استضافت مدينة “وهران” الجزائرية، في 7 ديسمبر 2022، فعاليات اجتماع السلم والأمن في أفريقيا، تحت إشراف «مجلس السلم والأمن» التابع للاتحاد الأفريقي، وذلك بمشاركة من قبل الدول الأعضاء في مجلس السلم والأمن الأفريقي، والأعضاء الأفارقة في مجلس الأمن للأمم المتحدة، بالإضافة إلى خبراء وممثلين لهيئات أفريقية ومنظمة الأمم المتحدة، وذلك بهدف مناقشة عدد من القضايا الهامة على المستوى الأفريقي، ومن أبرزها مكافحة الإرهاب ونزع السلاح والأزمات المثارة داخل بعض الدول الأفريقية، وكذلك التهديدات الأمنية المترتبة على تصاعد أنشطة عصابات التهريب للسلاح والمخدرات.
وقد جاء انعقاد اجتماع السلم والأمن في أفريقيا بالعاصمة الجزائر، في سياق ما تتخذه الجزائر من إجراءات متنوعة لحشد أكبر عدد من الدول الأفريقية والعربية لدعم طلبها الخاص بالترشح لعضوية غير دائمة في مجلس الأمن الدولي خلال الفترة 2024 – 2025 ممثلة للقارة الأفريقية التي تمثلها الآن كل من دولتي غانا والجابون اللتين تم انتخابهما في يناير 2022، حيث أعلن الرئيس “عبدالمجيد تبون” عن هذا المسعى رسمياً في نوفمبر 2021 خلال افتتاح مؤتمر رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية، حيث تحتاج الجزائر للحصول على موافقة أكثر من ثلثي عدد أصوات الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال جلسة التصويت التي سيتم إجراؤها في شهر يونيو 2023 في هذا الخصوص.
إجراءات مكثفة
في هذا السياق، اتخذت الجزائر بعض الإجراءات والتحركات لتحقيق هذا الهدف، ومن ذلك ما يلي:
1- تعزيز الحشد الدبلوماسي على المستويين العربي والأفريقي: حيث وجه الرئيس “عبدالمجيد تبون” تعليماته منذ مطلع العام الجاري لكافة البعثات الدبلوماسية الجزائرية على مستوى العالم من أجل ممارسة أكبر قدر ممكن من الجهود الخاصة بحشد تأييد الدول التي تعمل بها هذه البعثات وأيضاً إرسال مندوبين للعديد من الدول بهدف تعزيز طلب الترشح الخاص بعضوية مجلس الأمن الدولي، وقد عكست لقاءات واجتماعات وزير الخارجية “رمطان لعمامرة” مع الدول الصديقة والحليفة للجزائر على هامش المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي محاولات الحشد الدبلوماسي لعضوية مجلس الأمن، هذا إلى جانب الخطاب الدبلوماسي الذي تتبناه البعثة الجزائرية في الأمم المتحدة والذي يرتكز على التسويق لفكرة المظلومية التاريخية التي تعرضت لها الدول الأفريقية في تشكيلة مجلس الأمن، والتسويق لضرورة تطبيق مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الدول الذي ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة، من أجل إصلاح هياكل الأمم المتحدة وتوسيع عضوية مجلس الأمن، وهو الأمر الذي قد يجد صدى واسع النطاق لدى العديد من الدول التي تؤيد هذه الإصلاحات.
2- التوسط لحل الأزمات المثارة في المنطقة: ترفع الدبلوماسية الجزائرية دوماً مبدأ حل الأزمات من خلال التسوية السياسية والمفاوضات والحلول السلمية بعيداً عن الخيارات العسكرية، فخلال العام الجاري نجحت الجهود الدبلوماسية الجزائرية في حل بعض الأزمات المثارة في القارة الأفريقية، ومن ذلك التوسط بين أطراف الأزمة السياسية المثارة في مالي ودفعتهم نحو توقيع اتفاق لتحقيق الاستقرار السياسي في البلاد، وأيضاً طرحها للعب دور الوساطة بين الدول الثلاث أطراف أزمة سد النهضة (إثيوبيا – السودان – مصر)، وكذلك استضافتها اجتماعات أطراف الأزمة الليبية لتقريب وجهات النظر بينهم والتوصل لتسوية للأزمة الراهنة في ليبيا، هذا إلى جانب الدور الذي تلعبه الجزائر لدعم القضية الفلسطينية وذلك عبر استضافتها اجتماعات الفصائل الفلسطينية وتوقيعهم على “إعلان الجزائر للم الشمل من أجل دعم القضية الفلسطينية”.
