مع مرور ما يقرب من عامين علي بدء انتشار وباء “كوفيد 19″، في العالم مع نهاية صيف عام 2019، وتعدد الكوارث الطبيعية ومنها حرائق الغابات في اليونان والفيضانات في المانيا والصين والعديد من دول أوروبا، قامت العديد من الحركات الإسلام السياسي وبعض التنظيمات الإرهابية من محاولة التوظيف السياسي للكوارث الطبيعية وانتشار الأوبئة، عبر تعزيز العامل الديني كمفسر لوقوع الازمة، وطوق النجاة للشعوب من انتشار الكوارث الطبيعية وانتشار الأوبئة، ومع تصاعد حدة الأزمات وتعدد الكوارث الطبيعية التي يشهدها العالم، بالإضافة لاثار انتشار وباء كورونا المستمر منذ عامين، أصبحت الأرض خصبة للعديد من التيارات والجماعات الدينية المتشددة والتنظيمات الإرهابية لاستغلال تلك الأزمات التي تقترن بتنامي الجوانب الدينية لدى العديد من المواطنين لتوظيفها في عملية استقطاب المواطنين، ونشر أفكار ومفاهيم تلك الجماعات. وتتنامى تلك الظاهرة في مجتمعات العالم الثالث، وبشكل خاص بالمنطقة العربية، لانتشار العديد من الجماعات السلفية المتشددة بالمنطقة، بجانب ضعف المكوّن التعليمي والعلمي لدى قطاعات عدة بشعوب المنطقة.
الخطاب الديني المتشدد
خلال مدة تجاوزت عامين من عمر أزمة انتشار وباء (كوفيد-19) كورونا، وحدوث فيضانات عنيفة تشهدها دول أوروبا والصين وانتشار حرائق الغابات في اليونان، تنامى الخطاب الديني المتشدد من بعض الجماعات السلفية السنية والمرجعيات الدينية الشيعية المتشددة استغلالًا لانتشار الأوبئة والكوارث الطبيعية في المنطقة والعالم، وارتفاع أعداد المصابين والضحايا، وقد كان لهذا الخطاب بُعدان رئيسيان يتمثلان فيما يلي:
1) استدعاء فكرة العقاب الإلهي: حيث قامت العديد من الجماعات الدينية السلفية بتفسير انتشار الأوبئة والكوارث الطبيعية بأنها عقاب من الله لابتعاد البشر عن الشرائع الدينية، وهو ما دفع تلك الجماعات لاستخدام شعارات دينية لاستقطاب المواطنين عبر توجيه نداءات لخروج المواطنين في الشوارع عبر مسيرات (للابتهال الديني) والدعاء لله، تلك الدعوة لاقت قبولًا من قطاعات عدة بالعديد من بلدان المنطقة، كما حدث في (المغرب، والجزائر، والعراق، وإيران، وأفغانستان، وباكستان) مع بداية انتشار وباء كورونا في العالم.
2) رفض الإجراءات الاحترازية: لم تكتفِ الجماعات الدينية السلفية السنية والشيعية المتشددة باستحضار فكرة العقاب الإلهي، ولكنها لجأت إلى تصعيد الأمر عبر رفضها إجراءات بعض الدول العربية الاحترازية والوقائية بوقف تجمعات المواطنين، وتعطيل مؤقت للشعائر الدينية والصلوات بالمساجد، وغلق مؤقت لدور العبادة، مع اتخاذ قرار وقف خطبة الجمعة لمنع انتشار فيروس كورونا، فتلك الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار الفيروس تم رفضها بشدة من قبل بعض التيارات الإسلامية على الرغم من خروج فتاوى دينية من المؤسسات الدينية الرسمية بدول المنطقة، وبشكل خاص فتاوى مؤسسة الأزهر، بشرعية تعطيل الصلوات وخطب الجمعة بالمساجد تعطيلًا مؤقتًا لحين السيطرة على انتشار فيروس كورونا.
وعلى الرغم من ذلك فإن فتاوى بعض التيارات الإسلامية، التي تستند إلى أن الفيروس هو عقاب وابتلاء من الله نتيجة الابتعاد عن الحدود الشرعية؛ رفضت وقف الشعائر، واعتبرت أن هذا الوقف يُساعد على انتشار الفيروس وليس مواجهة الفيروس، وأن الفيروس لا يصيب المؤمنين، وهو ما أثّر على بعض المواطنين في الالتزام بالإجراءات المتبعة من الدول بجانب اقتراب العديد من المواطنين بدول الإقليم من الإيمان بأفكار تلك التيارات الدينية المتشددة، وهو ما يمثل قوة محتملة للتيارات الإسلامية المتشددة (السنية والشيعية) باستقطاب المزيد من المواطنين خلال المرحلة الجارية.
وفي هذا السياق، اعترضت العديد من المراجع الشيعية في العراق بكربلاء والنجف على تعطيل الشعائر الدينية بوقف خطبة الجمعة وصلاة الجماعة في المساجد، حيث أصدر المرجع الشيعي العراقي “قاسم الطائي” فتوى دعا فيها إلى الاستمرار بزيارة الأماكن الدينية وإقامة صلوات الجماعة والجمعة، وقال “الطائي” في رد على استفسار أُرسل من قبل أحد أتباعه بشأن غلق بعض المراقد المقدسة تحسبًا لانتشار فيروس كورونا، إن “الفيروس لا يصيب المؤمنين”. وهي الفتوى التي بدت ردًّا على فتوى المرجع الشيعي “علي السيستاني”، أكبر المراجع الشيعية في العراق، التي طالبت بضرورة الابتعاد عن إقامة صلاة الجماعة في ظل انتشار فيروس كورونا، كما لاقت هذه الفتوى رفضًا من قبل “مقتدى الصدر”، زعيم التيار الصدري العراقي، حيث رفض منع إقامة صلاة الجمعة ليتجمع على إثر ذلك الآلاف من مناصريه لإقامة الصلاة في مسجد الكوفة بعد قرار الحكومة بوقف صلاة الجمعة.
