أجرى رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، في 13 نوفمبر الجاري، تعديلاً وزارياً للمرة الثانية قبل الانتخابات العامة المتوقعة خلال العام المقبل، تضمنت تولي رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون- من عام ٢٠١٠ إلى عام ٢٠١٦- منصب وزير الخارجية، ليحل مكان جيمس كليفرلي، الذي عُين وزيراً للداخلية خلفاً لسويلا بريفرمان المقالة بعد نشرها مقالاً أثار ردود فعل غاضبة لمهاجمتها المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطينية، وانتقادها الشرطة البريطانية، حيث أشارت إلى أنها كانت صارمة في تعاملها مع محتجين يمينيين، وتساهلت مع آخرين مؤيدين للفلسطينيين.
قضايا رئيسية
يُثير تولي كاميرون وزارة الخارجية البريطانية بعد سبع سنوات من تركه العمل الرسمي التساؤل حول مدى الاستمرارية والتغيير في السياسة الخارجية البريطانية تجاه منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة القادمة، في وقت تُصعِّد فيه إسرائيل من عملياتها العسكرية في قطاع غزة، وتتزايد الهواجس الإقليمية والدولية إزاء تحولها إلى حرب إقليمية، ولا سيما مع اشتعال المواجهات العسكرية في الجبهات الأخرى، ولا سيما اللبنانية. وتتمثل قضايا المنطقة الرئيسية التي ستتقدم أجندة كاميرون خلال قيادته الدبلوماسية البريطانية فيما يلي:
1- التنسيق مع واشنطن في إدارة الأزمات الإقليمية: ذكر كاميرون في أول تغريدة له على موقع “إكس” بعد تعيينه وزيراً للخارجية أنه سيركز على دعم الحلفاء وتعزيز الشراكات في القضايا التي تواجه فيها بريطانيا مجموعة هائلة من التحديات الدولية، بما في ذلك الحرب الروسية-الأوكرانية، والأزمة في الشرق الأوسط راهناً؛ وهو ما يعني أنه سيكون هناك المزيد من التنسيق البريطاني-الأمريكي خلال قيادة كاميرون لوزارة الخارجية البريطانية حول الأزمات والتحديات التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط.
ففي أول اتصالاته بعد توليه منصبه الجديد، ناقش كاميرون مع نظيره الأمريكي، أنتوني بلينكن، في ١٣ نوفمبر الجاري، الأزمة الراهنة في منطقة الشرق الأوسط. وقد تجلى أول ملامح التنسيق البريطاني-الأمريكي في فرض واشنطن ولندن عقوبات على عناصر من حركة حماس لتقويض نفوذها داخل الأراضي الفلسطينية، وعزلها دولياً.
2- التأكيد على مبدأ حل الدولتين: على الرغم من تأييد كاميرون لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر الماضي، وعملياتها العسكرية ضد حركة حماس التي وصفها وزير الداخلية الجديد بـ”الإرهابية”، فإن وزير الخارجية البريطاني سيعمل على التأكيد على أن حل الدولتين هو الخيار الأنسب لنهاية التصعيد العسكري المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.
فخلال رئاسته للحكومة البريطانية، عمل كاميرون مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لتعزيز حل الدولتين. فقد طلب كاميرون، في مارس ٢٠١٥، من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ذلك الوقت السعي من أجل حل الدولتين مع الفلسطينيين، وقال إن الحل المتفاوض عليه الذي يؤدي لإقامة دولة فلسطينية هو السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم في المنطقة. وقد كان كاميرون يدعو إلى الضغط على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لضمان استمرار المفاوضات حول هذا المبدأ.
3- دعم الوصول لهدنة إنسانية في غزة: وجّهت الحكومة البريطانية دعوات لجميع الأطراف إلى السماح بالهدنة الإنسانية اللازمة لدخول المزيد من المساعدات إلى قطاع غزة، بالتوازي مع مطالبة القوات الإسرائيلية بأن تتصرف في إطار القانون الدولي، ووقف “أعمال العنف المتطرفة” في الضفة الغربية. وقد أعلن كاميرون، في ١٤ نوفمبر الجاري، أن المملكة المتحدة تتضامن مع الشعب الفلسطيني المحاصر، ودعا جميع الأطراف إلى الموافقة على هدنة إنسانية للسماح بدخول المساعدات المنقذة للحياة إلى غزة.
