تنقسم الكوارث التي تحل ببني البشر إلى نوعين، أحدهما من صنع البشر أنفسهم، مثل كارثة المفاعل النووي في تشيرنوبل عام 1986، وثانيهما من صنع الطبيعة، مثل كارثة الزلزال المدمر الأخير الذي ضرب كلاً من تركيا وسوريا. ولكلا النوعين آثاره السياسية المرتبطة بمدى الكفاءة في مواجهة هذه الكوارث. وبينما يكون العنصر البشري مسؤولاً حصرياً عن النوع الأول، من أسباب وقوع الكارثة إلى مواجهة آثارها، فإن المسؤولية البشرية في النوع الثاني تنحصر في مدى كفاءة التعامل مع تداعيات الكارثة، وإن شملت في بعض الأحيان التحسبَ لوقوعها، بمعنى أن الفيضانات مثلاً ليست مسؤولية إنسانية، لكن عدم الاستعداد لوقوعها يدخل في حسابات المسؤولية السياسية، خاصة عندما تكون هذه الفيضانات ظاهرة منتظمة.
ولا تتوقف آثار الكوارث بنوعيها عند المستويات الداخلية وإنما تمتد أيضاً إلى التفاعلات الدولية. فعلى الصعيد الداخلي سرعان ما تبدأ الانتقادات بخصوص كفاءة المواجهة، ثم تمتد النقاشات إلى قضايا أخرى، كالجدل الواسع في لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020، والذي دار حول كفاءة الأجهزة الرسمية في مواجهة الكارثة وامتد إلى البحث في مسؤولية تخزين المواد المتفجرة التي تسببت في الكارثة. وفي تركيا الآن صحيح أن هناك تضامناً وطنياً في مواجهة الكارثة، لكن التقارير تشير إلى أن المعارضة تستعد لهجوم كبير خاصة وأن المشهد التركي كان محتدماً بالجدل السياسي المرتبط بالانتخابات الرئاسية العام القادم. وتحاول المعارضة استغلال التحذيرات العلمية من وقوع زلزال قوي، التي سبقت وقوع الزلزال بأيام قليلة، لتضخيم المسؤولية الحكومية، وإن كان لا يخفى أن التحسب لهذه التحذيرات كان يتطلب إجراءات سابقة بوقت طويل. وسوف تحتدم المعركة بالتأكيد بين الرئيس التركي ومعارضيه، وقد يحقق انتصاراً كبيراً إذا نجح في إدارة الأزمة بما يخفف آثارَها إلى أقصى حد، وإلا فإن البعض يحذر من مصير حكومة بولنت إيجيفيت التي سقطت في انتخابات عام 2002 لعدم كفاءتها في التعامل مع تداعيات زلزال 1999.
وعل صعيد التفاعلات الدولية، من الشائع أن تُفضي الكوارث إلى مناخٍ تعاوني لتخفيف المعاناة الإنسانية بغض النظر عن الخلافات السياسية، وإن كان النطاق الجغرافي للكارثة يؤثر في درجة هذا التعاون وشموله. وعلى سبيل المثال فإن جائحة عالمية مثل كورونا ارتبطت بها نماذج لتفاعلات غير تعاونية عندما بلغت الجائحة أوجها وزاد الضغط على المؤسسات العلاجية والأطقم الطبية ومخزون الأمصال والأدوية.. ففي تلك الظروف تغلب مبدأ «أمتي أولاً» وفقاً لتعبير مسؤول ألماني بارز. ولم يمنع هذا بطبيعة الحال من وجود نماذج لتفاعلات تعاونية، لكن الفكرة أن نطاق الكارثة أثّر على مستوى التعاون. وفي حالة الزلزال الأخير لم تكن لتركيا مشكلة في علاقاتها الدولية بصفة عامة، ولذا تدفقت عليها المساعدات من كل اتجاه، بغض النظر عن كفايتها، على العكس مما حدث في الحالة السورية حيث ترددت بعض الدول التي لا تعترف بالحكومة السورية، في تقديم المساعدات، أو وضعت اشتراطات لذلك. لكن لا شك في أن الكارثة أدت إلى تخفيفٍ، ولو نسبي، فيما يتعلق بالعقوبات المفروضة على سوريا، كما يتضح من تصريح المبعوث الألماني الخاص بأنه لا عقوبات أوروبية على المساعدات الإنسانية لسوريا، ومن القرار الأميريكي الأخير بعدم انطباق العقوبات المفروضة على سوريا على مساعدات الإغاثة المتعلقة بالزلزال لمدة 6 أشهر.. وإن كان المرء يتمنى لو أن التقييد لم يكن زمنياً وإنما موضوعياً، أي باكتمال عملية الإغاثة، والتمني مشروع أيضاً للفصل الدائم بين ما هو سياسي وما هو إنساني.
نقلا عن الاتحاد