التطور العلمى والتكنولوجى من أجل التنمية بالدول العربية (3) – الحائط العربي
التطور العلمى والتكنولوجى من أجل التنمية بالدول العربية (3)

التطور العلمى والتكنولوجى من أجل التنمية بالدول العربية (3)



نظرا للدور المتزايد لمنظومة العلوم والتكنولوچيا، وما تُنتجه من بحث علمى وابتكار وتقدم تكنولوچى، فى الدفع بجهود الدول نحو تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وضمان استدامتها، فى ظل العصر المعرفى الذى يشهده العالم منذ بداية الألفية الثالثة، فإنه يجب النظر إلى مؤشراتها بوصفها أحد العناصر التى من شأنها الإسراع بمعدلات النمو الاقتصادى، وتعزيز كفاءة عناصر الإنتاج، والارتقاء بالقدرة التنافسية للدول.

وتشير مؤشرات الدول العربية فى هذا المجال، وفق تقارير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، إلى زيادة حجم النشر العلمى السعودى والمصرى بوجه عام خلال السنوات الأخيرة ليحتل المرتبتين (22 و26) على التوالى فى عام (2021)، وفق الأدلة الدولية لسيماجو (Scimago) التى تُعد من أهم المؤشرات فى مجال رصد التطورات البحثية للدول والقارات على المُستوى العالمى، كما حققت العراق ودولة الإمارات العربية المرتبتين (49 و52) فى عدد الأبحاث المنشورة دوليا فى نفس العام، أى الترتيبين الثالث والرابع عربيا.

ويعود تحسن مخرجات البحث والتطوير والابتكار المصرى إلى سياسات تشجيع النشر العلمى بالجامعات وتنامى أعداد مراكزها البحثية من ناحية، وتوافر قواعد المعلومات العلمية الداعمة للبحث والتطوير فى شكل رقمى متقدم، من ناحية أخرى.

فى حين يرجع تحسن الأداء البحثى بكل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات إلى سياساتها للاستعانة بأفضل الباحثين وأساتذة الجامعات على المستوى العالمى، والسعى إلى تعيينهم فى جامعاتها ومراكزها البحثية. كما تبنت الإمارات العربية سياسات أكثر صراحة فى هذا الاتجاه، من خلال منح الإقامة الدائمة للخبراء الأجانب العاملين فى مراكزها البحثية وجامعاتها.

وتفيد مؤشرات النشر العلمى العربية بأن السنوات الأخيرة من الحقبة الثانية من الألفية الثالثة قد شهدت تنوعا فى النشر العلمى مع باقى دول العالم. وبرغم استمرار التعاون العلمى بين الدول العربية والدول الغربية بوجه عام، فقد أظهرت البيانات أنماطا جديدة من التعاون البحثى مع دول العالم.

بيد أن الظاهرة الجديدة تتمثل فى زيادة كثافة النشر العلمى المُشترك بين الدول العربية، حيث تزايد اعتماد كل من الكويت وليبيا واليمن، على سبيل المثال، على النشر العلمى المشترك مع مصر والمملكة العربية السعودية خلال الفترة الزمنية (2017- 2019).

كما يُلاحظ أيضا تنامى البحوث المُشتركة بين الدول العربية وجمهورية الصين الشعبية، خصوصا بالنسبة لمصر، والمملكة العربية السعودية، وقطر، وسوريا، ودولة الإمارات العربية، وتنامى معدلات النشر العلمى بين دول الخليج العربى ودول قارة آسيا، مثل ماليزيا، وأُستراليا، والهند، وباكستان خلال نفس الفترة.

من ناحية أُخرى تفيد المؤشرات العلمية بأن التعاون البحثى بين مصر والمملكة العربية السعودية خلال السنوات (2017- 2019) يُقارب (11.600) ورقة بحثية، وبما لا يُمثل فقط أعلى مستوى للتعاون البحثى بين الدول العربية، بل أيضا أفضل مستوى للتعاون العلمى بين الدول العربية وباقى دول العالم بحد سواء.

بيد أن هذه الزيادة الكمية فى حجم النشر العلمى العربى لا يجب أن تُخفى ضرورة الاهتمام بجودة الإنتاج العلمى، ومعدلات الاستفادة منة، وتأثيره المعرفى والتنموى. ويمكن الاعتماد فى هذا المجال على دليل إتش البحثى (H-Index) الذى تصدره مجلة سيماجو عن الأداء البحثى لدول العالم وقاراتها ومراكزها العلمية. إذ إنها تُصدر دليلا مزدوجا يربط بين حجم الإنتاج البحثى (مقاسا بعدد الأبحاث العلمية المنشورة دوليا)، ومعدلات الاستشهاد به والاستفادة بنتائجه من باقى باحثى العالم خلال السنوات التالية لنشره.

وتشير نتائج دليل سيماجو الدولى إلى أن المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الأولى عربيا والدولة رقم (38) عالميا بمعدل أداء (478) بحثا مستشهدا به فى عام (2021)، تليها مصر التى حققت المرتبة الثانية عربيا والترتيب (48) على المستوى الدولى بمعدل أداء بحثى يُقدر بنحو (349) بحثا مستشهدا به. وقد حققت الإمارات العربية المُتحدة الترتيب الثالث عربيا بمؤشر إتش بحثى يقارب (241) وترتيب عالمى يقترب من الدولة رقم (60). وبالتالى، فإن الأخذ فى الاعتبار بجودة البحث العلمى ومدى العائد منه والاستشهاد بنتائجه، يؤدى إلى تراجع ترتيب الإنتاج البحثى العربى.

وحيث إن كثافة النشر العلمى والإنتاج البحثى لبلد ما يتأثر بحجم قوة العمل البحثية، الذى يعتمد بدوره على حجم سكانها، فإن التحليل يتعين مناقشته فى إطار التباين فى مساحة الدول وعدد سكانها. فبرغم صِغر حجم سكان دولة إسرائيل (الذى يُقدر بنحو 9 ملايين نسمة) فإن عدد أوراقها البحثية عالية الجودة يمثل ضعف ما تنشره مصر، فضلا عن تحقيقها الترتيب المُتقدم (16) على المستوى العالمى. كما حققت تركيا التى يقل عدد سكانها عن مصر (82 مليون نسمة)، حجم إنتاج بحثيا يُمثل مرة ونصف حجم ما تنتجه مصر من الأوراق البحثية المُستشهد بها دوليا.

فى ظل ما سبق، يتعين على الدول العربية تبنى سياسات من شأنها الارتقاء بالهدف المُزدوج لزيادة معدلات الإنتاج البحثى من ناحية، والارتقاء بجودة ما تنتجه من نشر علمى وتعظيم معدلات الاستشهاد به وزيادة تأثيره المجتمعى من ناحية أُخرى، بُغية تحقيق أهداف التحول إلى الاقتصاد المعرفى ودعم التنمية المستدامة. وللحديث بقية.

نقلا عن الاهرام