انتقد الفريق أول “عبدالفتاح البرهان” رئيس مجلس السيادة الانتقالي الدور الذي تقوم به بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان “يونيتامس” تجاه الأزمة السياسية الراهنة في السودان، وظهر ذلك بشكل واضح في التصريحات الأخيرة التي أطلقها الفريق “البرهان” خلال حضوره حفل تخريج ضباط من الكلية الحربية بالعاصمة الخرطوم في الأول من أبريل الجاري، عندما هدد بطرد رئيس البعثة الأممية “فولكر بيريتس” من السودان، وطالبه بالكف عن التمادي في تجاوز تفويض البعثة والتدخل السافر في الشؤون الداخلية للبلاد، كما دعا الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي للعمل على تسهيل الحوار بين الأطراف السودانية، وتجنب تجاوز التفويض الممنوح لبعثتيهما والتدخل في الشؤون الداخلية للسودان.
شواهد التوتر
ظهر عددٌ من المؤشرات الدالّة على توتر العلاقة بين السلطات الانتقالية السودانية والبعثة الأممية “يونيتامس” خلال الفترة الأخيرة، ومن المؤشرات الدالة على ذلك:
1- عدم الحياد تجاه أطراف الأزمة، حيث تتهمه بعض القوى السياسية بالانحياز لرؤية الجيش السوداني، ومحاولة فرض سياسة الأمر الواقع بعد الانقلاب العسكري على السلطة الانتقالية، ومحاولة دفع المكون المدني لقبول الشراكة مع المكون العسكري.
2- عدم فهم دور الأمم المتحدة، وهو ما تمثل في اتهام رئيس البعثة “فولكر بيريتس” لبعض الأطراف السودانية المنتقدة لدولة، بسوء فهم دور الأمم المتحدة، ونفيه لأن تكون البعثة قد تجاوزت المهام الموكلة إليها وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2524 لعام 2020، والتزامها بدعم التحول الديمقراطي في السودان.
3- التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، إذ شهدت الفترة الأخيرة خروج بعض المظاهرات المطالبة بإخراج البعثة من الأراضي السودانية بسبب تدخلاتها في الشؤون الداخلية للبلاد، وهو ما دفع “فولكر بيريتس” لاتهام حزب المؤتمر الوطني المنحل ونظام الرئيس المعزول “عمر البشير” المؤيدين للمكون العسكري بتنظيم هذه المظاهرات.
تجاوز الصلاحيات
يمكن تفسير الأسباب التي دفعت الفريق “البرهان” لتهديد “فولكر بيريتس” رئيس البعثة الأممية “يونيتامس” في السودان، بطرده من البلاد، والمرتبطة بشكل رئيسي بالتقرير الصادر عن البعثة خلال الأسبوع الأخير من شهر مارس الماضي حول الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في السودان، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- الاختلاف حول الصلاحيات والمهام الموكلة للبعثة الأممية: انتقد الفريق “عبدالفتاح البرهان” ما وصفه بالتدخلات غير المبررة من قبل رئيس بعثة “يونيتامس” في الشؤون الداخلية للبلاد، وقد عبّر عن ذلك خلال زيارته لمصر مؤخراً وإشارته إلى أن البعثة لديها مهام محددة، وذلك على خلفية التقرير الذي أرسله “فولكر بيريتس” رئيس البعثة لمجلس الأمن الدولي قبل نهاية شهر مارس الماضي، وإفادته بأن المشاورات التي أجراها مع كافة الأطراف السودانية تُشير إلى وجود اتفاق على ضرورة إعادة النظر في مجلس السيادة الوطني من حيث صلاحياته وعدد أعضائه، وأيضاً تشكيل جيش وطني موحد، وإنشاء هيئات قضائية، والإعداد لإجراء انتخابات ذات مصداقية، وإعلان البعثة إطلاق الجولة الثانية من المشاورات السياسية خلال الأسبوعين القادمين، وهو ما دفع وزارة الخارجية السودانية للإعلان عن وضع إجراءات لتحجيم الدور السياسي للبعثة الأممية في البلاد، ومن ذلك توجيهها للتركيز على القضايا الرئيسية التي تم تفويضها للمساعدة في حلها ومن ذلك دعم اتفاق جوبا للسلام، ودعم تنفيذ البرتوكولات الملحقة بالاتفاق، والترتيبات الأمنية وقضايا النازحين واللاجئين والأرض، وحشد الموارد اللازمة للتحضير للانتخابات.
