مظلومة كثيرا المنطقة العربية بموقعها الفريد كجزء من الصحراء الكبرى التى تعد الأوعر والأكثر قحطا فى العالم، فبينما تمثل البلدان العربية 5% من سكان العالم إلا أنها تتلقى أقل من 1% من أمطار العالم، وتمثل 10% من مساحة العالم ولا يجرى فى أراضيها أكثر من 0.03% من مياه أنهار العالم، لأنها تقع فى أشد مناطق العالم حرارة وجفافا، كما تأتيها أكثر من 67% من مواردها المائية السطحية والجوفية من خارج حدودها ومن بلدان غير عربية. وبالإضافة إلى هذا الوضع الصعب إلا أنها تتلقى ضربات أخرى فى المناطق القليلة المحتوية على الأنهار والمناطق الصالحة للزراعة، فى مصر والسودان والعراق ولبنان وتونس والمغرب والصومال وموريتانيا وسوريا والأردن، سواء بالسدود العملاقة التى تقام على منابع أنهارها فى تركيا وإيران وإثيوبيا وتضر بالعراق وسوريا ومصر والسودان والأردن، أو بتغيرات المناخ التى تضرب أيضا منابع هذه الأنهار كما تضرب السواحل العربية فى تونس والجزائر والمغرب فتجفف الانهار موسمية الجريان التى تعتمد على تجميع مياه أمطار الشتاء لتجرى فى أنهار شتوية فقط أو تخزن خلف سدود صغيرة، حيث ضرب المناخ أمطار وأنهار تونس والجزائر والمغرب فتراجعت بنسبة 75% عن معدلاتها، وارتفعت درجة حرارة الدول العربية بشمال إفريقيا بنحو 3.5 درجة مئوية طبقا لتقرير البنك الدولى وليس 1.5 درجة فقط كما هو متوقع من تغيرات المناخ بسبب ظروفنا الصحراوية ومانعانيه من قحط شديد. سدود تركيا وإيران على نهرى الفرات ودجلة أدت إلى تراجع حصص المياه فى سوريا والعراق بنحو 25 مليار متر مكعب ثم جاء سد إليسو مؤخرا لينقص 10 مليارات أخرى. كل هذه الأمور أدت إلى تربع مصر على قمة الدول المستوردة للقمح ثم الجزائر فى المركز الرابع ثم العراق فى المركز الثامن بخلاف مانستورده جميعا من باقى الحبوب وزيوت الطعام والبقول والسكر والأرز والأعلاف والذرة واللحوم والألبان المجففة والزبدة والتى تكلف الدول العربية أكثر من 75 مليار دولار سنويا، وتجعلنا نتربع على قمة المناطق المستوردة لغذائها فى العالم وبنسبة 65% من احتياجاتها من الأغذية الإستراتيجية الأساسية. وتعتمد البلدان العربية على سبعة مناشئ فقط مصدرة للغذاء للحصول على احتياجاتها منها بما يخلق تبعية غذائية وربما يخلق تبعيات أخرى خاصة فى أثناء أزمات الغذاء العالمية. بالإضافة إلى ذلك فإن الدول العربية تتكلف كثيرا من ناتجها المحلى وعملاتها الأجنبية أثناء أزمات الغذاء العالمية بما قد يتجاوز فروقا فى الأسعار فقط عند ارتفاع أسعار الغذاء مايتجاوز 2% من إجمالى ناتجها المحلى.
وبالرغم من قسوة المناخ والموقع على الدول العربية والمفترض معها حسن استغلال المتاح من المياه والتربة إلا أن معدلات الإنتاج الزراعى فى الدول الزراعية مازالت متراجعة ولا تتجاوز 50% من مثيلها فى معدلات الإنتاج العالمية بسبب اتباع الزراعة اليدوية والابتعاد عن الآلة والزراعة الحديثة والذكية، فإنتاج العامل الزراعى فى السودان لا يزيد على 330 دولارا فى السنة، وفى مصر 500 دولار وفى المملكة العربية السعودية 5000 دولار، بينما يبلغ فى هولندا والولايات المتحدة 23500 دولار فى السنة، بسبب كثافة استخدام العمالة اليدوية التى تعمل فى الزراعة عربيا واستهلاكها مبالغ كبيرة من تكاليف الزراعة، مقابل عامل واحد يقود الآلة فى أوروبا وفى الغرب بما يرفع من نسبة إنتاجه. هناك أيضا استخدامات وسائل الرى السطحى بالغمر مقابل الرى المقنن عالميا ومافى ذلك إلى إهدار للموارد المائية القليلة عربيا وأيضا تراجع المحصول وعدم حسن استغلال المياه وزيادة عائدها الزراعى. وفى هذا الأمر تقوم مصر بإجراءات منفردة لتصحيح هذه الأوضاع سواء بإعادة استخدام مياه الصرف بكل أنواعه (زراعيا وصناعيا وصحيا) فى الرى مرة أخرى والتى تجاوزت فعليا 20 مليار متر مكعب سنويا، بالإضافة إلى إعادة تأهيل وتبطين ترع توزيع وتوصيل المياه فى مشروع يتكلف مليارات الجنيهات مقدرا قيمة المياه كمصدر ثمين ليس له بديل، بالإضافة إلى تطوير الرى الحقلى والتوسع فى استخدام الآلة فى الزراعة وأيضا التوسع فى استخدام البذور والأصناف عالية الإنتاجية والمتحملة للعطش والحرارة والجفاف. وبلا شك هناك محاولات أخرى فى بعض البلدان العربية خاصة الأردن ولبنان وتونس والمغرب فى إعادة استخدام مياه المخلفات ومعاصر الزيتون وغيرهما وهو ماتوصى به المنظمات العالمية للمياه.
ومن النتائج الأكيدة لتغيرات المناخ زيادة الفاقد من المياه بالبخر سواء من المياه السطحية أو من سطح التربة وجسم النبات بما سيتسبب فى زيادة ملوحة التربة الزراعية ومعها تراجع الإنتاجية الزراعية، واحتياجها إلى مياه لغسيل تراكمات هذه الأملاح بينما المياه قليلة ونادرة، كما سيعمل على تراجع إنتاجية العناصر الغذائية الأساسية خاصة القمح والذرة بنحو 18% ومعها أغلب الحاصلات الشتوية وهو الأمر الذى يؤثر على نسب الاكتفاء الذاتى ويؤدى إلى زيادة استيراد الغذاء.
مازالت القوانين والتشريعات العربية تحد كثيرا من التكامل والتعاون الزراعى العربى، بل إن الاستثمار الزراعى فى الدول غير العربية مازال أقل مشاكل وأكثر فاعلية فى اللوجستيات والشحن. والأمر يحتاج إلى دراسات جديدة لمزيد من التعاون العربى والوصول إلى قرار بشأن هل الشراء من البورصات العالمية للغذاء أجدى أم التمليك والإيجار للأراضى لزراعتها فى البلدان العربية وغير العربية أجدى، وماهو مستقبل أمن الغذاء والمياه فى المنطقة العربية.
نقلا عن الأهرام