

أما في ليبيا، فقد يضم المشروع الجيش الوطني بعد 2014 في شرق البلاد، بالإضافة إلى المكون العسكري في غرب البلاد الذي جرى تنظيمه تحت إشراف رئاسة الأركان في عهد حكومة الوفاق، وبالتالي تظل أيضاً هناك الفصائل المسلحة خارج هذا السياق، فيما وضعت اللجنة المشتركة شروطاً للتوحيد فيما يتعلق بالإطار التنظيمي، ومنها أن يكون المنتسبون من أصحاب الأرقام العسكرية السابقة، أو ممن حصلوا على تأهيل عسكري من الأكاديميات العسكرية في البلاد.

معضلات متباينة

لكن ثمّة معضلات متباينة تواجه عملية توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية في الحالتين، يتمثل أبرزها في:

1- إشكالية احتكار الدولة للسلاح: بشكل عام، يبدو الوضع في ليبيا متقدماً خطوة عن نظيره في اليمن، بحكم أن هناك اتفاقاً أوّلياً على الأقل لوقف إطلاق النار، بالإضافة إلى وجود برنامج لإعادة الهيكلة يتعلق بالتسريح ثم إعادة الدمج في المؤسسات الأمنية بشكل عام، بحيث إن من لم يسمح لهم بالانضمام إلى الجيش قد تكون لديهم فرصة للانتماء إلى أجهزة أخرى، حتى وإن لم يكن مفعلاً في الوقت الراهن في ظل النزاع على السلطة، لكنه مطروح على الطاولة إلى حين الوصول إلى نقطة استقرار سياسي في البلاد.

إلا أنمعضلة احتكار الدولة للسلاح تظل قائمة، رغم بادرة عدم الاستخدام أو عدم التصعيد المسلح في إطار لقاء “بوزنيقة”، ففي الأخير لا يوجد بعد مشروع فاعل لجمع السلاح، وهو ما يشكل تحدياً أمام أية تفاهمات، في ظل الأوضاع السياسية الراهنة وتطوراتها المحتملة.

2- وجود قواعد عسكرية أجنبية: وهو ما يفرض تحدياً أكبر في الحالة الليبية، حيث تُشير الأمم المتحدة إلى أن هناك نحو 10 قواعد أجنبية في ليبيا، بالإضافة إلى وجود 20 ألف مقاتل أجنبي، على نحو يضع مزيداً من العقبات أمام الجهود التي تُبذل في هذا الصدد، لا سيما أن تلك الجهات قد تعمل على عرقلة أية محاولة حقيقية لتوحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، باعتبار أن ذلك يخصم من نفوذها في المقام الأول.

3- الإطار الهيكلي لعملية التوحيد: ويبدو ذلك جلياً في الحالة اليمنية، إذ إن المليشيا الحوثية –كما سلفت الإشارة – ليست مستهدفة في عملية التوحيد، كما لا يوجد برنامج مماثل لعملية التسريح وإعادة الدمج على غرار الحالة الليبية، بالإضافة إلى أن التوصل إلى عملية وقف دائم لإطلاق النار لا يزال سيناريو ضعيفاً في ظل هدنة هشة، ويُعتقد أن توجه الأطراف لتجديدها وفقاً لما تمت الإشارة إليه مؤخراً لا يعني بالضرورة تحسن الأوضاع الأمنية بشكل فارق.

4- تصاعد تأثير المتغير الأيديولوجي: ربما من الوارد حدوث تهدئة جزئية على بعض الجبهات اليمنية، مثل تعز، في حال التوصل لاتفاق في جولة المباحثات الجارية حالياً في عمّان، لكن الأخطر من ذلك هو الطابع الأيديولوجي وتغلغل العقيدة الحوثية، السلالية والطائفية، على نحو بات أشبه بكافة المكونات شبه العسكرية للوكلاء الإيرانيين في الإقليم، وبالتالي سيكون من الصعوبة بمكان إخضاعها لعملية التسريح وإعادة الدمج، وأيضاً من غير الوارد تناول مسألة السلاح الحوثي على غرار سلاح حزب الله اللبناني، لكن ذلك لا يقلل من فاعلية عملية إعادة بناء قوة عسكرية موحدة في البلاد تحت إطار الشرعية قد يشكل توحيدها ثقلاً أكبر في ميزان القوة في مواجهة المليشيا الحوثية، مما قد يدفعها في الأخير إلى التراجع عن الاستمرار في التصعيد.

مسارات محتملة

في كل الأحوال، ستستغرق عملية توحيد الجيوش في الحالتين الليبية واليمنية بعض الوقت، وعلى الرغم من أن الحالة الليبية قد تكون أفضل من نظيرتها اليمنية، إلا أن عملية التوحيد في الحالة الأخيرة قد تكون أسرع، بحكم أنها عملية جزئية، تقتصر على المكونات التي أصبحت ممثلة في الحكومة الشرعية، بعد تشكيل المجلس الرئاسي، وباعتبارها خطوة نوعية لم تكن واردة دون إصلاح الشرعية وإعادة هيكلتها على نحو ما جرى في حوار الرياض برعاية مجلس التعاون الخليجي. لكن بالنسبة للوضع الليبي، وعلى الرغم من أن الطرفين يقفان على حاجز الأمتار الأخيرة قبل عملية التوحيد الشاملة للمؤسسة العسكرية، وفي ظل وجود آلية للتوحيد، لكن لا تزال الفجوة الزمنية لعملية التوحيد قائمة، بالإضافة إلى عامل المؤثر الخارجي الذي قد يلعب دوراً في استمرار الانقسام.

وقد تكون عملية التهدئة في الحالة الليبية أسرع، بحكم أنها قائمة على أساس اتفاق فعلي لوقف إطلاق النار. لكن ما تعمل عليه الأطراف هو التأكيد على تثبيت وقف إطلاق النار من جانب الفصائل المسلحة، بحكم أن هذه الفصائل ليست ملزمة بقرار الوقف المتفق عليه في السابق، حيث ينحصر الاتفاق في الكيانات العسكرية (القيادة العامة وأركان غرب ليبيا). لكن في الحالة اليمنية، حتى وإن كان توسيع الهدنة وخفض التصعيد مطروحاً على طاولات الحوار، لكنها من حيث مؤشرات الالتزام بها ستظل هشة إلى حد كبير، خاصة وأن المليشيا الحوثية تسعى إلى توسيع الهدنة في إطار إبرام صفقة تحقق لها مكاسب أكبر مما حققته الهدنة الحالية. وفي ليبيا أيضاً، فإن حضور الصفقات وارد في سياق مشاورات بوزنيقة، لكن الالتزام بين الجانبين أقوى.

النواة الصلبة

في الأخير، هناك طلب متزايد على إعادة بناء الجيوش في دول الصراعات والأزمات، بالنظر لما تمثله الجيوش من نواة صلبة للدولة قادرة على استعادة مناعتها وقوتها التي تعرضت للضعف، وتكشف المؤشرات الحالية في إطار التحركات التي تقوم بها المكونات السياسية والعسكرية في بعض الدول، على غرار اليمن وليبيا، عن أنها ليست عملية مستحيلة كلية رغم ما يواجهها من معضلات وتحديات، لكن تظل نقطة البداية هى الوصول لتوافقات على نحو ما جرى في الحوار اليمني بين المكونات السياسية المختلفة، إلى جانب توافر أجواء التهدئة وتراجع حدة الصراعات بما قد يُشكّل بيئة مناسبة في المستقبل لعملية إعادة بناء القوة العسكرية الموحدة.