جلسة استماع:
التحولات على المسرح الاستراتيجي العالمي وتداعياتها على الشرق الأوسط

جلسة استماع:

التحولات على المسرح الاستراتيجي العالمي وتداعياتها على الشرق الأوسط



نظم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 26 أكتوبر 2021، حلقة نقاشية عن التحولات على المسرح الاستراتيجي العالمي وتداعياتها على الشرق الأوسط، واستضاف المركز السفير “محمد أنيس سالم” كمتحدث رئيسي في الجلسة، بجانب مشاركة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة ومنهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ أحمد عليبة، والأستاذ أحمد كامل البحيري، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ محمد بسيوني.

الهيراركية العالمية

استهل السفير “محمد أنيس سالم” الحلقة بالتأكيد على ضرورة التعاطي مع التحولات من منظور عالمي وليس دولياً، لأن المنظور العالمي يأخذ في الحسبان تأثيرات الفاعلين من غير الدول، ولا يقتصر على تفاعلات الدول. كما أن بعض المفاهيم مثل مفهوم هيراركية النظام الدولي تحتاج إلى إعادة النظر والتطوير بحيث يتم النظر إليها من زاوية نسبية تأخذ في حسبانها المجال أو القضية التي يتم التعامل معها، فالهيراركية العسكرية للنظام الدولي تختلف عن الهيراركية الاقتصادية.

وفي هذا الإطار، أشار السفير سالم إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تتربع على قمة النظام الدولي، وهي تمتلك تنوعاً كبيراً في مصادر قوتها عسكرياً واقتصادياً، بالإضافة إلى مزايا الموقع والدور القيادي، والأرجح أن يستمر هذا التفوق الأمريكي حتى عام 2050 على الأقل. ويأتي بعد الولايات المتحدة الصين التي تحاول تعزيز نفوذها ومكانتها القيادية في النظام الدولي. ويأتي بعد الصين مجموعة من الدول الكبرى التي اكتسبت وضعاً خاصاً في النظام الدولي بسبب كبر حجمها الجغرافي والسكاني والاقتصادي والعسكري، وذلك على غرار روسيا، والاتحاد الأوروبي، والهند، والبرازيل، واليابان. كما تحظى كل من بريطانيا وفرنسا بالسمات التاريخية التي تجعلهما من الدول الكبرى في النظام الدولي. وبموازاة هذه الدول الكبرى، هناك عدد من الدول المتوسطة التي تسعى إلى إثبات نفوذها ومكانتها الإقليمية.

الاعتماد التنافسي

أوضح السفير “محمد أنيس” أن واحداً من التحولات الرئيسية في النظام العالمي، هي تزايد اهتمام الولايات المتحدة بالصراع على النفوذ مع الصين، وكيفية التعامل مع الصعود الصيني الراهن. فخلال العقد الماضي تبلورت مقولات رئيسية للاستراتيجية العظمى grand strategy للولايات المتحدة، وأحد هذه المقولات يشير إلى أنه مع صعود الصين كقوة كبرى، وتواري أدوار قوى منافسة أخرى، تزايد تركيز مؤسسات صنع السياسة الخارجية الأمريكية على تحليل مستقبل المنافسة الأمريكية – الصينية، إذ تصاعدت المخاوف من أن يتحول القرن 21 إلى قرن صيني، وذلك مع إدراك لنواحي الضعف التي يعاني منها الداخل الأمريكي (سياسياً واقتصادياً واجتماعيا).

ويضيف السفير سالم أن هذه المعطيات أدت إلى بزوغ توجهين داخل النخبة الأمريكية؛ أولهما يرى أن الصين هي الخصم الرئيسي للولايات المتحدة (وهو ما تبنته استراتيجية الأمن القومي للرئيس السابق “ترامب”)، والتوجه الثاني هو تشجيع الاتجاهات الانعزالية وزيادة الاهتمام بالداخل الأمريكي، مما انعكس في الشعار الذي رفعه الرئيس السابق “ترامب” (أمريكا أولاً)، وهو ما تعمق بسبب جائحة كورونا المستجد، وتداعياتها الكبيرة على المجتمع الأمريكي.

