ليس صدفة أن يتحول الإرهاب «الداعشي» باتجاه الأكراد شمالي العراق، خصوصاً أن التنظيم الإرهابي لا يتردد في استغلال أي ثغرة أمنية أو لوجستية، لنشر إرهابه عبر خطوط التماس والمناطق الرخوة، مستفيداً من حالة التراخي وضعف التنسيق بين قوات البيشمركة والقوات العراقية الاتحادية، فضلاً عن سعيه لبث الرعب والانتقام في القرى والمناطق الآمنة حيثما وجد فرصة سانحة لذلك.
لكن لماذا إقليم كردستان العراق، حيث وجه تنظيم «داعش» ضربتين غادرتين خلال أقل من أسبوع، ذهب ضحيتهما نحو 18 قتيلاً من العسكريين والمدنيين، ومثلهما تقريباً من الجرحى؟
في الأصل لا يستثني إرهاب «داعش» أياً من المناطق العراقية، بغض النظر عن مكوناتها الديموغرافية والطائفية والمذهبية، لكن من الواضح أن عودة التركيز على استهداف المناطق الكردية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحالة التراخي الأمني في الإقليم، باعتبار أن الاستهداف غالباً ما كان يتم في المناطق الخارجة عن سيطرة الإقليم، كما في محافظة كركوك، أو في المناطق الفاصلة بين سيطرة القوات الكردية والقوات الخاضعة لسيطرة الحكومة المركزية في بغداد. وربما تكون هذه الأخيرة هي الأكثر خطراً؛ لأنها تمتد على مساحة واسعة من الأراضي من شمال شرقي البلاد إلى شمال غربيّها، وتمر عبر ثلاث محافظات هي صلاح الدين، ونينوى، وكركوك، وهي مناطق ذات طبيعة وعرة، كما في جبال حمرين ومكحول التي كانت مسرحاً لعشرات العمليات الأمنية لملاحقة فلوله وخلاياه النائمة، من دون أن تتمكن حتى الآن، من اجتثاث هذه الخلايا وتطهير هذه المناطق نهائياً من بقايا الإرهاب.
وهناك من يعتقد أن «داعش» الذي تم دحره من المدن الرئيسية نهائياً أواخر عام 2017، لم يتم اجتثاث بنيته التحتية، ما مكّنه بالتالي من إعادة تنظيم صفوفه، واعتماد استراتيجية جديدة تستند على شن الهجمات الخاطفة، وعمليات الكر والفر من دون التمسك بالأرض. وفي كل الأحوال لا تكفي المطالبة، بعد كل هجوم، بتفعيل التنسيق الأمني شبه الغائب، بين قوات البيشمركة الكردية والقوات العراقية الاتحادية وقوات التحالف الدولي، ولا التعهدات بالقصاص من الإرهابيين، إن لم تكن هذه المطالبات والوعود مشفوعة بإجراءات فورية على الأرض، ووضع الخطط الاستباقية الكفيلة بالقضاء على خلايا «داعش» وأوكاره من دون انتظار هجماته الإرهابية للتحرك.
ويتساءل كثير من المراقبين والمختصين عن فائدة التدريبات والأسلحة الحديثة والمتطورة التي يقدمها التحالف الدولي لقوات البيشمركة، والقوات العراقية الاتحادية، إن لم يتم استثمارها في وقف الخطر «الداعشي» والقضاء على الإرهاب. ويستغرب بعض المراقبين على سبيل المثال، عدم توفر كاميرات حرارية لدى قوات البيشمركة في الخطوط الأمامية لرصد تحركات «داعش» وإحباط هجماته قبل وقوعها، علاوة على كثير من الملاحظات التي تقود إلى ضرورة إعادة النظر في خطط وأساليب مواجهة الخطر «الداعشي»، بعدما ثبت أن هذا الخطر لا يزال قائماً بالفعل، وأن هذا الخطر قد يعود ويتحول، مرة أخرى، إلى تهديد وجودي، إذا استمر التعامل معه بهذه الخفة واللامبالاة.
نقلا عن الخليج