لا يمكن أن أحسب نفسى مع أولئك الذين فقدوا الأمل فى إصلاح الموقف العربى وأصبحوا يرون أن الجسد العربى أصبح بلا حراك أو فاعلية، ذلك أننى إذا سلمت بهذا التوجه الذى أراه غير سليم وشديد التشاؤم إذن فلا يوجد أى معنى لعقد القمم العربية أو الاجتماعات التى تتم بين القادة العرب، ومازالت قناعتى الكاملة تتبنى المقولة المعروفة إن الجسد العربى يمرض ولكنه لا يموت.
ليس خافياً على أحد أن الواقع الراهن يشير بكل وضوح إلى أن الوضع العربى يمر بمرحلة وهن شديد من جراء العديد من العوامل التى أدت إلى الوصول إلى الحالة التى نراها أمامنا، والتى يمكن القول إن أهم أسبابها تتمثل فى الصراعات الداخلية البعيدة عن المصالح العليا للدولة وماترتب عليها من تدخلات خارجية، الأمر الذى عكس تأثيراته السلبية على الأوضاع فى كل من ليبيا وسوريا والعراق واليمن ولبنان، هذا بالإضافة إلى تراجع فرص حل القضية الفلسطينية واستمرار الانقسام وسيطرة حماس على قطاع غزة .
وبالتالى فإن طرح هذه المشكلات ومسبباتها وطرق معالجتها بشفافية تعد هى المدخل الحقيقى لإعادة إحياء الموقف العربى الذى يمتلك كل أدوات القوة الشاملة، أما السؤال الذى لا أجد إجابة مقنعة عنه يتمثل فى أنه إذا لم تتحد الدول العربية فى مواجهة المخاطر التى تحيط بالجميع بل أنهكت تماماً البعض فمتى سوف تتحد؟ ثم أضيف سؤالاً آخرمفاده ماهى الأسباب التى تجعل الموقف العربى بهذا الشكل وتحول بينه وبين أن يعيد اكتشاف أنه يملك القدرة على أن يكون عنصراً فاعلاً فى التعامل مع جميع المشكلات التى يعانيها العالم حالياً وأبسط مثال على ذلك مشكلة الطاقة التى أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية والتى أكدت تفوق القدرات العربية. وفى رأيى أن الخلافات العربية مهما تتفاقم فإنها تظل قابلة للحل والدليل على ذلك نجاح المصالحة الخليجية القطرية والمصالحة المصرية القطرية وهو ما يمنح الأمل إزاء إمكانية تطوير العلاقات العربية سواء على المستويات الثنائية أو الجماعية، وحتى أكون منطقياً فإنى لا أعترض مطلقاً على أن تسعى كل دولة إلى تأمين مصالحها بالشكل الذى تراه مناسباً ولكن بشرط ألا يتعارض هذا التوجه مع مبدأ العمل العربى الجماعى، وهى معادلة أعتقد أنها قابلة للتنفيذ إذا ما توافرت الإرادة السياسية لدى القادة العرب والتى من المؤكد أنها متوافرة ولكن لابد أن تتحول إلى واقع على الأرض. وفى هذا المناخ الشديد الصعوبة سوف تعقد القمة العربية فى الجزائر فى الأول من نوفمبر القادم أى بعد بضعة أسابيع وهى فترة لاتكفى لحل المشكلات المثارة حالياً فى المنطقة، ولكنها تكفى فى رأيى لوضع خريطة طريق عربية أو خطة عمل تساعدنا فى المستقبل القريب على الخروج من مستنقع لامفر من أن نخرج منه وإلا سوف نظل منغمسين فيه لعقود طويلة قادمة . ومن الظلم البين تحميل الجامعة العربية وحدها مسئولية الوصول إلى هذا الوضع العربى ذلك أن الجامعة ماهى إلا انعكاس للحالة العربية سواء كانت هذه الحالة قوية أو ضعيفة إلا أنه لابد للجامعة التى يترأسها شخصية دبلوماسية مرموقة أن يكون لها دور أكثر فاعلية وقدر استطاعتها، ورغم كل هذه المشكلات فأننى أومن بأن الجامعة العربية مازالت تمثل الكيان العربى الرئيسىالجامع الذى يجب الحفاظ عليه مهما تكن الصعاب، ومن ثم يجب على الجميع أن يمنحها القدرة على القيام بدورها حيث أنه ليس من العدل تقييد قدرتها على العمل ثم القيام بانتقادها. وليس من المنطق أن أطلب من قمة الجزائر حل المشكلات العربية الحالية التى تحتاج إلى وقت وجهد حتى تعود الأوضاع إلى طبيعتها ولكن فى نفس الوقت من الضرورى أن يكون لهذه القمة كلمتها تجاه الأوضاع التى تمر بها المنطقة وأعتقد أنه إذا لم تقم القمة بدورها فى ظل هذه الظروف فمن الصعب أن نأمل فى أى قمة قادمة. وفى هذا المجال أرى أن هناك ستة عوامل رئيسية مطلوبة فى قمة الجزائر وهى: العامل الأول مشاركة جميع القادة العرب فى القمة كأولوية أولى أو من ينوب عنهم إذا لزم الأمر وفى أضيق الحدود، مع أهمية التوصل إلى حل لكيفية المشاركة السورية فى القمة.
العامل الثانى أن يكون البيان الختامى الصادر عن القمة مختصرا قدر الإمكان وبعيدا عن العبارات الإنشائية حتى لايكون نسخة مكررة من البيانات السابقة وبالتالى يفقد أهميته .
العامل الثالث أن تسعى هذه القمة إلى بلورة حلول واقعية لكل المشكلات التى تعانيها المنطقة العربية وتمثل أحد مسببات الصراع، وأعتقد أننا نمتلك الخبراء القادرين على صياغة المبادئ الأساسية المعروفة لتسويةكل القضايا حتى تكون لدينا حلولنا العربية وليست الحلول الخارجية المفروضةالتى لاتراعى إلا مصالحها.
العامل الرابع أن يتم تعيين ممثل للجامعة العربية لمعالجة كل من المشكلات العربية الحالية، فليس من المعقول أن يكون لكل قضية عربية مبعوث أممى أو دولى أجنبى بينما يغيب المبعوث العربى القادر على التعامل مع هذه القضايا.
العامل الخامس أن تكون القضية الفلسطينية حاضرة بشكل قوى فى هذه القمة وأن يتم الإعلان عن أن عام 2023 هو عام القضية الفلسطينية، ويتم تشكيل لجنة جديدة دائمة ومصغرة وفاعلة تكون مهمتها التحرك مع كل الأطراف فور انتهاء الانتخابات الإسرائيلية وتشكيل الحكومة الجديدة من أجل استئناف المفاوضات وصولاً إلى حل الدولتين.
العامل السادس أن تنتهى القمة بوضع حجر الأساس لمرحلة عربية جديدة قوامها العمل الجماعى المشترك والفاعل قدر المستطاع.
نقلا عن الأهرام