الاتفاق السّعودي – الإيراني: جدية عربية تنتظر أفعالاً إيرانية! – الحائط العربي
الاتفاق السّعودي – الإيراني: جدية عربية تنتظر أفعالاً إيرانية!

الاتفاق السّعودي – الإيراني: جدية عربية تنتظر أفعالاً إيرانية!



كان لافتاً أن تصدر جريدة “آراب نيوز” السعودية باللغة الإنكليزية، والنصف الأعلى من صفحتها الأولى يتضمن رسما تجريدياً تتصدره عبارة “هاپي نوروز” احتفاءً بعيد نوروز الذي يحتفل به الإيرانيون، وبالطبع شعوب أخرى في المنطقة. أما النصف الآخر من الصفحة فتضمن مقالة افتتاحية بتوقيع رئيس التحرير الزميل فيصل عباس الذي حمل العنوان الآتي: “يوم جديد محتمل لكل الشرق الأوسط”. تناول فيه الاتفاق السعودي – الإيراني وأهميته بالنسبة إلى العلاقات بين السعودية وإيران، وأيضاً بالنسبة للشرق الأوسط برمّته. ومن المهم بمكان قراءة المقالة التي تحمل في طياتها قراءة معمقة للاتفاق، ممهورة بدعوة سلام منشورة في صدر الصفحة الأولى لصحيفة كبرى تعكس مناخ المملكة ونخبها، لا سيما عندما عايد الزميل فيصل عباس قراءه الذين يتقنون الفارسية بلغتهم.

ما تقدم يدل في مكان ما إلى النقاش الدائر في أوساط النخب في المملكة العربية السعودية حول الاتفاق الذي شكل الإعلان عنه في العاشر من الشهر الجاري مفاجأة المفاجآت، باعتباره حدثاً تاريخياً، أرخى بظلاله على مناخات المنطقة التي كانت متوترة إلى حد بعيد، ولم يكن الاتفاق الذي أعلن عنه في العاصمة الصينية بكين، وهي الجهة الضامنة، مجرد اتفاق ثنائي، بل سرعان ما ظهر أنه اتفاق ثنائي بأبعاد إقليمية واسعة النطاق. والدليل أنه في غضون ساعات من الإعلان عن الاتفاق، كان رئيس الوفد الإيراني إلى بكين، رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني الأميرال علي شمخاني يتحرك في كل اتجاه في دول الجوار للاستفادة من زخم الاتفاق، بداية في دولة الإمارات العربية المتحدة، مجتمعاً إلى رئيسها الشيخ محمد بن زايد، ونظيره مستشار الأمن القومي الشيخ طحنون بن زايد، للإعلان عن مزيد من الإجراءات لتحسين العلاقات الثنائية ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما. تلى ذلك زيارة لبغداد للتوقيع على اتفاقية أمنية مشتركة مع العراق تتعلق بأمن الحدود بين البلدين. وكان من الواضح من خلال سلسلة المواقف التي خرجت من طهران، وتكليف شمخاني ملف الاتفاق، ومعه الملف الدبلوماسي عموماً فوق وزارة الخارجية، أن النظام الإيراني قرر أن يمضي بسرعة قياسية نحو تنفيذ بنود الاتفاق والاستفادة من زخمه. كل ذلك تزامناً مع الاتفاق بين إيران ومملكة البحرين على تفعيل اجتماعات اللجنة الوزراية المشتركة بين البلدين لطي صفحة الخلافات المعقدة بين البلدين. أما في ما يتعلق بالملف اليمني فحتى الآن لم يصدر موقف حاسم عن جماعة الحوثي سوى الترحيب الإجمالي. لكن الاتفاق على حل قضية الناقلة “صافر” المتهالكة قبالة شواطئ اليمن في البحر الأحمر، وهي تهدد سلامة البيئة في حال انشطارها وتدفق مئات آلاف الأطنان من النفط في البحر حدث لافت بعد أكثر من عامين من رفض الحوثيين معالجة القضية برعاية الأمم المتحدة. إضافة إلى نشر طهران شائعات تفيد بأن إيران قررت تعليق تهريب الأسلحة إلى اليمن!

قبل يومين تحدث الأمير تركي الفيصل لقناة “فرانس 24” في باريس عن فهمه للاتفاق، فقال إنه من حيث المبدأ سينعكس إيجاباً على الملفات والساحات الساخنة في المنطقة من اليمن إلى العراق، فسوريا ولبنان. وقد تحدث الأمير تركي الفيصل وهو الواسع الاطلاع في كل اتجاه، عن البعد الإقليمي للاتفاق الذي يجب أن يتظهر نتيجة الاتفاق وجدية الاضطلاع بالمسؤوليات الناجمة عنه. وثمة مواقف سبق أن تحدثنا عنها هنا، تدل إلى جدية عربية كبيرة في التعامل مع الاتفاق، وبالمقابل ثمة كلام إيراني مختلف نريده أن يكون بمثابة موقف جدي لناحية فهم ما يراد من طهران أن تفعله من أجل أن تفتح أمامها أبواب المشرق العربي بدلاً من نوافذها التي كانت تتسلل إليها بواسطة فصائل “فيلق القدس” وميليشياتها المذهبية المنتشرة من العراق إلى لبنان مروراً بسوريا. حتى أننا قرأنا في مكان ما كلاماً إيرانياً يعتبر أن قائد “فيلق القدس” الذي قتله الأميركيون في كانون الثاني (يناير) 2020 لأنه كان يعمل وفق الرواية على فتح قناة تفاوض مع السعودية لحل الخلافات! وبالتالي ثمة من يريد في طهران أن يجعل من سليماني شهيد السلام بين إيران والعرب!

في مطلق الأحوال، يجب التوقف والتمعن في ما ستحمله الأيام المقبلة إيرانياً في جميع الساحات التي جرى اختراقها، وتحولت الدول فيها إلى دول فاشلة تأكلها نيران الحروب الأهلية والأزمات الاقتصادية الخانقة. فالجدية العربية، وفي مقدمها الجدية السعودية، لا شك فيها. المهم أن يلاقي الإيرانيون الجدية العربية بأفعال على الأرض، وخصوصاً أن طهران هي التي أشعلت الإقليم في العقود الأربعة الماضية يقع عليها أن تطفئها. فلنراقب.

نقلا عن النهار العربي