الفوضى الاستراتيجيّة تسيطر على الشرق الأوسط المتأرجح بين شرق محارب وغرب تائه! – الحائط العربي
الفوضى الاستراتيجيّة تسيطر على الشرق الأوسط المتأرجح بين شرق محارب وغرب تائه!

الفوضى الاستراتيجيّة تسيطر على الشرق الأوسط المتأرجح بين شرق محارب وغرب تائه!



تمرّ منطقة الشرق الأوسط بـ”فوضى” استراتيجيّة غير مسبوقة، على الإطلاق، بسبب السياسات التي تعتمدها الولايات المتّحدة الأميركية، منذ وصول الرئيس جو بايدن الى البيت الأبيض، من جهة وبسبب المصالح التي باتت تجمع الدول الأساسية في المنطقة بكل من روسيا والصين، من جهة أخرى.

ولم يصدف أن كانت المملكة العربيّة السعوديّة في موقع إستراتيجي متقارب مع الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، كما هي عليه الحالة الراهنة، من دون أن يؤدّي ذلك إلى تقارب بينهما، بسبب عدم تخلّي القيادة الإيرانيّة عن مخطّطاتها للهيمنة على المنطقة.

وتتّهم واشنطن كلًّا من الرياض وطهران بخدمة مصالح روسيا، في حربها على أوكرانيا، إذ تعتبر أنّ قرار منظّمة “أوبك بلاس” تخفيض إنتاج النفط بمعدّل مليوني برميل يوميًّا يسمح لموسكو بتجاوز آثار العقوبات الغربيّة عليها، في وقت تتحدّث فيه عن امتلاكها ما يكفي من أدلّة على تزويد طهران للجيش الروسي بمسيّرات انتحاريّة يتم استعمالها، بمعونة مستشارين إيرانيّين، في تدمير المنشآت المدنيّة في أوكرانيا.

ولا تبدو إسرائيل في موقع استراتيجي بعيد عن كلّ من الرياض وطهران، وإن كانت اللهجة الأميركية حيالها أكثر اعتدالًا، إذ إنّ تل أبيب ترفض، منذ بدء الدعم الغربي لأوكرانيا وانطلاق الدفعة الأولى من العقوبات على روسيا، اللحاق بالركب الأميركي، بسبب مصالحها الأمنيّة والعسكريّة مع روسيا ولا سيّما في سوريا.

ولا ترى الرياض وتل أبيب أنّ اتّخاذ قرارات تحفظ مصالحهما، على حساب الرؤية الأميركيّة، من شأنه أن يضرّ بعلاقاتهما الإستراتيجيّة مع المعسكر الغربي، إذ إنّهما، في مكان ما، ينتهجان مسارًا شبيهًا بتركيا التي، لولا شراكتها القديمة نسبيًّا في صناعة مسيّرات بيرقدار مع أوكرانيا، لكانت، في كثير من القرارات التي تتّخذها، أقرب الى موسكو منها الى واشنطن.

ولكن إلى متى سوف تستمر هذه الفوضى؟

ثمّة من يعتقد بأنّ الأمور قد تصبح أكثر هدوءًا مع انتهاء الانتخابات الأميركيّة النصفية المقرّرة في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، إذ سوف تخرج الإدارة الأميركيّة، رابحة كانت أو خاسرة، من محاولة رمي مسؤوليّة الصعاب التي يعاني منها مستهلك الوقود الأميركي على عاتق المملكة العربيّة السعوديّة التي رفضت أن تقود أعضاء دول منظّمة “أوبك بلاس” إلى إرجاء تخفيض إنتاج النفط الى الاجتماع المقرّر الشهر المقبل، بناء على طلب كانت قد تلقّته من كبار المسؤولين الأميركيّين.

ولكن، في اعتقاد آخرين، فإنّ الأمور أكثر تعقيدًا ممّا تظهر عليه، إذ إنّ الدول الأساسيّة في الشرق الأوسط، لا ترى مصلحة لها في استرضاء الولايات المتّحدة الأميركيّة، على حسابها، طالما أنّها لا تلمس وجود سياسة أميركيّة واضحة حيال الشرق الأوسط، إذ إنّ إدارة جو بايدن، ما كانت قد اهتمّت بهذه المنطقة، لولا الحرب الروسيّة على أوكرانيا، وعودة الأهميّة الاستراتيجية لمصادر الطاقة.

ولذلك، فإنّ انتهاء الانتخابات الأميركية النصفيّة لن يغيّر شيئًا في الوقائع، إذا لم توضح واشنطن سياستها الحقيقيّة في الشرق الأوسط، ولا سيّما موقفها الحاسم من إيران وأذرعها في دول المنطقة.

وتُجمع مراكز القرار على أنّ اتّفاق ترسيم الحدود البحريّة بين إسرائيل ولبنان، جاء نتيجة صفقة عقدتها واشنطن، بواسطة مسؤولين لبنانيّين سياسيّين وأمنيّين، مع “حزب الله”، على الرغم من أنّه مدرج في لائحة التنظيمات الإرهابيّة والإجراميّة، الأمر الذي يُعطي صدقيّة عاليّة للمخاوف من نوعيّة الاستراتيجيّة الأميركيّة في الشرق الأوسط.

ويستحيل، في ظلّ الضبابيّة التي تحيط بتعامل واشنطن مع الملف الإيراني، أن تسمح دول المنطقة بتردّي علاقاتها مع روسيا وتبعًا لذلك مع الصين، في وقت يترسّخ فيه التحالف الإيراني مع هاتين الدولتين الكبيرتين اللتين أصبحتا جزءًا أساسيًّا من الديناميّة الدوليّة في الشرق الأوسط.

ولا يُعطي كثير من المراقبين صدقيّة عالية للتهديدات التي يوجّهها بايدن، الخائف من أن تحوّله الانتخابات النصفيّة الى “بطّة عرجاء”، الى المملكة العربيّة السعوديّة، بسبب الانقسامات الحادّة في الولايات المتّحدة الأميركية، حيال الموضوع السعودي، من جهة أولى، وبسبب مصالحها الاستراتيجيّة مع السعوديّة التي لا تحتمل واشنطن أن تخسرها، في هذه المرحلة، من جهة ثانيّة، وبسبب بروز حاجة تل أبيب وأنقرة إلى الزخم السعودي، من جهة ثالثة، وبسبب المخاوف من أن تميل الرياض إلى علاقات أكثر عمقًا مع روسيا والصين، من جهة رابعة، وبسبب عدم الاطمئنان الى القيادة الإيرانيّة التي بدأ شعبها ينبذها، مهما حصدت من تنازلات، من جهة خامسة.

ويؤكّد المراقبون أنّ الفوضى الماثلة حاليًّا في المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط، هي مؤقتّة، وسوف تزول إمّا بتحديد دول المنطقة لسياستها النهائيّة، أو بتوضيح واشنطن استراتيجيتها التي تشوبها ضبابيّة كبيرة.

نقلا عن النهار العربي