اشتعلت المعارك مرة أخرى فى الخرطوم وأم درمان بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، وتصور الطرفان أنه يمكن حسم المعركة بينهما بقوة السلاح، رغم أنها ستحسم على طاولة المفاوضات وبمسار سياسى جديد.
وكانت الخرطوم قد شهدت اشتباكات بالأسلحة الثقيلة بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، بعد مواجهات متزامنة فى مدن العاصمة الثلاث، فى وقت جرت فيه أعمال نهب واسعة للممتلكات فى كل من الخرطوم ودارفور، كما حلّقت طائرات حربية سودانية فى سماء الخرطوم وسُمع دوى انفجارات قوية ومتتالية فى جنوب أم درمان غربى العاصمة.
وكانت وتيرة القتال بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع تصاعدت فى اليومين الماضيين لتشمل مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم والخرطوم بحرى وأم درمان) بعد انتهاء أحدث هدنة بين طرفى الصراع سبق توقيعها فى جدة برعاية أمريكية سعودية.
والمؤسف أن هذه الاشتباكات جرت فى وسط الأحياء السكنية وخلّفت مئات الضحايا من المدنيين، ولنا أن نتخيل أن تشهد أحياء مثل شارع الغابة، والمنطقة الصناعية، والحلة الجديدة غربى الخرطوم، بجانب أحياء أم درمان، اشتباكات بالأسلحة الثقيلة دون أن يعبأ الطرفان بالساكنين فيها من الأبرياء.
وقد تنافس طرفا الصراع فى إعلان السيطرة على أحياء ومناطق بعينها، فأعلن الجيش السودانى أن قواته سيطرت على شارع الأربعين فى أم درمان، فى حين أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على حامية عسكرية فى مدينة «كُتُمْ» غربى البلاد، وهو ما نفاه الجيش.
والحقيقة أن أخطر ما يواجه السودان حاليًا هو التداعيات الإنسانية لهذه الحرب، خاصة مع احتمال تكرار موسم الفيضانات الذى كانت له تداعيات خطيرة فى وقت السلم، فما بالنا بوقت الحرب، فوفقًا للأمم المتحدة، تسببت الاشتباكات المشتعلة منذ إبريل الماضى إلى نزوح 1.2 مليون سودانى داخل البلاد، و400 ألف آخرين إلى دول الجوار، يقدر حوالى نصفهم فى مصر، كما أعلن فى جلسة مجلس الأمن الدولى عن توفير نحو 129 مليون دولار لرعاية 100 ألف لاجئ لمدة 6 أشهر فى تشاد، وهو بالطبع مبلغ زهيد أمام نقص الاحتياجات الأساسية لهؤلاء اللاجئين.
ورغم التفاؤل الكبير الذى صاحب التوقيع على الهدنة الأخيرة التى استحضرت مراقبين دوليين، إلا أن فشلها دفع الولايات المتحدة إلى العودة لسياسة العقوبات التى لم تحل كثيرًا من الصراعات، ففرضت عقوبات على شركتين للجيش ومثلهما من الدعم السريع.
يقينًا يحتاج السودان لضغوط دولية وعربية وعلى طرفى الصراع من أجل إقناعهما بضرورة وقف القتال والتوافق على مرحلة سياسية جديدة، تبدأ بتوحيد المؤسسة العسكرية وإنهاء ظاهرة الدعم السريع كقوات غير نظامية خارج الجيش وليس كأفراد، وأيضًا إنهاء ظاهرة تسييس مؤسسات الدولة، ومنها الجيش، التى جرت فى عهد البشير، وبنائها على أسس مهنية جديدة.
نقلا عن المصري اليوم