شاركت فى جلسة حوارية مع مجموعة من المثقفين والباحثين المصريين لمناقشة الفكرة التى طرحها حديثًا وزير الخارجية الإيرانى، حسين أمير عبداللهيان، ودعا فيها لحوار إقليمى يشمل مصر والسعودية وتركيا بالإضافة لإيران لمناقشة قضايا المنطقة.
هذه الفكرة ذكرتنى أيضًا بالمبادرة التى طرحها السيد عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدولة العربية، أمام قمة سرت العربية عام 2010، لإنشاء رابطة لدول الجوار العربى، تضم دول الجامعة العربية ودول الجوار وعلى رأسها إيران وتركيا، مع استثناء إسرائيل من هذه الرابطة. منذ حوالى ثلاثة أعوام شاركت أيضًا فى حلقة نقاشية فى رحاب كلية الشؤون الدولية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ضمت مجموعة من الباحثين العرب حول العلاقة مع دول الجوار.
الموضوع بالتأكيد مثير للجدل، والبعض ما زال يرى أن الحديث عن علاقة أو حوار بين العالم العربى وبعض دول الجوار أمر مرفوض فى الظروف الحالية، لأن بعض دول الجوار، وخاصة تركيا وإيران، لا تزال تتبنى سياسات عدائية لدول عربية، ومن ثم فإن الحوار معها قد يعد مكافأة أو تشجيعًا لها على الاستمرار فى تلك الممارسات.
على الجانب الآخر، هناك وجهة نظر تساند الحوار بين الأربعة الكبار فى المنطقة، ويرى البعض أن الحوار ضرورى فى العلاقات الدولية مهما كانت الظروف، وأنه وبالرغم من وجود صراع بين الدول الغربية وإيران، فإن الحوار قائم بينهما.
يرتبط بوجهة النظر المؤيدة للحوار فكرة أن منطقة الشرق الأوسط تشهد تراجعًا لدور القوى الكبرى فيها وعلى رأسها الدور الأمريكى، وأن هذا الأمر ترتب عليه فراغ، تسعى الدول الإقليمية الكبرى لملئه، ومن ثم من الضرورى الحوار فيما بينها.
وقد أشرت من قبل فى هذه المساحة إلى أن العالم يسير نحو اللاقطبية، وينتقل من مرحلة العولمة إلى مرحلة الإقليمية فى العلاقات الدولية، بمعنى أنه مع تراجع دور القوى الكبرى فى العالم، فإن التفاعلات الدولية ستتركز على المستوى الإقليمى، وسيكون للقوى الإقليمية أو ما يطلق عليه «القوى المتوسطة» دور أكبر من القوى الكبرى فى الأقاليم المختلفة كما نشهد حاليًا فى أزمات ليبيا وسوريا واليمن وغيرها.
والقوى المتوسطة بحكم التعريف هى دول تملك عددًا من مؤشرات القوتين الاقتصادية والعسكرية وغيرهما، يضعها فى مرتبة متوسطة بين الدول الكبرى والصغيرة، وأهم ما يميزها هو سعيها للعب دور فى محيطها الإقليمى، وأن يكون لها نفوذ فى مناطقة الجوار، وكثيرًا ما تتحدد مكانتها الدولية ونظرة العالم لها وفقًا لوزنها ونفوذها فى إقليمها الجغرافى. وقد أشرت إلى الكتاب الذى صدر حديثًا لأستاذ العلاقات الدولية الهندى «سريرام تشوليا» بعنوان: «القوى الناشئة فى عالم ما بعد أمريكا»، وفكرته الرئيسية هى أن التحولات الكبيرة فى ميزان القوى العالمى الناجمة عن تراجع دور الولايات المتحدة لا تعنى بالضرورة وجود عالم تهيمن عليه الصين. بدلًا من ذلك، فإن أحد التداعيات الرئيسية لهذا التطور هو أن عددًا من الدول الناشئة (المتوسطة) لديها الآن فرصة «لملء الفراغ فى النظام العالمى الذى خلّفه الانسحاب الأمريكى» وأن القوى الناشئة لا يتعين عليها بالضرورة أن تسير فى عربة مع الصين أو الولايات المتحدة، ولديها خيار إنشاء كيانات إقليمية، أو تعاون بين الجنوب والجنوب.
لو طبقنا هذا المنطق على منطقة الشرق الأوسط، فإن القوى المتوسطة به أو القوى الإقليمية الفاعلة تتمثل فى مصر والسعودية وتركيا وإيران. صحيح أيضًا أن سعى تركيا وإيران لمد نفوذهما بالمنطقة العربية ليس وليد اليوم أو ناتجًا فقط عن تراجع الدور الأمريكى، فقد سعت إيران لمد النفوذ عبر الحدود إلى مناطق الجوار العربى فى عهد الشاه واستمر فى عهد الثورة الإسلامية، وكذلك الحال بالنسبة للسياسة التركية فى ظل أردوغان وسيستمر فيما بعده. ولكن بالتأكيد فإن منطقة الشرق الأوسط تشهد حالة من السيولة الشديدة، مرتبطة بتراجع الاهتمام والدور الأمريكى بها وانتقاله إلى آسيا لمواجهة الصعود الصينى، وحاليًّا إلى أوروبا لمواجهة التحدى الروسى.
أنصار الحوار يرون أن التفاعلات بين هذا الرباعى من القوى المتوسطة المتمثلة فى مصر والسعودية وتركيا وإيران هى التى ستحدد إلى حد كبير مستقبل منطقة الشرق الأوسط، وأن الحوار بينها لا يعنى بالضرورة أنها استجابة مباشرة للمبادرة التى طرحها وزير الخارجية الإيرانى منذ عدة أسابيع، فكما يتضح هناك أفكار عربية لهذا الحوار تسبق المبادرة الإيرانية بعدة سنوات.
ويرى هؤلاء أن الحوار بين الأربعة الكبار لا يعنى بالضرورة أن يبدأ بشكل رسمى بل يمكن أن تكون بدايته بحوارات غير رسمية بين مراكز البحث والتفكير، والحوار لا يعنى أيضًا الإسراع بإنشاء رابطة رسمية تضمها، بل يمكن أن يبدأ الحوار على المستوى الثنائى ثم يمتد إلى المستوى متعدد الأطراف، أو يمكن أن يسير المساران بشكل متواز، وأن يكون التقدم فى آليات الحوار ومجالاته مرتبطًا بإجراءات لبناء الثقة يكون على إيران وتركيا الالتزام بها.
باختصار، وسواء انتصرت وجهة نظر أنصار الحوار أو عدم الحوار، فإن المنطقة تشهد حالة من السيولة والاستقطاب، وتتطلب أفكارًا خلاقة للتعامل معها.
نقلا عن المصري اليوم