2- إدانة الانقلاب العسكري على السلطة الانتقالية: إذ إن بعثة “اليونيتامس” ترى أن الإجراءات التي قام بها قائد الجيش السوداني الفريق “عبدالفتاح البرهان”، في 25 أكتوبر الماضي، هي انقلاب عسكري على السلطة، وخاصة بعدما أطاح بالحكومة الانتقالية السابقة برئاسة “عبدالله حمدوك”، وفشل الجهود الداخلية والإقليمية والدولية بعد تلك الإجراءات في تقريب وجهات نظر المكونين العسكري والمدني بشأن إدارة الفترة الانتقالية الحالية، وأيضاً فشل جهود تشكيل حكومة وحدة وطنية لإدارة شؤون البلاد، والاكتفاء بتشكيل “البرهان” لحكومة تصريف أعمال، بعد أن فشلت مشاورات رئيس بعثة “يونيتامس” في تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية بشأن تسليم السلطة الانتقالية لقوى سياسية مدنية، في ظل إصرار الجيش السوداني على عدم تسليم السلطة إلا بحدوث توافق بين القوى السياسية، على أن يتم تسليم السلطة لحكومة منتخبة يرتضيها الشعب السوداني.
3- الادّعاء بقيام السلطات السودانية بقمع التظاهرات الشعبية: ما وصفه التقرير الأخير لبعثة “يونيتامس” باستخدام السلطات السودانية القوة المفرطة لقمع المتظاهرين السلميين خلال مشاركتهم في الاحتجاجات الخاصة برفض الانقلاب العسكري على السلطة، ومطالبتهم بتسليم السلطة لقوى مدنية وإبعاد المكون العسكري عن السلطة الانتقالية الحالية، وانتقاد التقرير الأممي لإجراءات الاعتقال التي تطال النشطاء السياسيين وقادة لجان المقاومة الشعبية وتوجيه اتهامات جنائية لهم، هذا إلى جانب ما وصفه تقرير البعثة من استخدام العنف والذخائر الحية ضد المتظاهرين السلميين، واتهام قوات الأمن باغتصاب النساء، وهو ما أغضب مجلس السيادة الانتقالي بشكل كبير، ودفع الفريق “البرهان” إلى توجيه انتقاداته لبعثة “يونيتامس”.
4- تحذير البعثة الأممية من تحول الوضع في السودان إلى حالة ليبيا أو اليمن: عبّر الفريق “البرهان” كذلك عن استيائه مما وصفه التقرير الأخير الصادر عن بعثة “يونيتامس” الذي حذّر فيه “فولكر” من أن البلاد في طريقها إلى الفوضى وإلى مزيد من الانقسام والصراعات على السلطة بسبب عدم التوصل لتسوية سياسية عاجلة للأزمة الراهنة في السودان، وما تضمنه التقرير أيضاً من إشارات إلى وجود توترات داخل الأجهزة الأمنية وبين بعضها بعضاً، وتحذير البعثة من احتمالات تحول الصراعات السياسية في السودان إلى ما هو عليه الوضع في اليمن أو ليبيا، وهو ما دفع “فولكر بيريتس” -رئيس البعثة- للتأكيد على أن حل الأزمة الحالية لن يتم إلا بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، والإلغاء التدريجي لحالة الطوارئ، ووقف العنف، وهو ما اعتبره الجيش السوداني تدخلاً في الشؤون الداخلية للبلاد.
5- تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية: انتقد التقرير الأممي كذلك تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في السودان منذ الانقلاب على السلطة الانتقالية في أكتوبر الماضي. وفي ظل عدم وجود حكومة وطنية فإن البلاد معرضة لخسارة الدعم الاقتصادي من المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والدول المانحة أيضاً، كما أنّ غياب حكومة وطنية سوف يؤدي إلى عدم الاستفادة من فرصة تخفيف أعباء الديون الخارجية بحوالي 50 مليار دولار، وفي ظل عدم قدرة السلطات الانتقالية على تحسين الأوضاع الاقتصادية فمن المرجح أن يتعرض حوالي 18 مليون شخص داخل السودان لنقص حاد في الغذاء مع نهاية العام الجاري.