وعطفاً على ما سبق، رجح السفير سالم أن يهيمن على العلاقات الأمريكية الصينية في المرحلة القادمة نموذج “الاعتماد المتبادل التنافسي” competitive interdependence وهو النموذج الذي يختلف كثيراً عن الطابع الصراعي التنافسي الذي كان حاضراً في مرحلة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. ووفقاً لنموذج الاعتماد المتبادل التنافسي، ستكون هناك استمرارية في الجوانب الصدامية والتنافسية بين واشنطن وبكين، ولكن مع ذلك ستظل هناك مساحة للتكامل والاعتماد المتبادل بين الطرفين. فعلى سبيل المثال، توجد علاقات تبادل تجاري كبيرة واستثمارات بين الدولتين، كما يوجد تبادل وتعاون كبير بين الدولتين في مجال البحث العلمي والابتكار، بالإضافة إلى وجود نحو 370 ألف طالب صيني يدرسون في الولايات المتحدة.

 تأثيرات رئيسية

تطرق السفير “سالم” إلى انعكاسات التحولات العالمية الراهنة على منطقة الشرق الأوسط. ففي السياق الحاضر، بدت الولايات المتحدة أكثر اهتماماً بالتنافس مع الصين، ومن ثم التحول بعيداً عن منطقة الشرق الأوسط. وبناء عليه، يمكن تصور مسارات محتملة للأوضاع في المنطقة وذلك على النحو الآتي:

1- تقليص التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة، بما يتضمنه ذلك من خروج القوات الأمريكية من كل من العراق وسوريا، وتخفيض للقوات المتواجدة في الخليج، وربما يكون قرار سحب بطاريات باتريوت الأمريكية من السعودية خطوة في هذا الاتجاه.

2- عدم الاستثمار في الجهود السياسية المكلفة، سواء كانت تستهدف حل مشكلات ونزاعات مزمنة، مثل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، أو كانت تحتاج لتواجد عسكري مباشر أمريكي.

3- الاستمرار في تشجيع دول الناتو/ الاتحاد الأوروبي من أجل تولي مهام ومسؤوليات تجاه مناطق ونزاعات محددة، مثل ليبيا وشمال إفريقيا بصفة عامة، بالإضافة إلى القيام بأدوار في بعض المناطق مثل الخليج وشرق إفريقيا.

4- السعي لاحتواء إيران عبر إحياء اتفاق برنامج العمل المشترك، وخفض التوتر العربي-الإيراني، وتقليص التحركات العسكرية الأمريكية التي يمكن أن تثير مخاوف طهران.

5- تركيز استراتيجية مكافحة الإرهاب في عمليات جمع وتحليل المعلومات، وتحديد أهداف عالية القيمة يتم التعامل معها عبر العمليات الخاصة والطائرات المسيرة بالتعاون مع الأطراف الفاعلة في المنطقة.

6- مع تعثر التحرك نحو تكوين تحالف استراتيجي بين دول الشرق الأوسط و/أو عدد من الدول العربية، تتجه الولايات المتحدة إلى التعاون الثنائي مع عدد من الدول الفاعلة، على أساس تحرك كل منها في مجال محدد أو قضية بعينها.

7- التعامل مع دول الشرق الأوسط عبر معادلة متوازنة تتضمن المصالح المشتركة، التي تجمع هذه الدول مع الولايات المتحدة، مع الأخذ في الاعتبار أوضاع الإصلاح الداخلي وحقوق الإنسان في توليفة براجماتية متحركة.

8- إذا اتجهت العلاقات الأمريكية-الصينية نحو التدهور، وزاد العنصر التنافسي فيها، فمن المتوقع أن تسعى الولايات المتحدة إلى تحجيم الامتدادات الصينية في المنطقة، وخاصة في مجال التسليح ومشروع “الحزام والطريق” ومشاريع البنية الأساسية، وغيرها من الأدوات التي تعتمد عليها السياسة الخارجية الصينية.

وخلُص السفير “سالم” إلى أن الدول العربية في حاجة ماسة إلى صياغة رؤية واستراتيجية واضحة المعالم للأمن العربي في كافة المناطق، وتجاه كافة القوى الإقليمية المهددة للأمن العربي، كما ينبغي أن تأخذ هذه الاستراتيجية في حسبانها التحولات العالمية الراهنة، وتحاول قراءتها بشكل دقيق حتى يتسنى للدول العربية التعامل مع هذه التحولات، وصياغة البدائل الممكنة للتفاعل مع الانسحاب الأمريكي من المنطقة وانعكاساته