3- توظيف التقارب الحالي مع روسيا: إذ إن الجزائر سوف تعتمد بشكل كبير على علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا لدعم الطلب الجزائري لعضوية مجلس الأمن، فخلال العام الجاري تمسكت الجزائر بموقف حيادي تجاه الأزمة الأوكرانية، ولم تستجب للمطالب الغربية والأمريكية باتخاذ موقف معادٍ لروسيا، وهو ما ظهر من السلوك التصويتي للجزائر ضد مشروعات قوانين إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، وبالتالي يمثل الدعم الروسي للجزائر أحد أهم الإجراءات والأدوات التي تعتمد عليها الجزائر لتعزيز طلبها المشار إليه.
عوامل دافعة
يعكس الحرص الجزائري على عضوية مجلس الأمن بصفة غير دائمة خلال الفترة 2024 – 2035، وجود عدد من العوامل التي تدفع القيادة السياسية الجزائرية لحشد الدعم الأفريقي والعربي لمساعدتها على ذلك، ومن أبرزها ما يلي:
1- الدفاع عن المصالح الجزائرية على المستوى الدولي: ترغب الجزائر في الحصول على مقعد في مجلس الأمن الدولي بصفة غير دائمة، من أجل الحفاظ عن مصالحها الوطنية والدفاع عنها بشكل أكبر من خلال تمثيل القارة الأفريقية في مجلس الأمن، وكذلك في المجلس الدولي لحقوق الإنسان الذي ترغب في عضويته أيضاً للدفاع عن الانتقادات الدولية الموجهة لملف حقوق الإنسان في الجزائر، ويؤكد على ذلك رفضها استقبال المقرر الأممي الخاص بالحريات العامة التي كانت مقررة في شهر سبتمبر الماضي إلى عام 2023، كنوع من التعبير عن رفضها الانتقادات بشأن أوضاع حقوق الإنسان في البلاد.
2- المساهمة في حفظ السلم والأمن الدوليين: وقد عبر عن ذلك تصريحات وزير الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة” التي أشار فيها إلى أن الولاية القادمة في مجلس الأمن ستمثل فرصة متجددة لإعادة تأكيد المبادئ العامة للدبلوماسية الجزائرية، ومشاركة رؤيتها حول القضايا المطروحة على جدول أعمال مجلس الأمن في مجال السلم والأمن الدوليين، وكذلك التعبير عن رغبة الجزائر في تقديم مساهمات نوعية في تسوية القضايا والأزمات المثارة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
3- التأثير على مسارات تسوية قضية الصحراء المغربية: قد تستخدم الجزائر حصولها على عضوية غير دائمة في مجلس الأمن الدولي، في تقديم دعم دبلوماسي أكبر لجبهة البوليساريو عبر التسويق لمطالبها في الحصول على حق تقرير المصير في إقليم الصحراء المغربية، في مواجهة المقترح المغربي الذي يحظى بقبول وتأييد إقليمي ودولي لا بأس به، وقد توظف الجزائر عضويتها أيضاً في التأثير على مشروعات القوانين التي قد يتم مناقشتها داخل المجلس بشأن قضية الصحراء.
سيناريوهات محتملة
وفي إطار الجهود الجزائرية الساعية للحصول على عضوية غير دائمة بمجلس الأمن خلال الفترة 2024 وحتى 2025، توجد بعض السيناريوهات المحتملة في هذا الخصوص، وذلك كما يلي:
السيناريو الأول: حصول الجزائر على عضوية مجلس الأمن، وذلك استناداً إلى الدعم الذي يحظى به الطلب الجزائري في هذا الخصوص، وذلك على النحو التالي:
1- توظيف الخبرة الجزائرية، فقد سبق للجزائر حصولها على مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي ثلاث مرات سابقة في أعوام 1968 – 1969، و1988-1989، و2004-2005، وهو ما يمنحها خبرة دبلوماسية تؤهلها للحصول على هذه العضوية.
2- تأييد الاتحاد الأفريقي للترشح الجزائري، ففي شهر فبراير 2021 صدق الاتحاد الأفريقي على طلب ترشح الجزائر لمنصب عضو غير دائم في مجلس الأمن خلال الفترة 2024-2025.
3- دعم عربي لمطلب الجزائر، من المتوقع أن يحظى الطلب الجزائري بدعم كبير من الدول العربية في ظل ما تتسم به العلاقات الجزائرية مع معظم الدول العربية بالتعاون الإيجابي، ومن ذلك إعلان المملكة العربية السعودية منذ شهر مايو الماضي دعمها ترشح الجزائر للحصول على عضوية غير دائمة في مجلس الأمن الدولي خلال الفترة من 2024 إلى 2025، حيث أعرب وزير الخارجية السعودي “فيصل الفرحان” خلال زيارته للجزائر في مايو الماضي عن ثقة بلاده في أن الجزائر ستكون لاعباً أساسياً في دعم الاستقرار الدولي والإقليمي، وكذلك دعم الجامعة العربية لهذا الطلب.
