أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس أن يوم 29 يناير الجارى موعد إجراء الجولة الثانية من الانتخابات، وكانت الجولة الأولى التي جرت الشهر الماضى قد قاطعتها معظم الأحزاب، وبلغت فيها نسبة المشاركة حوالى 10%، وفاز فيها 10 مرشحين بالتزكية نظرًا لعدم وجود منافسين لهم.
وبالتوازى مع الانتخابات، شهدت البلاد مظاهرات حاشدة يوم السبت الماضى طالبت برحيل الرئيس، وبدَت البلاد وكأنها منقسمة بين مسارين أحدهما يقوده الرئيس والثانى يعترض على ما يقوم به الرئيس.
وقد بدأت الأزمة السياسية في تونس في نوفمبر 2011 في ظل حكم قادته حركة النهضة مع حزبين مدنيين أقل قوة وتأثيرًا، وتمت صياغة دستور هجين أقرب للنظام البرلمانى ظل مصدرًا لأزمات سياسية كثيرة.
وجاءت انتخابات 2019 البرلمانية والرئاسية، وأسفرت عن عدم حصول أي حزب على أغلبية، ودخلت البلاد في مكايدات سياسية وحزبية بصورة جعلت النظام عاجزًا عن الفعل والإنجاز.
ثم جاءت الانتخابات الرئاسية، واكتسحها الرئيس قيس سعيد، إذ حصل على حوالى 75% من أصوات الناخبين، وبدَت البلاد وكأنها على أعتاب مرحلة استقرار بعد إتمام الاستحقاقات الانتخابية.
ولم تَدُمْ هذه اللحظة المبشرة كثيرًا، حيث دخلت تونس في أزمات متتالية نتيجة ضعف الصلاحيات الممنوحة للرئيس المنتخب من الشعب، وتنازُعها مع صلاحيات رئيس الوزراء المنتخب من البرلمان، وأصبحت السلطة التنفيذية برأسين: رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، ما أصاب النظام بالشلل والعجز.
والحقيقة أن شعور قطاع واسع من الشعب التونسى بعجز منظومة الحكم الدستورية والسياسية عن تلبية احتياجاته دفعه إلى دعم قرارات الرئيس سعيد الاستثنائية في 2021، ثم تصويت حوالى 27% من الشعب التونسى في شهر يوليو الماضى لصالح الدستور الجديد، حيث بلغت نسبة المؤيدين حوالى 94% من إجمالى المصوتين، إلى أن جاءت الانتخابات التشريعية الأخيرة، وشعر الناس أن المشروع البديل الذي قدمه الرئيس ونال دعمهم لم يُترجم في إنجازات تُذكر على الأرض سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، فكانت مقاطعة الانتخابات.
مسار الأعوام الخمسة الأخيرة في التجربة التونسية يقول إن هناك أزمة عميقة في أداء الأحزاب السياسية، وهناك أزمة أخرى بسبب محاولات حركة النهضة الهيمنة على النظام السياسى، وهناك عجز للمشروع الرئاسى البديل في تقديم حلول عملية للمشاكل القائمة، واحتفظ الرئيس بشعارات ومقولات لا علاقة لها بالتحديات الموجودة على الأرض، والتى يتكلم فيها أغلب المواطنين.
صحيح أن المسار التونسى للرئيس سعيد لم يغلق المجال السياسى، ولم يطارد الأحزاب التي ينتقدها كل يوم، وظل قادتها ينتقدون الرئيس ويتظاهرون ضده دون أن يسموا، وبدا واضحًا أن قوة الاتحاد التونسى للشغل والمجتمع المدنى وحضور الأحزاب رغم مشاكلها جعلت هناك استحاله على الرئيس الحالى أو أي رئيس أن يغلق المجال العام والسياسى، حتى لو فرض عليه بعض القيود.
نقلا عن المصري اليوم