قبل أسبوع حلت دولة الإمارات العربية المتحدة مكانا عزيزا أمام المصريين، وكانت المناسبة من ناحية وفاة المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ومن ناحية أخرى تولى الشيخ محمد بن زايد قيادة الدولة رئيسا ثالثا للدولة. كانت لحظة امتزج فيها التقدير بالرئيس الراحل، والاعتزاز بالرئيس القادم، وجرى التعبير عن ذلك من قيادة الدولة المصرية ومؤسساتها، ومن الشعب المصرى الذي نظر إلى الإمارات ليس فقط كدولة عربية شقيقة، وإنما أكثر من ذلك كدولة نصيرة وقفت مع مصر في السراء والضراء. كثرة من المصريين عرفوا الإمارات من خلال العمل، أو من خلال الزيارة والسياحة، أو الاتصال المباشر ما بين المؤسسات المصرية والإماراتية. ومع ذلك فإن معرفتنا بالتجربة الإماراتية شحيحة رغم أننا كثيرا ما ننظر إلى تجارب الدول الأخرى ونضع عليها لفظ «المعجزة»، فكانت اليابانية والصينية والكورية الجنوبية؛ ومن قبلها فإن التجارب الأوروبية والأمريكية أخذت نصيبا كبيرا من الانبهار في التفكير المصرى. وفى كثير من الأحيان باتت هذه التجارب «مرجعية» للاسترشاد والتعلم. الإمارات هي الأخرى معجزة بالنظر إلى ظروفها ومحددات وجودها مقارنة بالتجارب العربية الأخرى، والتى تحت نفس الظروف تقريبا إما تفككت أو دخلت في ظروف أزمات مزمنة تحتدم أحيانا إلى درجة الحروب الأهلية.
وخلال العقود الماضية، ومع ذيوع المقارنات الدولية، فإن الشائع في العالم كان أنه لا توجد دولة عربية اخترقت حواجز الزمن في طريق التقدم الذي تشير إليه التقارير الدولية، ولكن ذلك تغير مع وجود دولة الإمارات التي باتت في مكان ملحوظ في ترتيب دول العالم. والأصل في الإمارات أنها دولة عربية نفطية قبائلية فيدرالية بين سبع إمارات، ولكنها في عيدها الخمسينى بدت دولة يشار لها بالبنان.
كان ما أثار الإعجاب عملية انتقال السلطة في الإمارات التي جرت في الدولة؛ وفى لمسة عربية روى أن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قدم تأييده للرئيس الجديد من خلال قصيدة شعرية. لكن الدولة لم تحكم أبدا بالقصائد، ولم يعرف عنها ما شاع في دول عربية أخرى من هتافات عنترية بالتأييد أو بالرفض، وإنما كان مشاهدا فيها مشروع وطنى جرى بناؤه في اتجاه التقدم وبناء الحداثة وتحقيق المكانة. في مصر نعلم أن الدولة الوطنية ولدت عندما وحد الملك «مينا نارمر» القطرين الشمالى والجنوبى، توحد التاجان تحت راية ملك أو رئيس أو والٍ، لكن في الإمارات كانت البداية صعبة. لم يكن قيام دولة الإمارات عملية سهلة، فقد كانت الفكرة في الأصل أن يقوم اتحاد تساعىّ من تسع إمارات، يضاف لما هو حادث الآن قطر والبحرين. هنا فإن الآباء المؤسسين للدولة الإماراتية استقروا على ما هو ممكن، باتحاد سبع إمارات فقط، مع تصميم على التفوق ليس فقط في محيطهم الإقليمى، وإنما على الساحة العالمية أيضا. لم تكن العملية السياسية لقيام الدولة تقوم على فكرة الانصهار والذوبان، وإنما قامت على درجات كبيرة من الاجتهاد في أن تُخرج كل إمارة أفضل ما فيها، ومن خلال المواصلات والاتصال، وهو ما تصاعد مع التطورات التكنولوجية، يكون الاتحاد والتكامل.
قامت الدولة الوطنية على قواعد: أولها أنه مع كل الهويات المتعددة فإن هناك هوية إماراتية واحدة تستند إلى علم واحد ومؤسسات فيدرالية. وثانيها أن هذه الهوية تمثل جسرا ما بين الماضى بقيمه ومعتقداته، والحاضر بكل ما فيه تقدم مادى ومعنوى. وثالثها أنه أما وقد قامت الدولة على التعددية، وأن حدودها مفتوحة لضيوف من العالم، فإن الاحتفاء بالتنوع العرقى والدينى والإنسانى في العموم بات فريضة تقوم على قوانين صارمة تكرس المساواة بين البشر ولا تميز ما بين أمير وغفير. وثيقة «الأخوة الإنسانية» التي خرجت من أبوظبى كانت العنوان الأكبر للمشروع الإماراتى. ورابعها أنه مادام ماضى المنطقة تقتسمه دول وحضارات متعددة، فإن تاريخ الإمارات يبدأ من الآن إلى المستقبل الذي جرى تعريفه بأنه يشمل ليس فقط ما يحدث على الأرض، وإنما يشمل خارجها في السماء أيضا. وهكذا منذ وقت مبكر بدأ الاهتمام بالطاقة الشمسية، ومشروع السفر إلى المريخ. وخامسها أن الدولة الحديثة حجر وبشر، وبينما ما هو مادى يقوم على التنمية وفق حالة القرن الواحد والعشرين، من اقتصاد للسوق يقوم على تنافسية عادلة؛ فإن البشر لا بد من حصولهم على «التسامح» و«السعادة»، وعلى السلطة التنفيذية والوزارات المعنية أن تسعى إليهما. وسادسها السلام الإقليمى وهذه قاعدة مقال آخر. وفى العموم أصبحت الإمارات «سنغافورة» الشرق الأوسط، وربما أكثر.
نقلا عن المصري اليوم