«الطورانية» قنبلة تركية تهدد روسيا والصين – الحائط العربي
«الطورانية» قنبلة تركية تهدد روسيا والصين

«الطورانية» قنبلة تركية تهدد روسيا والصين



طفت على السطح مجددا الدعوة إلى إنشاء «الإمبراطورية الطورانية» التى تمتد من غرب الصين وحتى المجر مرورا بوسط آسيا، وفى القلب منها تركيا، وكان ظهور خريطة للدولة الطورانية أو الأمة التركية الكبرى على شاشة فضائية تركية مثار دهشة، لكن الأهم هو تأسيس المجلس التركى عام 2009 من خلال اتفاقية نخجوان وتقع أمانته فى أسطنبول ، وقال الرئيس التركى أردوغان فى خطابه إن حلمه هو «أمة واحدة لست دول».

أما أولى خطوات التنفيذ العملى لهذا المشروع الطورانى فكان مشاركة تركيا فى ضم إقليم ناجورنى كاراباخ إلى أذربيجان، وبروز مخاوف من انتزاع جزء من أرمينيا لربط أراضى تركيا مع اذربيجان، تمنح تركيا إطلالة على بحر قزوين، وتتصل بباقى الجمهوريات «الطورانية» فى الشرق، ما أثار قلق روسيا، فاتصال تركيا ببحر قزوين يمكنه إحياء خط غاز «نابوكو»، الذى يمكنه نقل احتياطيات غاز تبلغ تريليون متر مكعب من بحر قزوين إلى أوروبا عبر تركيا، ليكون بديلا للغاز الروسى، وهناك دوافع أخرى لتحويل الطورانية من حلم إلى واقع، على رأسها عرقلة أهم مسارات مشروع طريق الحرير الصينى الجديد الحزام والطريق، وإشعال منطقة القوقاز جنوب روسيا. كما تحقق الطورانية عدة مكاسب لأردوغان، أولها أنها تعوضه عن انهيار حلم الخلافة العثمانية الجديدة التى تلقت ضربات قاصمة فى مصر وسوريا والعراق وتونس والمغرب والسودان وليبيا، ولهذا بدأ أردوغان فى تغيير خطابه الإخوانى، واستبداله بالخطاب القومى التركى الطورانى، ويراهن على تحالفه مع حزب الحركة القومية التركى، المتمسك بالمشروع الطورانى، والذى ارتفعت شعبيته، وحصل فى الانتخابات الأخيرة على أكثر من 16% من الأصوات، وبهذا يعزز أردوغان فرص فوزه فى الإنتخابات الرئاسية المقبلة، والتى ستحدد مصيره، ونلحظ فى خطابات أردوغان الأخيرة استخدامه مصطلح الأمة التركية، وتراجعا ملحوظا فى خطابه الإسلامى، وكذلك يمكن فهم سبب رفض اعترافه بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، التى وصفها بأنها تعود لتتار القرم، أى أنها أرض تابعة للإمبراطورية الطورانية، وكذلك ينمى علاقته مع أوكرانيا، وأعلنت أمينة جباروف النائب الأول لوزير الخارجية الأوكرانية التتارية الأصل عن رغبة بلدها فى الانضمام إلى الاتحاد التركى بصفة مراقب.

ورغم أن الفكرة «الطورانية» ليست جديدة، وتعود تسميتها إلى منطقة طوران وسط آسيا، وبدأت فى الظهور أواخر القرن التاسع عشر، إلا أنها تلقت دفعة قوية على يد نورى باشا «بطل القوقاز» عندما عاد من ألمانيا عام 1938، داعيا للتحالف مع ألمانيا التى ساعدت على نشر «الطورانية» فى آسيا الوسطى، وأنشآ معا فصيلة «تركستان الشرقية». لكن الحركة الطورانية الحالية تأسست على يد «الب أرسلان توركيش» مؤسس حزب «الحركة القومية»، والذى كان الممثل العسكرى لتركيا فى حلف الناتو ، وبفضله تمت صياغة الفكر الطورانى الجديد، وانتقلت زعامة الحزب من توركيش إلى دولت بهتشلى عام 1999، وتحالف مع حزب العدالة والتنمية عام 2018، وأعلن دعمه لأردوغان فى الانتخابات الرئاسية.

ومشروع الطورانية يمكن أن يكون مفتاحا لعدد من الألغاز، منها إصرار أردوغان على إنشاء قناة اسطنبول الجديدة بتكلفة 15 مليار دولار بمحاذاة مضيق البوسفور، والتى تم وصفها بالمشروع المجنون بسبب أضرارها البيئية وعدم الحاجة إليها فى ظل الأزمة الاقتصادية ، لكن القناة لن ينطبق عليها اتفاقية مونترو عام 1936، والتى تقيد مرور السفن الحربية للدول غير المطلة على البحر الأسود، وهو ما أثار قلق روسيا من أن تكون ممرا لأساطيل حلف الناتو إلى البحر الأسود، وقد تكون إشارة الرئيس الأمريكى بايدن إلى إنشاء طريق منافس لطريق الحرير الصينى مرتبط بمشروع الطورانية وقناة أسطنبول الجديدة، وكذلك سيتضح سبب الأزمة المتفجرة بين أذربيجان وإيران حول المخاوف من اقتطاع جزء من أرمينيا لربط أذربيجان وتركيا برا، وقطع الطريق أمام اتصال إيران بأرمينيا ومنها إلى أوروبا، وهى ممر إستراتيجى للتجارة وأنابيب الغاز، كما يفسر اهتمام تركيا المبالغ فيه بالسعى لتشغيل مطار كابول بعد الانسحاب الأمريكى من أفغانستان، وطلبها نشر قوات تركية حول المطار، لكن مؤشرات جدية مشروع الطورانية لا يعنى أنه لا يواجه صعوبات، وأن روسيا والصين ستصمتان على التمدد التركى نحو وسط آسيا لتهديد أراضيهما، وعرقلة طريق الحرير، لكن المؤكد أن جبهة جديدة للصراع أصبحت مفتوحة.

نقلا عن الأهرام