6- قيام “فولكر” بدور وسيط وليس بدور مسهل: ينتقد الجيش السوداني كذلك دور “فولكر” بيتريتس” رئيس بعثة يونيتامس الذي يقوم به حالياً في البلاد، إذ يؤكدون على أن دوره يجب أن يتمثل في القيام بتسهيل عملية الحكم الانتقالي وليس الوساطة بين المكونين المدني والعسكري، لأن تقديم مبادرة للوساطة لا يتماشى مع دوره، كما أنه غير مؤهل للقيام بذلك، وهو بذلك تعدى دوره المخول له كرئيس لبعثة مهمتها الأساسية هو تسهيل إجراء انتخابات، والتركيز على دفع الجماعات المسلحة التي لم توقع على اتفاق جوبا للسلام، وخاصة الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال برئاسة “عبدالعزيز الحلو”، وحركة تحرير السودان برئاسة “عبدالواحد نور” للتوقيع عليه وتحقيق السلام في البلاد، وكذلك انتقاد ضعف دورها في حشد الدعم الاقتصادي الدولي لإخراج البلاد من أزمتها الحالية.
سيناريوهات محتملة
وفي ظلّ المعطيات الراهنة الخاصة بالأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية المتأزمة داخل السودان، ومحاولات المجتمع الدولي لتسوية الأزمة السياسية الراهنة، فإن هناك بعض السيناريوهات المحتملة بشأن مستقبل بعثة “يونيتامس” في السودان خلال الفترة القادمة، وذلك كما يلي:
السيناريو الأول- استمرار البعثة ومواصلة دورها: يرجح هذا السيناريو استمرار البعثة الأممية في عملها لدعم الحكم الانتقالي في البلاد، وذلك استناداً إلى عدة اعتبارات، أولها أن البعثة جاءت للسودان بناء على طلب سابق تقدمت به الحكومة الانتقالية السابقة برئاسة المستقيل “عبدالله حمدوك”، وأيضاً الدعم الذي تحظى به البعثة الأممية داخل السودان من قبل القوى السياسية والمدنية المطالبة بإنهاء الانقلاب العسكري على السلطة الانتقالية وعلى رأسها قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة الثورية التي أعلنت دعمها للعملية السياسية التي أطلقتها البعثة الأممية بمشاركة الاتحاد الإفريقي، وأيضاً الدعم الإقليمي والدولي لدور هذه البعثة في تسوية الأزمة السياسية الراهنة في السودان، وهو ما ظهر في البيان الصادر عن مجموعة أصدقاء السودان مؤخراً والذي أيدت فيه الجهود المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيجاد لاستعادة مسار الانتقال الديمقراطي بقيادة القوى السياسية المدنية في البلاد، هذا بالإضافة إلى أن إقدام الجيش السوداني على طرد رئيس البعثة الأممية من شأنه إثارة غضب المجتمع الدولي ضده والدخول في صدام معه، وذلك في الوقت الذي يحتاج فيه إلى الدعم الدولي على كافة المستويات السياسية والاقتصادية.
السيناريو الثاني- إنهاء مهام رئيس البعثة: حيث يرجح هذا السيناريو أن ينفذ الفريق “البرهان” تهديده والقيام بطرد “فولكر بيريتس” -رئيس بعثة اليونيتامس- من البلاد، وذلك استناداً إلى الإعلان عن أنه شخص غير مرغوب فيه، ومطالبته بمغادرة الأراضي السودانية، وبالتالي قيام الأمم المتحدة بترشيح شخصية دولية أخرى لتحل محل “فولكر” مع استمرار البعثة في عملها داخل السودان.
السيناريو الثالث- إنهاء مهام يونيتامس: يرجح هذا السيناريو أن تتقدم حكومة تصريف الأعمال الحالية التي قام الفريق “البرهان” بتشكيلها، بالتقدم بطلب إلى مجلس الأمن الدولي لإنهاء عمل هذه البعثة وذلك استناداً إلى قائمة من المبررات التي تشمل عدم شرعية بقاء هذه البعثة بناء على غياب الحكومة الانتقالية السابقة التي تقدمت بطلب استقدام هذه البعثة بعد الإطاحة بها في أكتوبر الماضي، وأيضاً عدم التزام البعثة بمهامها المخولة لها من تسهيل إجراء انتخابات وتنفيذ اتفاق جوبا للسلام، والاستناد إلى تدخلاتها في الشؤون الداخلية للبلاد بشكل غير مبرر.
تغيير الرئيس
خلاصة القول، تُرجّح المعطيات الراهنة استمرار البعثة الأممية في دعم المرحلة الانتقالية الحالية في السودان، مع عدم استبعاد أن يقدم الجيش السوداني على إعلان رئيسها “فولكر بيريتس” شخصاً غير مرغوب فيه، والمطالبة بإسناد منصبه لشخصية أخرى تحت إشراف الأمم المتحدة لاستكمال مهامها وفقاً لما نص عليه القرار الأممي 2524 لعام 2020، إلى حين إجراء الانتخابات المقررة في عام 2023.