تمثّل الكوارث الطبيعية لحظات قاسية وضاغطة؛ تلقي بثقلها على اقتصادات الدول، بالنظر إلى كلفتها الآنية والمستقبلية، وأخذاً في الاعتبار التباين الذي يطبع حدّتها ومدى خطورتها، فإن بعض هذه الكوارث، بخاصة الخطرة منها، يمكن أن تدفع الدول، بما فيها المتقدمة؛ إلى طلب المساعدات الدولية، كسبيل لتخفيف العبء، ودعم الجهود الرامية إلى إنقاذ وإغاثة الضحايا.
تتطلب الأعاصير والزلازل والحرائق، وغيرها من الكوارث الطبيعية؛ تدخلات عاجلة وإمكانات بشرية وتقنية ومالية عالية، للحيلولة دون خروج الأمور عن السيطرة، ومعالجة التبعات الاجتماعية والتربوية والصحية والنفسية الناجمة عن هذه الأوضاع، ثم الانتقال من مرحلة التعافي إلى مرحلة التنمية. وبغضّ النظر عن الدواعي الإنسانية للمساعدات الدولية التي تعرضها الدول والمنظمات على البلدان المتضررة، هناك جانب قانوني يطرح بشكل ملّح خلال حدوث الكوارث الطبيعية، ويتعلق الأمر بمدى شرعية إرغام الدول على القبول بهذه المساعدات بذرائع إنقاذ الضحايا وتوجيه الدعم للمتضررين.
راكم المجتمع الدولي مجموعة من الجهود والمبادرات الودية التي تدعم التعاون وتنسيق الجهود في سياق التعامل مع الكوارث الطبيعية؛ بالنظر إلى انعكاساتها المدمرة والعابرة للحدود أحياناً، وعلاوة على عدد من التدابير والاتفاقيات الثنائية والجماعية إقليمياً (آلية الحماية المدنية في الاتحاد الأوربي)، ودولياً (إطار عمل «هيوغو» 2005-2015 لبناء قدرة الدول والمجتمعات على مواجهة الكوارث)، وإطار «سنداي» للحد من مخاطر الكوارث 2015-2030. ولا تخفى أيضاً أهمية الجهود التي يبذلها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمانة العامة للأمم المتحدة على مستوى تنسيق الاستجابة لحالات الطوارئ.
إن قواعد القانون الدولي؛ وإن كانت تؤكد أهمية التعاون وتنسيق الجهود الكفيلة بتحقيق السلم والأمن الدوليين (نشير في هذا الصدد إلى الفقرة الثالثة من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد أن من بين مقاصد الأمم المتحدة، تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية)، فإنها كفلت للسلطات الوطنية، واستناداً إلى مبدأي المساواة في السيادة بين الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، صلاحيات واسعة للتعامل مع الأوضاع التي تخلفها هذه الكوارث؛ من خلال هيئاتها وسلطاتها المختلفة، كالجيش وقوات الوقاية المدنية (الدفاع المدني)، وقوات الأمن وغيرها من المصالح والهيئات الوزارية.
كما أن النقاشات التي بلورتها لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة منذ عام 2007، بشأن وضع اتفاقية دولية بشأن حماية الأشخاص في حالات الكوارث، وإن أسفرت عن وضع بعض الضوابط المتصلة بتقديم هذه المساعدات في إطار من الحياد والنزاهة، وعدم التمييز، واستحضار مقتضيات القوانين الوطنية، واحترام الكرامة الإنسانية، ظلّت تؤكد سيادة الدول المعنية بهذه الكوارث ومحورية أدوارها في هذا الصدد. وإضافة إلى كل ذلك، نشير أيضاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 55/163 لعام 2001، المتعلق ب«التعاون الدولي بشأن تقديم المساعدة الإنسانية في ميدان الكوارث الطبيعية من مرحلة الإغاثة إلى مرحلة التنمية»، الذي أكد «إن الدولة المتضررة هي التي تقع عليها في المقام الأول مسؤولية الشروع في تقديم المساعدة الإنسانية وتنظيمها وتنسيقها وتنفيذها داخل إقليمها». وارتباطاً بالموضوع، وفي أعقاب الزلزال المدمر الذي أصاب المغرب، مؤخراً، وافقت المملكة على تلقي المساعدات التي عرضتها عليها كل من دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وإسبانيا وبريطانيا، دون غيرها من المبادرات التي طرحتها دول أخرى بهذا الخصوص، وفي الوقت الذي عبّرت فيه الكثير من الدول؛ كما هو الشأن بالنسبة لألمانيا، عن تفهمها للموقف المغربي، فإن دولاً أخرى كفرنسا، لم تستوعب هذا الخيار السيادي.
إن توجه المغرب في هذا الصدد، وإن كان سيادياً، لا يعني البتة رفضاً للمساعدات الإنسانية في حد ذاتها، بل هو نتاج لتقدير الوضع الميداني بتعقيداته، وحاجياته، وأولوياته، خصوصاً أن المنطقة الجبلية التي شكلت مركزاً للزلزال، معروفة بتضاريسها ومسالكها الوعرة التي قطعت الكثير منها بسبب تناثر الصخور.
كما أن اللحظة إنسانية بامتياز، تقتضي تجاوز التعامل معها بخلفيات سياسية، خصوصاً أن المغرب تجنّد بشكل كبير واحترافي لإنقاذ الضحايا وتقديم الدعم لهم، بل قاد عدداً من المبادرات الرامية إلى تأهيل المنطقة والاعتناء بالضحايا، فيما برزت مبادرات تضامنية واسعة؛ قادها المواطنون وعدد من الهيئات المدنية في هذا الصدد.
نقلا عن الخليج