أفكار ٢٠٢٣ – الحائط العربي
أفكار ٢٠٢٣

أفكار ٢٠٢٣



العلاقات الدولية ليست مجرد مجموعة من الأحداث الفردية أو العشوائية، ولكن الكثير من تفاعلاتها تقف وراءه أفكار توجه السياسة وترشدها، وتساعدها على الاستمرارية، أو تضفى عليها طابعًا معينًا يحقق أهداف مَن أطلق هذه الفكرة.

وقد شاهد عام ٢٠٢٢ عددًا من الإرهاصات الفكرية المتعلقة بالعلاقات الدولية، سوف تستمر معنا وتتبلور ملامحها بشكل كبير في ٢٠٢٣.

الفكرة الأولى يمكن أن تأخذ عنوان «تراجع قوة الصين»، حيث بدأت بعض الأوساط الغربية في ترويج فكرة أن الصين وصلت إلى ذروة قوتها، وبدأت الآن في مرحلة التراجع. ويجادل أصحاب هذه الفكرة بأن الصين تشهد انخفاضًا في معدلات النمو الاقتصادى، وسوف يشتد الانخفاض مع تخلى الصين عن سياسة «صفر كوفيد» وقيامها برفع القيود التي ارتبطت بجائحة كورونا نتيجة للضغوط والاحتجاجات الشعبية. ويتوقع البعض أن يؤدى ذلك إلى ارتفاع الإصابة بكورونا إلى معدلات غير مسبوقة وكارثية، (يقدر المسؤولون الصينيون أن حوالى ٢٥٠ مليون شخص، أو ١٨ في المائة من السكان، أُصيبوا بكورونا في الأيام العشرين الأولى من ديسمبر)، وسوف تؤثر هذه الإصابات بالتأكيد على النمو الاقتصادى وعلى سلاسل الإمداد الاقتصادية.

يُضاف إلى ذلك تأثير التغيرات الديمغرافية التي تشهدها الصين، فبفضل إرث سياسة الطفل الواحد، تقترب الصين من كارثة ديموغرافية، وستفقد ٧٠ مليون فرد في سن العمل على مدى العقد المقبل، بينما تكتسب ١٢٠ مليونًا من كبار السن، ويتوقع البعض أن تصبح الهند وليس الصين هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان خلال شهر إبريل من عام ٢٠٢٣.

في ظل هذا التراجع لمؤشرات القوى يشير البعض إلى أن السياسة الصينية ستكون أكثر خطورة وقد تلجأ للمغامرة حتى تحقق أكبر مزايا ممكنة، وقبل أن تشهد المزيد من التراجع في ميزان القوى الكبرى، ومقارنة مع الولايات المتحدة. هذا الحديث عن التراجع الصينى هو بالتأكيد مسألة نسبية، وستظل الصين قوة كبرى حتى بمؤشراتها المتراجعة.

الفكرة الثانية هي ما يسميه البعض «عودة التاريخ» أو «انتقام التاريخ»، وقد ارتبطت هذه الفكرة بحرب روسيا في أوكرانيا، والتى ستستمر معنا في عام ٢٠٢٣، وفى ظل استمرار القناعة الروسية بأن أوكرانيا هي تاريخيًّا جزء من روسيا. البُعد التاريخى يظهر أيضًا في التحالف الأمريكى- البريطانى- الأسترالى في المحيط الهادى، والذى يُعد امتدادًا للتحالف بين هذه الدول الثلاث أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية. كما أن استمرار الحرب الأوكرانية والتنافس الصينى الأمريكى هو رد على فكرة «نهاية التاريخ» وانتصار النموذج الليبرالى الغربى على ما عداه، حيث تمثل روسيا ومعها الصين نموذجًا بديلًا لا يعترف بنهاية التاريخ وفقًا للتصور العربى.

الفكرة الثالثة تتعلق بمراجعات النظام الإيرانى، حيث أوضحت المظاهرات التي شهدتها إيران منذ وفاة الشابة «مهسا أمينى» في سبتمبر ٢٠٢٢، حجم الفجوة بين حكم «آيات الله» وقطاعات واسعة من الشعب الإيرانى. ونتيجة لغضب الشارع قامت الحكومة الإيرانية بإلغاء ما يسمى «شرطة الأخلاق»، وأعلنت عن مراجعة القانون الخاص بالحجاب الإلزامى الذي فرض عام ١٩٨٣، وبعد أربع سنوات من قيام الثورة الإسلامية في ١٩٧٩.

المرجح أن تستمر أزمة النظام الإيرانى في ٢٠٢٣، ومن الواضح أن التوصل إلى اتفاق نووى مع الغرب قد أصبح أمرًا بعيد المنال أو خيارًا «ميتًا» في ظل الظروف الداخلية التي تشهدها البلاد، والتى تضفى كلها ظلالًا من الشك حول استمرار نظام الثورة الإسلامية في إيران بالشكل الذي عرفناه منذ ١٩٧٩. وسيشهد عام ٢٠٢٣ اختبارًا لحدود التغيير التي قد يسمح بها النظام ويقبلها الشارع الإيرانى.

الفكرة الرابعة تتعلق باستمرار الجدل حول دور الدولة في الاقتصاد مع عودة الولايات المتحدة لتبنى سياسات صناعية تقوم على الدعم الحكومى لمواجهة التفوق الصناعى الصينى في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والطاقة المتجددة، ولكن هذه السياسات الأمريكية أدت إلى الخلاف مع الدول الصناعية الرأسمالية لخروجها على قواعد الاقتصاد الحر. هناك جدل أيضًا حول تزايد معدلات الإنفاق الحكومى (البرازيل أقرّت تعديلًا دستوريًّا منذ أيام يرفع سقف الإنفاق الحكومى بما لا يقل عن ٢٨ مليار دولار، مما يسمح للرئيس المنتخب لولا دا سيلفا بالوفاء بتعهداته الانتخابية بتوفير أموال إضافية للرعاية الاجتماعية والبنية التحتية).

سوف يستمر الجدل أيضًا حول معضلة التضخم، الذي وصل إلى معدلات غير مسبوقة في العديد من دول العالم لم تشهدها منذ أربعين عامًا، الجدل يدور حول قدرة البنوك المركزية على الحد من التضخم باستخدام الروشتة التقليدية المتعلقة برفع سعر الفائدة (البنك المركزى الأمريكى بدأ عام ٢٠٢٢ بسعر فائدة أقل من ١٪ وانتهى بما يقرب من ٤.٥٪ دون نتائج سريعة)، وبالتالى يثور السؤال عما إذا كانت هناك حاجة لاستخدام أدوات جديدة لمواجهة تحدى التضخم.

باختصار، العام الجديد سيشهد جدلًا فكريًّا حول العديد من القضايا، ولكن لا يوجد مؤشر حول حسم الجدل حولها في ٢٠٢٣، وربما يستمر «عدم اليقين» هو سيد الموقف.

نقلا عن المصري اليوم