قد يكون الإنجاز الوحيد للقمة العربية في الجزائر الثلثاء والأربعاء الماضيين، هو انعقادها بعد ثلاثة أعوام من التوقف بسبب وباء كورونا. أما لجهة الخطب التي ألقيت و”الإعلان” الصادر عنها، فيكادان يكونان نسخة طبق الأصل عن القمم السابقة.
القادة الذين توالوا على الكلام كانوا محقين ودقيقين في تشريحهم ووصفهم للأوضاع المزرية التي تعيشها بعض دول العالم العربي، من تفتت وتشرذم وصراعات أهلية، مثل سوريا واليمن وليبيا وسط إنقسام فلسطيني، يُعد من أبرز العوامل التي تدفع المجتمع الدولي إلى تجاهل القضية الفلسطينية.
أتت القمة العربية وسط تحولات دولية كبرى أبرزها الحرب الروسية – الأوكرانية وما تسبّبت به من أزمات على صعيد الغذاء والطاقة والتضخم. وهذا أدى بدوره إلى تراجع الاهتمام الدولي بالمسألة الفلسطينية.
وفوق كل ذلك، انحصر الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط في مسألة وحيدة، ألا وهي كيفية توفير الطاقة للأسواق العالمية، في ظل الانفطام الأوروبي عن النفط والغاز الأوروبيين. وانعكس ذلك في سجال بين الولايات المتحدة من جهة والسعودية ودول عربية منتجة للنفط من جهة أخرى.
أما المشاكل الأخرى التي تعانيها المنطقة، فتبدو مؤجلة. هذه سوريا تخضع لعقوبات غربية قاسية تدفع بملايين الناس إلى هاوية الفقر والجوع وتفشي الأمراض. وتقارير الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية تتحدث عن ذلك بأرقام مخيفة. وعلى رغم ذلك لا تلوح في الأفق أي بوادر نحو تسوية سياسية لأزمة تجاوزت العقد ونيف. لا العرب قادرون على تحقيق اختراق يوصل إلى تسوية، ولا أميركا أو أوروبا المنشغلتان بأوكرانيا مهتمتان في الوقت الحاضر، بالدفع نحو الحوار وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254. وفي ظل الغرق الروسي في الأزمة الأوكرانية، زاد الدور الإيراني في هذا البلد.
واليمن هو الآخر، ليس بحال أفضل، من أزمات إنسانية مستفحلة بينما تواجه جهود الأمم المتحدة لتجديد الهدنة صعوبات جمة، ما يزيد احتمالات معاودة الحرب. واليمن هو تحدٍ كبير للعالم العربي في مواجهة النفوذ الإيراني.
وليبيا غارقة في فوضى “الربيع العربي” الذي خلف دماراً وكوارث في هذا البلد، بعدما حاول الإسلام السياسي مصادرة الانتفاضات الشعبية وتطويعها من أجل الوصول إلى السلطة ليس إلا. وعلى رغم إخفاقه في مصر وتونس، فإنه لا يزال يحاول أن يقتطع نفوذاً له في ليبيا، ما يعمق المأساة الليبية ويعقد التوصل إلى حلول.
والعراق شبيه باليمن وسوريا من ناحية تمدد النفوذ الإيراني بينما العرب لا يزالون شبه غائبين عن الحضور في الساحة العراقية.
هذه الأزمات كلها لم تجد في قمة “لمّ الشمل” سوى كلام منمق ليس إلا، حتى ليبدو الأمر في اليوم الثاني للقمة، كأنها لم تنعقد وأن ما ورد في الخطابات قد طواه النسيان.
ويكمن جزء أساسي من المعضلة، في أن الخلافات بين العرب لا تزال أقوى من القواسم المشتركة. وما يفرقهم أقوى بكثير مما يجمعهم. وهذا هو واقع العرب، بما يضعف موقفهم ويجعل الخارج لا ينظر إلى العالم العربي إلا من منظار إمتلاك بعض دوله ثروات طبيعية فقط، وأن هذه الثروات يجب أن توظف في خدمة المصالح الغربية أكثر مما يجب أن توظف في خدمة المصالح الوطنية لهذه الدول. والانتقادات الأميركية لقرار السعودية خفض إنتاج النفط ضمن تحالف “أوبك+” خير دليل على هذه النظرة.
إن العالم الذي يشهد في الوقت الحاضر انتقالاً من نظام إلى نظام، وتزداد حدة الاستقطاب بين الغرب من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية، يجب أن تكون الدول العربية أكثر تكتلاً في مواجهة التحديات التي تواجهها وأن تحجز لنفسها مكاناً أرقى في التنافس العالمي.
نقلا عن النهار العربي