في عصر الشعبوية القطيعية تتأثر الدبلوماسية ذات الدينامية الفاعلة في الوصول أو الاتصال الفاعل بالرأي العام، فالدبلوماسية بطبيعتها وأدواتها المتعددة تبقى الخيار الأنجع في إدارة الدول لعلاقاتها البينية في كافة الظروف والحالات، ويعد الانخراط الفاعل أمضى أدوات الدولة حتى في حالة الأزمات الكبرى (الحروب).
الانخراط الخليجي (وليس الانفتاح هنا) على كل من إيران وتركيا ليس بالجديد في عُرف الدبلوماسية الخليجية، ولا يقلل من قيمة الموقف السياسي فيما سبق أو هو جارٍ من ملفات كبرى (الملف النووي والسياسات العدائية الإيرانية/ إعادة الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط/ تعطيش العراق وسوريا من قبل إيران وتركيا/ جهود إعادة الاستقرار إلى ليبيا والمتضررة من السياسات التركية/ الإضرار بجهود إنهاء الصراع في اليمن من قبل إيران/ أمن الملاحة في الخليج العربي والبحر الأحمر). كل تلك الملفات تستدعي الانخراط السعودي والإماراتي كونهما الأكثر استقراراً، والأكثر حضوراً في المشهد الإقليمي/ العربي/ الدولي. لذلك تأتي المباحثات السعودية الإيرانية (في العراق) على مستوى مستشاري الأمن القومي ذات دلالة (إلا إنه ليس بالضرورة أن يعكس نوايا الطرفين).
ففي حين تسعى طهران لتحقيق مكاسب تكتيكية ذات قيمة مضافة لمحادثاتها في فيينا، فإن الرياض تأكد موقعها القيادي في مسعى التخفيض من حدة التوتر De-escalation في عموم الملفات. وكذلك يأتي كشف الإمارات عن لقاء عالي المستوى ضم كلاً من معالي الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة وعلي باقري قاني كبير مفاوضي إيران في ملفها النووي ، والإفصاح عن زيارة مرتقبة لوفد إماراتي إلى طهران في وقت لاحق.
جدوى الانخراط هو تأكيد لإبداء حسن النوايا، وليس ضرورة تكافئ مصداقية أطرافها، إلا أن غياب الانخراط الدبلوماسي المباشر لطالما كان بمثابة (عقب أخيل) في إدارة العلاقات وتمثيل المصالح الاستراتيجية، لذلك جاءت الخطوات السعودية الإماراتية تجاه تركيا وإيران في توقيت ذي توظيفات استراتيجية، ويعد مكملاً لما مثلته المواثيق الإبراهيمية من تحولٍ في المفهوم التقليدي للموازين السياسية شرق أوسطياً. وبمراجعة تاريخ الأزمات في الشرق الأوسط، نجدنا أمام واقع غياب الانخراط المباشر، وتقديم خيارات القنوات غير المباشرة وعلى حساب التاريخ الاجتماعي السياسي للمنطقة.
فما عُرف بدول الطوق يعيش حالة انهيار (اجتماعي سياسي) أو شبه انهيار (التعطل النسبي للدولة). فمن خلال تحقيق مثل هذه الاختراقات نجد جدوى الدبلوماسية الفاعلة في كونها الأقرب على اجتراح مقاربات أكثر واقعية واستدامة أو في تخليق توافقات احتوائية (أزمة الكهرباء في لبنان برعاية خليجية مصرية إسرائيلية/ اتفاقية الماء والكهرباء بين الأردن وإسرائيل برعاية الإمارات).
مثل ما تقدم هو الأمثل في تمثيل مصالحنا، وكذلك تأكيد لمفهوم تطور فلسفة الدولة وإدارة شؤونها، حيث يعول المجتمع الدولي على ذلك، وخصوصاً إطلاع القوى الإقليمية في إظهار مسؤوليتها في إدارة تبايناتها، وكذلك احتواء الأزمات وحلها، بدل إيكال إدارتها للمجتمع الدولي (الأمم المتحدة). إلا أن الانخراط الدبلوماسي يستوجب تطوير أو تعزيز قنوات دبلوماسية أخرى، وأهمها الإعلام لشرح ما يمكن إعلانه من التطورات، وخصوصاً عبر قنوات الإعلام الوطني والإقليمي وليس الدولي فقط، فالرأي العام الإقليمي معني قبل غيره في فهم دوافع مثل هذه التحولات، كذلك حتى لا يترك تفسير مثلها لإعلام غير متفهم، أو ذي أجندات سياسية قد ترى في مثلها تجاوزاً أو تطاولاً على أدوار قوى أخرى.
نقلا عن الاتحاد