تثبت الإمارات للعالم في كل وقت أنها دولة استثنائية، لا تكتفي في تفردها بحجم الإنجازات المتواصلة التي تتحقق على أرضها، ولا بالرفاهية التي ينعم بها مواطنوها والمقيمون فيها، ولا بالخير الممدود إلى كل محتاج حول العالم، ولا بالمبادرات الإنسانية التي امتدت آثارها إلى مختلف بقاع الأرض من دون تمييز لا ديني ولا عرقي ولا مناطقي، ولا بالطموح العلمي الدؤوب الذي جعلها تصعد إلى الفضاء وتخلق لنفسها مكاناً بين الدول الكبرى في نادي الفضاء الدولي، ولا في مساعيها لاستعادة المجد العربي، ولا بالنهج السياسي الساعي لإرساء قواعد السلام والأمن والاستقرار في الإقليم والعالم، ولكن بكل ذلك مجتمعاً.
الإمارات لا تنشد الخير لنفسها فقط، ولكنها تنشد الخير للإنسانية، ولا تنشد السلام لها دون غيرها بل تدرك أن السلام لكي يتحقق فلا بد أن يكون عادلاً وشاملاً، وأن الأشقاء لن يستطيع كل منهم أن يواجه التحديات العالمية منفرداً، بل مجتمعين لا متفرقين، متعاونين لا متنافرين؛ لذا فقد كانت مساعيها لتصفير المشاكل بين الأشقاء، ومدّ يد السلام إلى الأصدقاء، ومن هذا المنطلق كانت جهودها منذ العام 2018 لمساندة الشعب السوري والوقوف إلى جانبه لتجاوز محنة امتدت سنوات، تهدمت خلالها مدن وتشرّد بشر، وصال على أرضها الإرهاب مخرباً ومدمراً.
سوريا عانت كثيراً، وبعد أن كانت رأس الحربة في مواجهة الطامعين في الأرض العربية على مدار التاريخ، أراد لها المتآمرون أن تصبح الأرض الجاذبة لكل متطرف وإرهابي من أربع جهات الكوكب، والنتيجة هروب الكثير من أبنائها فراراً من نار الحرب والإرهاب، وبعد 12 سنة كان لا بد أن تمتد لها أيادي الحريصين على استعادتها وإعادتها إلى الحضن العربي، وكانت الإمارات من أوائل الدول الساعية لذلك، وكان 2018 هو عام بدء التحرك الإماراتي تجاه سوريا وتأكيد التوصل إلى حل سياسي فيها؛ وأنه من المستحيل تحقيق الاستقرار في هذا البلد من خلال حلّ عسكري.
خطوات إماراتية انطلقت، تبعتها خطوات أكبر في السنوات اللاحقة تكللت بزيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، لدمشق عام 2021، وهي الزيارة التي سبقها التواصل الهاتفي بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، مع الرئيس السوري وذلك خلال أزمة كورونا، حتى لا تظل سوريا بعيدة ومستبعدة ووحيدة في ظل وباء اجتاح العالم، ودفع صناع الخير ودعاة التسامح إلى مدّ أيديهم لكل محاصر من الفيروس القاتل وفيروسات الهدم والتخريب وإثارة الفتن بين أبناء الشعب الواحد.
الفعل الإماراتي الكريم والوقفات الإماراتية بجانب الشعب السوري في أزماته، والنهج الحريص على وحدة العرب، الداعم لعودة سوريا التي يتمناها شعبها، كانت السبب في اختيار الرئيس بشار الأسد أبوظبي لتكون أول عاصمة عربية يزورها في مارس(آذار) من العام 2022، وتأكيد الإمارات مواقفها الثابتة خلال أزمة الزلزال، وجسور الخير التي امتدت من الإمارات إلى المدن السورية المنكوبة كانا السبب في أن يكرر الرئيس السوري الزيارة بعد عام بالتمام والكمال.
الدبلوماسية السورية قدرت المواقف الإماراتية الرسمية والشعبية تجاه أزمة بلادها، ووصفها الأسد بالمواقف العقلانية والأخلاقية، وأشادت بها في أكثر من محفل، والإمارات لم ولن تدخر جهداً في سبيل عودة سوريا للحضن العربي، وخلال الزيارة الأخيرة شدد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد على أهمية عودة سوريا لمحيطها العربي وبناء الجسور وتوطيد العلاقات بين كل الدول العربية لصالح شعوبها، وأن الإمارات تقف مع سوريا قلباً وقالباً.
نعم، المواقف الإماراتية عقلانية وأخلاقية، ونعم سوريا بدأت طريق العودة إلى الحضن العربي، ولن تهدأ الدبلوماسية الإماراتية الاستثنائية حتى يتم تصحيح الوضع المعوجّ وتستعيد سوريا مكانها في الجامعة العربية، ومكانتها في القلب العربي، ولعلها العودة التي تصلح ما أفسدته مؤامرات الخارج ضد المنطقة، بعد أن أسقطت دولاً وخربت مدناً وشردت شعوباً وجعلت من المنطقة أرضاً يحلم الإرهابيون بالسطو عليها لتحقيق أوهامهم بالدم والنار، وهو ما تصدت له وأحبطته الشعوب وستقضي عليه بشكل كامل الحكمة العربية.
نقلا عن الخليج