تكتسب التحولات الإقليمية المتسارعة بعداً مهماً آخر، بعد الأنباء التي تحدثت عن اتفاق بين السعودية وسوريا لمعاودة تبادل فتح السفارات في الرياض ودمشق. طبعاً، هذه خطوة ما كانت لتتم من دون الإتفاق بين السعودية وإيران على معاودة العلاقات الديبلوماسية بوساطة صينية.
انفراج إقليمي آخر بين مصر وتركيا عقب زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو للقاهرة الأسبوع الماضي، وهي الأولى لمسؤول تركي على هذا المستوى لمصر منذ أكثر من عقد. وسبق لوزير الخارجية المصري سامح شكري أن زار تركيا في 27 شباط (فبراير) الماضي لتقديم التعازي بضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في 6 شباط. والحديث يدور الآن عن قمة قريبة بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان.
أما المسار السوري-التركي فهو ينتظر نتائج الإنتخابات الرئاسية والنيابية التركية في 14 أيار (مايو) المقبل، علماً أن روسيا لا تزال تأمل في انعقاد إجتماع على المستوى السياسي بين دول منصة أستانا التي تضم روسيا وتركيا وإيران زائد سوريا، من أجل البحث في وسائل تسريع المصالحة السورية-التركية، بصرف النظر عن نتائج الانتخابات.
وإنما يبقى الحدث الأهم هو أن معظم الدول العربية باتت مقتنعة بأن الوقت قد حان لمقاربة جديدة للأزمة السورية، في ظل الواقع المتغير على الأرض واستحالة كسر الجمود من دون تبني سياسات جديدة تسهم في إيجاد حل سلمي لنزاع دخل عامه الثاني عشر.
ولعل ثمة نتيجة باتت مؤكدة وهي أن الانسحاب العربي من دمشق، أتاح لإيران تعبئة الفراغ وساعد في زيادة النفوذ الإيراني بالمنطقة. وكما الحال في العراق، فإن العرب عندما عادوا إلى بغداد تمكنوا من إحداث تحول في سياسات الحكومة العراقية حتى تلك التي يرأسها اليوم محمد شياع السوداني الذي سمته أحزاب موالية لإيران لهذا المنصب.
السوداني يظهر انفتاحاً على الدول العربية لم يكن متوقعاً. ويطمح إلى لعب دور الوسيط بين السعودية وإيران على غرار الدور الذي لعبه سلفه مصطفى الكاظمي، فضلاً عن عرضه وساطة لإحياء المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران حول الاتفاق النووي لعام 2015.
لا ريب أن سوريا هي أمام فرصة لا تثمن مع الانفتاح العربي عليها الذي تبدى بصورة خاصة عقب الزلزال. وإيران هي الأخرى قد تجد نفسها بعد فترة بأنها مجبرة على تغيير سياساتها في سوريا في حال عادت دمشق إلى جامعة الدول العربية وكان هناك اهتمام عربي بإعادة الإعمار. ولن يكون في إمكان إيران الاستمرار إلى ما لا نهاية في استخدام سوريا رافعة لها في الصراع مع الولايات المتحدة.
إن المناخات الوفاقية السائدة اليوم بحاجة إلى تعاون من الجميع كي يكون في الإمكان فتح صفحة جديدة من التعاون ووقف الحرب التي دمرت سوريا، وكان السوريون هم الخاسر الأكبر فيها.
إن مبادرة السعودية إلى معاودة العلاقات مع سوريا بعد قرار الانفتاح على إيران، يؤسس بلا أدنى شك لأرضية صالحة للتفاهم وتبريد أزمات المنطقة.
وسوريا في حاجة ماسة إلى العرب وإلى إنطلاقة جديدة في سياساتها مبنية أيضاً على أرض الواقع والأخذ في الاعتبار مصالح الدول العربية بعد عقد من القطيعة والجفاء، كانت سوريا نفسها هي الخاسر الأكبر فيها.
إن التطلع اليوم يتعين أن يكون إلى ما يمكن أن يحمله الغد من أمل في انفراجات تقود إلى تغيير الحاضر المأسوي على أكثر من صعيد، من إعادة السلام إلى سوريا والعمل على وقف انهيار متمادٍ في لبنان، إلى تضميد جروح اليمن ووضعه على مسار التعافي.
نقلا عن النهار العربي