توظيف الجائحة والكوارث
استدعت جائحة فيروس كورونا المستجد إرثًا تاريخيًا من الترابط بين ظهور التنظيمات الدينية والأزمات، واستخدام الأزمات لخدمة مصالحها، فخلال عقد العشرينيات من القرن المنصرم كان ظهور جماعة الإخوان المسلمين من رحم الأزمة الاقتصادية العالمية والتي جاءت بعد انتشار وباء الأنفلونزا الإسبانية، وقد تكرر هذا النمط مع ظهور تنظيم الجهاد الإرهابي في أعقاب حرب يونيو 1967، إذ استغل التنظيم الأوضاع عبر نشر فكرة مفادها أن الهزيمة وقعت نتيجة ابتعاد المواطنين عن الدين، حيث سعت الجماعات المتطرفة من استغلال الكوارث والأزمات لمزيد من عمليات التجنيد والاستقطاب للمواطنين.
وعطفًا على ما سبق، شكلت جائحة فيروس كورونا المستجد وتعدد الكوارث الطبيعية في الفترة الأخيرة فرصة سانحة لعدد من الجماعات لخدمة مصالحها. وفي هذا الإطار، برز نمطان من التوظيف للجائحة والكوارث:
1) الضغط على الأنظمة الحاكمة: ولعل هذا ما سعى إليه تنظيم الإخوان، إذ إن بعض عناصر جماعة الإخوان، على سبيل المثال، أعلنوا رفض قرارات تعطيل صلاة الجماعة. وفي هذا الإطار، علق “وجدي غنيم”، الإسلامي القريب من جماعة الإخوان، على قرار الدولة المصرية بتعليق صلاة الجماعة مؤقتًا في المساجد، بقوله: أطالب الناس بالصلاة جماعة في الشوارع أمام المساجد. وهو الأمر نفسه الذي دعا إليه بعض شيوخ السلفية في الإسكندرية، حيث طالبوا المواطنين بالخروج إلى الشوارع للدعاء في مسيرات، وهي الدعوة التي أيدتها بعض عناصر جماعة الإخوان المسلمين في الخارج بهدف الاستغلال السياسي لفيروس كورونا في عملية استقطاب مواطنين جدد من ناحية، أو الضغط على الدول والأنظمة الحاكمة من جهة أخرى.
2) استقطاب عناصر جديدة: حيث تحاول بعض الجماعات الدينية المتشددة، وبشكل خاص التيار السلفي وبعض المراجع في التيار الشيعي القريب من النظام الإيراني، استغلال أزمة انتشار وباء فيروس كورونا وتعدد الكوارث الطبيعية في الدول وتصدير فكرة أن انتشار الأوبئة والكوارث هو غضب من الله لابتعاد المواطنين عن الدين من ناحية، واستغلال الأمر لاستقطاب أكبر عددٍ من المواطنين لتلك الجماعات والتيارات الدينية المتشددة. وهو الأمر نفسه الذي تكرر مع التنظيمات الإرهابية من توظيف وباء كورونا في عملية الاستقطاب؛ فمع الإعلان عن انتشار مرض فيروس كورونا في العالم نهاية شهر يناير من العام الفائت 2020، أعلن تنظيم “داعش” عبر صحيفة “النبأ” الداعشية، الإصدار الرسمي للتنظيم، في مقالة تحت عنوان (ضلّ من تدعون إلا إياه) ضمن العدد (223)، أن انتشار فيروس كورونا جاء لغضب من الله ضد المجتمع الجاهلي بدول العالم، ودعا تنظيم “داعش” إلى توبة المواطنين، والفرار إلى الانضمام للتنظيم حتى يتجنب البلاء (أي الإصابة بفيروس كورونا).
ولا يمكن إغفال أن التنظيمات المتطرفة تراهن على انتشار الأمراض والأوبئة والكوارث، وكثرة سقوط ضحايا نتيجة انتشار الأوبئة والكوارث الطبيعية؛ وهي عوامل قد تدفع العديد من الأشخاص إلى توسيع نطاق ارتباطهم بالجماعات الدينية، مما يُعزز من فرص التنظيمات الإرهابية بشكل عام في استقطاب المزيد من العناصر للتنظيم، الأمر الذي يمكن ملاحظته من انتشار العديد من الفيديوهات والتغريدات حول الربط بين انتشار الوباء وانتشار الأفكار الجاهلية بالدول.
في المجمل، على الرغم من تركيز أغلب دول الإقليم والعالم على مكافحة انتشار وباء فيروس كورونا المستجد وآثاره الاقتصادية؛ إلا أن بعض التيارات الدينية المتشددة تسعى لاستغلال الأزمة عبر اجتذاب واستقطاب أكبر قدرٍ من المواطنين للانضمام إلى تلك الجماعات والتيارات الدينية المتشددة، وهو ما يمكن أن يُسفر عن حدوث تحولات عنيفة في بنية تلك الجماعات الدينية القائمة، أو خروج عناصر من عباءة تلك الجماعات بشكل أكثر عنفًا وتطرفًا.