وقد كانت قضية إعلان “هدن إنسانية” التي تضغط الولايات المتحدة من أجل التوصل إليها حتى يتسنى إدخال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في قطاع غزة مع ارتفاع التكلفة الإنسانية للعمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع منذ 8 أكتوبر الفائت، إحدى القضايا التي ناقشها كاميرون مع نظيره الأمريكي خلال أول اتصال هاتفي بينهما.
4- دور متزايد في الحرب على الإرهاب: كان كاميرون خلال رئاسته الحكومة البريطانية من أشد المؤيدين لاستخدام القوة العسكرية البريطانية لمواجهة التنظيمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما تنظيم “داعش” الذي كان يسيطر على مساحات شاسعة من دولتي العراق وسوريا. وقد سبق أن حذر الدول الأوروبية من دولة متطرفة على حدود البحر الأبيض المتوسط إذا نجح التنظيم الإرهابي في تأسيس خلافته المزعومة.
ودعمت حكومة كاميرون توسيع نطاق الضربات الجوية في سوريا والعراق ضد التنظيم. ولذلك، يتوقع أن تكون قضية الحرب على الإرهاب ومساعدة دول المنطقة في جهودها للقضاء على التنظيمات الإرهابية على أجندة كاميرون ولقاءاته اللاحقة مع العديد من مسئولي المنطقة، ولا سيما الدول التي لا تزال تعاني من الإرهاب، رغم تراجع نفوذ تنظيمي “داعش” و”القاعدة” بالمنطقة.
5- إبرام اتفاقية تجارة حرة مع دول مجلس التعاون: تُولِي بريطانيا أهمية متزايدة للتوصل مع دول مجلس التعاون الخليجي لاتفاقية تجارة حرة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي في إطار مساعيها لعقد اتفاقيات تجارية مع شركائها حول العالم. ويتوقع أن يستثمر كاميرون خبرته السابقة في الدفع قدماً للتوصل إلى تلك الاتفاقية التي ستخفض بشكل كبير أو تلغي التعريفات الجمركية على الصادرات البريطانية لدول المجلس.
حدود التغيير
شدد المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني، في ١٣ نوفمبر الجاري، على أن وزير الخارجية الجديد سيلتزم بنهج الحكومة الحالي تجاه التحديات العالمية، ومنها ما يتعلق بالصين، والصراع في منطقة الشرق الأوسط. وقد أشار إلى أن هناك اتفاقاً بين رئيس الوزراء ووزير الخارجية على مواصلة نهج الحكومة البريطانية إزاء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
ولكن كاميرون مع خبرته السياسية التي تمتد لأحد عشر عاماً، والتي تعزز من قدراته على التعامل مع التحديات التي تواجهها بريطانيا حول العالم وفي منطقة الشرق الأوسط، سيسعى لإحداث توازن بين دعمه القوي لإسرائيل مثل معظم السياسيين البريطانيين، والدفاع عن وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين في قطاع غزة، ولا سيما مع تزايد الغضب الداخلي البريطاني بسبب ارتفاع التكلفة الإنسانية للحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، والذي سبق أن وصفه كاميرون بـ”معسكر اعتقال”.
وسيستثمر كاميرون خبرته السياسية والعلاقات الشخصية التي بناها خلال رئاسته للحكومة البريطانية في استعادة بريطانيا نفوذها في منطقة الشرق الأوسط بعد حديث عدد من الساسة والمسئولين البريطانيين عن أن نفوذها في المنطقة تراجع بسبب تدهور قوتها الناعمة، والدعوة لإعادة تركيز بريطانيا مجدداً على منطقة الشرق الأوسط بعد ميلها الشديد تجاه منطقة الإندوباسيفيك، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي التي تشهد تحولاً جوهرياً في الأعمال التجارية، مما يشكل فرصة للشركات البريطانية للاستفادة منه.