الحرب الأوكرانية والقوى الإقليمية – الحائط العربي
الحرب الأوكرانية والقوى الإقليمية

الحرب الأوكرانية والقوى الإقليمية



انفردَت سوريا مقارنةً بسائر الدول التى شاركَت فى التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذى أدان ما وصفه بالعدوان الروسى على أوكرانيا، بأنها الدولة الوحيدة التى كانت ساحةً للتعبير عن مختلَف أنماط التصويت على القرار. فإذا كان القرار المذكور قد شهد موافقة 141 دولة عليه، ورَفْض 5 دول له، وامتناع 35 دولة عن التصويت، فإن سوريا من جهة والأطراف المشتبكة فى صراعها الداخلى المسلح من جهة أخرى قد توزّع تصويتها على النحو التالي: عارضت سوريا القرار، وأيّدته كل من تركيا وإسرائيل، وامتنعت إيران عن التصويت، فكأن سوريا قدّمت لنا على هذا النحو نموذجًا مصّغرًا لخريطة التصويت فى جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة. من خلف هذا التنوع الكبير فى أنماط تصويت أبرز الفاعلين الإقليميين والدوليين فى سوريا علاوة على سوريا نفسها، توجد شبكة من العلاقات بالغة التداخل والتعقيد بين هذه الأطراف كافة، ومن المفهوم أن الصراع فى سوريا يمثّل أحد عوامل تفسير نمط تصويت كل طرف على حدة، لكنه بالتأكيد ليس هو العامل الوحيد. فلو بدأنا بسوريا سنجد أن علاقتها الوطيدة بروسيا تعد من ثوابت السياسة الخارجية السورية، وإن كان التدخل الروسى فى الصراع داخل سوريا فى سبتمبر 2015 قد قلب موازين القوة رأسًا على عقب، وبعد أن كان الرئيس بشار الأسد يتحدث عن الدفاع عن سوريا المفيدة كأقصى ما يمكن له تحقيقه فى مواجهة الهجوم الشرس للجماعات الإرهابية والداعمين لها، انزوت تلك الجماعات فى جيب إدلب وأصبح النظام وحلفاؤه يسيطرون على معظم الأراضى السورية، وبالتالى كان تصويت سوريا ضد قرار الجمعية العامة أمرًا مفروغًا منه.

وبالنسبة لتركيا فإنها شريك مع روسيا وكذلك إيران فى آليتى سوتشى والأستانة اللتين سحبتا البساط من تحت أقدام الأمم المتحدة فيما يتعلق بالتعامل مع تطورات الصراع فى سوريا، وتوجد بين تركيا وروسيا علاقات تجارية متنامية وأيضًا عسكرية، لكن فى الوقت نفسه فإن تركيا عضو فى حلف شمال الأطلسى وتلتزم بحد أدنى من التوافق مع الاتجاهات العامة لمواقف الحلف الخارجية، ومن هنا رأينا تركيا تصوّت مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة روسيا، لكنها سعت لتخفيف وطأة هذا الموقف من خلال طرح نفسها كوسيط بين طرفى الصراع أى روسيا وأوكرانيا، وكون روسيا وافقَت على وساطة تركيا فهذا دليل على أن شيئًا لم يتغير فى علاقتهما الثنائية.

ويتقاطع الموقف الإسرائيلى مع الموقف التركى فى بعض الجوانب، فالتنسيق الإسرائيلى ــ الروسى مستمر على قدّم وساق فى سوريا، وبفضل تفهّم روسيا لدوافع الهجمات المتتالية لإسرائيل على أهداف إيرانية فى سوريا أمكن إبعاد إيران عن الحدود السورية ــ الإسرائيلية، ثم إن روسيا طرف أساس فى الاتفاق النووى الإيرانى وتعوّل إسرائيل عليها فى لجم الطموحات الإيرانية النووية، وهناك تعاون أمنى وتجارى وأقلية روسية يعتد بها فى إسرائيل، لكن بالتوازى مع كل ذلك فإن علاقة إسرائيل بأوكرانيا ورئيسها قوية جدًا وتوجد أيضًا أقلية أوكرانية فى إسرائيل، لذلك فبينما رفضَت إسرائيل التدخّل الروسى فى أوكرانيا فإنها عرَضت التوسط لحل الأزمة، ثم قامت بالتنسيق مع تركيا عندما انتقل دور الوساطة لتركيا. نأتى لإيران التى تقف مع روسيا على نفس الخط فى سوريا، وهى بشكل عام منذ اندلاع ثورتها وهى تميز ما بين انفتاحها على روسيا وعدائها لأمريكا التى وصفَتها بالشيطان الأكبر، نعم وقفت إيران مع الولايات المتحدة ضد الوجود السوڤيتى فى أفغانستان، لكنها كانت صفحة وطويت، وتوطّد التعاون الروسي-الإيرانى اقتصاديًا وتجاريًا لدرجة أن اشترَطَت روسيا إعفاء تجارتها مع إيران من العقوبات الدولية عليها خلال مفاوضات إحياء الاتفاق النووى، أما لماذا لم تصوّت إيران ضد قرار الجمعية العامة إذن وعلاقتها قوية بهذا الشكل مع روسيا، فلأنها لا تريد تعقيد علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا فى هذه المرحلة الحرجة من مفاوضات فيينا.

إذا انتقلنا من تحليل السلوك التصويتى لسوريا وتركيا وإسرائيل وإيران، إلى تحليل الانعكاسات المُحتملة لهذا التصويت على الصراع السورى، أمكن لنا القول فيما يخص تركيا وإسرائيل إنهما قد وازنتا موقفيهما كما سبق القول بعدة خطوات إيجابية محسوبة تجاه روسيا، وكان مثيرًا للاهتمام أن يطلب الجيش الإسرائيلى من القيادة السياسية الالتزام بموقف الحياد فى قضية أوكرانيا إدراكًا منه لحجم المصالح المشتركة مع روسيا سواء فى سوريا أو خارجها، وبالتالى فإنه على الأرجح ستستمر خطوط التماس بين الموقف الروسى والموقفين التركى والإسرائيلى فى سوريا على حالها، سواء بخصوص إدارة الوضع فى مدينة إدلب معقل الميليشيات المدعومة من تركيا، أو بخصوص تأمين الحدود الإسرائيلية من أى تهديد ينطلق من الأراضى السورية. أما سوريا نفسها فمن الطبيعى أن تستمر روسيا فى دعمها نظام الرئيس بشار الأسد ليس فقط بسبب السلوك التصويتى لممثل سوريا فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن كذلك بسبب التسهيلات اللوجستية التى حصل عليها الجيش الروسى فى ميناء طرطوس دعمًا للعمليات العسكرية فى أوكرانيا.

كما أن من المفترض أن يستمر التنسيق الروسى ــ الإيرانى فى سوريا رغم عدم تصويت إيران ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك أن نفوذ إيران فى سوريا مطلوب لموازنة نفوذ كلٍ من تركيا وإسرائيل. تبقى الإشارة إلى أن التصوّر السابق لمستقبل التفاعلات فى سوريا هو تصوّر مبنى على تحقيق روسيا أهم أهدافها فى أوكرانيا فى الأمد القصير، فإذا تغيّر هذا الشرط يكون حينها لكل حدث حديث.

نقلا عن الأهرام