4- دعم الحلفاء التقليديين، تعول الجزائر على تأييد كلٍّ من روسيا وفرنسا والصين لطلب حصولها على عضوية مجلس الأمن باعتبارهم حلفاء وشركاء يتمتعون بعلاقات قوية مع الجزائر على كافة المستويات.
5- الاستفادة من الاتجاه نحو إصلاح هياكل الأمم المتحدة، قد يخدم التوجه الدولي الراهن نحو الاهتمام بملف إصلاح هياكل منظمة الأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي، حيث تتزايد المطالب الخاصة بتوسيع عضوية مجلس الأمن، ويؤيد ذلك الطلب الولايات المتحدة الأمريكية التي وصفت هذه المطالب بالعقلانية والمصداقية في ظل عدم قدرة أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر (5 دائمين – 10 غير دائمين) على اتخاذ قرارات هامة لحفظ الأمن والسلم الدوليين، وخاصة فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية ومعارضة روسيا التي تمتلك حق النقض “الفيتو” لأية قرارات تتخذ ضدها.
السيناريو الثاني: الفشل في الحصول على عضوية مجلس الأمن الدولي، وذلك استناداً إلى عدد من الاعتبارات التي قد تمثل عقبة في طريق ذلك الأمر، ومن أبرزها ما يلي:
1- فيتو غربي محتمل، حيث تتبنى بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية موقفاً متحفظاً تجاه التقارب الجزائري الروسي، وخاصة منذ بدء الحرب الأوكرانية في شهر فبراير الماضي، إذ تبنت الجزائر مواقف دبلوماسية مؤيدة في ظاهرها للموقف الروسي في هذه الأزمة، وهو ما دفع الدول الغربية لممارسة أكبر قدر من الضغوط على الجزائر في محاولة للحد من تقاربها مع روسيا، ووصل الأمر إلى مطالبة بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي في شهر سبتمبر الماضي بتوقيع عقوبات على الجزائر بسبب هذا الأمر. وفي شهر نوفمبر الماضي، طالب بعض أعضاء البرلمان الأوروبي بمراجعة اتفاقية الشراكة الأوروبية مع الجزائر بسبب توقيعها صفقات سلاح بقيمة 7 مليارات دولار مع روسيا، وهو ما يُعد تمويلاً لعجلة الحرب الروسية في أوكرانيا. في هذا الإطار قد تعارض الدول الغربية الطلب الجزائري لعضوية مجلس الأمن.
2- رفض الجزائر التطبيع مع إسرائيل، حيث الموقف السياسي الرسمي للجزائر الرافض للتطبيع مع إسرائيل، وأيضاً رفضها لاتفاقيات التطبيع التي وقعتها بعض الدول العربية خلال العامين الماضيين وعلى رأسها المغرب، وادعاء الجزائر بأن المغرب وافقت على التطبيع مع إسرائيل لزعزعة أمنها القومي، واستندت إلى هذا الأمر –إلى جانب أسباب أخرى– لقطع علاقاتها مع المغرب في أغسطس 2021.
3- القطيعة في العلاقات مع المغرب، يمثل استمرار القطيعة في العلاقات الجزائرية المغربية منذ أغسطس 2021 وحتى الآن، ورفض الجزائر المبادرات المغربية لتحسين العلاقات الثنائية بينهما، أحد العوامل التي قد تقف في طريق حصول الجزائر على عضوية غير دائمة في مجلس الأمن، حيث يوجد تناقض بين ما تدعو إليه الجزائر بشأن رغبتها في الحصول على هذه العضوية لإقرار السلم والأمن الدوليين، في الوقت الذي لا يزال التوتر فيه هو السمة الغالبة على نمط علاقاتها مع المغرب.
4- تزايد وتيرة سباق التسلح في المغرب العربي: اتجاه الجزائر لرفع ميزانية التسليح الخاصة بها خلال عام 2023 لتصل إلى حوالي 22 مليار دولار قد يزعج الدول الغربية ويثير مخاوفها من احتمالات توظيف الجزائر لترسانتها العسكرية لإثارة حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني المحتمل في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا، ومن ثمّ تهديد مصالحها الاستراتيجية في منطقة جنوب المتوسط.
الخلاصة، تُشير التحركات والإجراءات الدبلوماسية الجزائرية على الصعيدين الإقليمي والدولي في الوقت الراهن، إلى وجود إصرار جزائري على عضوية مجلس الأمن الدولي، وهو ما يُرجح استمرار الجهود الجزائرية لتحقيق هذا الهدف، مع عدم استبعاد تأثير توجهات سياستها الخارجية مع بعض القوى الدولية مثل روسيا، وعلاقاتها المتوترة مع المغرب على هذا الطلب، وإن كانت المؤشرات الحالية ترجح نجاح الجهود الجزائرية في الحصول على عضوية غير دائمة بمجلس الأمن.