اتسع نطاق المواجهات بين الجيش الصومالي وحركة “شباب المجاهدين” في الفترة الأخيرة، حيث أعلن الأول، في 13 يوليو الجاري، عن مقتل 25 من عناصر الحركة، خلال عملية عسكرية شنها في إقليم هيران بوسط البلاد، وهو ما ردت عليه الأخيرة بتنفيذ هجوم انتحاري، في 17 من الشهر نفسه، في مدينة جوهر أسفر عن وقوع قتلى ومصابين من بينهم وزير الصحة في هيرشبيليي عبدي معلم، ووزيرة المرأة في الولاية عائشة خليف. ولا ينفصل ذلك عن التحركات التي يقوم بها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود من أجل استقطاب مزيد من الدعم الإقليمي والدولي لتعزيز قدرة القوات الصومالية على مواجهة عمليات الحركة التي تفرض تهديدات مباشرة لأمن واستقرار الصومال ودول الجوار.
منذ وصول الرئيس حسن شيخ محمود إلى الحكم في منتصف مايو الماضي، عقب تصاعد حدة الاضطرابات السياسية في البلاد، والتي وصلت إلى حد اندلاع مواجهات بين مكونات أمنية وعسكرية في العاصمة مقديشيو، بدا أن ثمة حرصاً على منح الأولوية لمواجهة حركة “شباب المجاهدين”، باعتبار أن ذلك يمثل الآلية الرئيسية لدعم حالة الأمن والاستقرار في الصومال. وفي هذا السياق، بدأ الرئيس والمسئولون الصوماليون في التحرك على أكثر من مستوى، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
1- محاولات حشد الدعم الإقليمي والدولي: شهدت العلاقات بين أطراف إقليمية ودولية والنظام السياسي السابق في الصومال توترات على خلفية الحديث عن عرقلة إجراء الانتخابات في البلاد والدخول في صدامات مع المكونات الرئيسية؛ إلا أن وصول شيخ محمود إلى الحكم ربما فتح مجالاً للتقارب مع مختلف الأطراف، والانتقال إلى مرحلة جديدة؛ إذ قام ببعض الجولات الخارجية التي وصل عددها إلى 6 رحلات خارجية خلال فترة شهرين تقريباً، كان أغلبها في المحيط الجغرافي للصومال، مثل زيارات لجيبوتي وكينيا وإريتريا، وأخيراً إلى إثيوبيا. وفي السياق ذاته، بدأ رئيس الوزراء الجديد حمزة عبدي بري في التواصل مع السفراء الأجانب في الدولة، وكان آخرهم سفيرة بريطانيا كيت فوستر. وتأتي مجمل هذه التحركات في إطار حشد دعم دولي وإقليمي لتحقيق هدفين أساسيين هما تقليص حدة الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب موجة الجفاف التي تواجه الصومال حالياً، والحصول على مساعدات أمنية لمواجهة حركة “الشباب”.
2- تنفيذ عمليات أمنية لملاحقة “الشباب”: بدا أن القوات الأمنية والعسكرية في الصومال تركز على توجيه ضربات أمنية وعسكرية لملاحقة عناصر وخلايا حركة “الشباب”، إضافة إلى اعتقال بعض القيادات الفاعلة اعتماداً على جهد استخباراتي ومعلوماتي. وربما ساهم تراجع حدة الخلافات السياسية في تركيز تلك المكونات على مواجهة النشاط العملياتي للحركة، خاصة في ظل تعدد عملياتها بالعاصمة مقديشيو، حيث سبق إعلان الجيش الصومالي، في 13 يوليو الجاري، عن مقتل 25 من عناصر الحركة، خلال عملية في إقليم هيران وسط البلاد، إشارة تقارير إعلامية محلية إلى تنفيذ عمليات أمنية بناءً على معلومات استخباراتية لاعتقال عدد من القيادات، مثل المسئول عن إعداد الألغام الأرضية في منطقة بالي بشبيلي السلفي.
3- استعادة التنسيق مع القوات الأمريكية: يمثل قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بالتراجع عن الخطوة التي سبق أن اتخذها الرئيس السابق دونالد ترامب، بإعادة نشر قوات أمريكية في الصومال، لاستكمال مهام التدريب للواء “دنب”؛ مؤشراً مهماً يكشف عن استعادة التنسيق مرة أخرى، وهو قرار جاء بعد أيام قليلة من انتخاب شيخ محمود رئيساً للصومال. ومن شأن هذه الخطوة أن تعزز من انخراط هذا اللواء في جهود مكافحة الإرهاب بالصومال بعد تراجع الفاعلية بالمشاركة في أزمات سياسية شهدتها البلاد، وتحديداً المواجهات مع جماعة “أهل السنة والجماعة”، إضافة إلى فقدان القدرة على ملاحقة حركة “الشباب”، في ضوء تأكيدات أمريكية بأن هذا اللواء يعمل بشكل أفضل في إطار التوجيهات العملياتية والاستخباراتية للقوات الأمريكية.
4- إعادة بناء المؤسسة العسكرية: يتمثل أحد المسارات التي يركز عليها الرئيس الصومالي والحكومة الجديدة في إعادة بناء الجيش الصومالي خلال الفترة المقبلة، لتمكينه من مواجهة التحديات الأمنية المختلفة، وتحديداً حركة “الشباب”. فعلى الرغم من زيادة أعداد أفراد الجيش عن عناصر الحركة، إلا أن العمليات التي يتم شنها ضد “الشباب” تواجه أزمات متعددة، بما يستدعي رفع كفاءة الجيش وإعادة البناء من خلال الدفع باتجاه رفع حظر التسليح، وهو ما عبّر عنه وزير الدولة للشئون الخارجية في الاجتماع السنوي الحادي والأربعين للمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي في يوليو الجاري، إضافة إلى احتمال عودة العناصر التي تلقت تدريبات بداية من عام 2019 في إريتريا قريباً بناءً على تصريحات الرئيس الصومالي. كما أكد رئيس الحكومة أن إعادة بناء الجيش تأتي على رأس الأولويات.
5- شن حرب اقتصادية ضد الحركة: أكد الرئيس شيخ محمود ضرورة التركيز على شن حرب اقتصادية ضد حركة “الشباب” خلال الفترة المقبلة، من أجل تجفيف مصادر التمويل، بما قد يُسهم في عرقلة وتحجيم نشاطها؛ إذ إن استمرار التدفق المالي يعزز من قدرات الحركة على استقطاب عناصر جديدة. وهنا يمكن الإشارة إلى الاتجاه لملاحقة العناصر التي تتولى الشئون المالية في الحركة، فخلال الشهر الجاري أشارت تقارير إعلامية محلية إلى اعتقال مسئول المالية في إحدى مناطق شبيلي السفلى.
تحديات رئيسية
على الرغم من ذلك، فإن الجهود الصومالية لاحتواء وتحجيم تهديدات حركة “الشباب” خلال الفترة المقبلة تواجه تحديات رئيسية، يتمثل أبرزها في:
1- غياب الحلول المستدامة للصراعات السياسية: استغلت حركة “الشباب” تداعيات الأزمات السياسية التي مرت بها الصومال على مدار سنوات، وتحديداً خلال العام ونصف الماضيين، في تعزيز نفوذها، وبالتالي فإن تجدد الخلافات بين المكونات المختلفة والأقاليم مستقبلاً قد يؤدي إلى توسيع نطاق عمليات الحركة.
2- تعقيدات مواجهة “التمرد الريفي”: اتسم النشاط العملياتي لحركة “الشباب” منذ العام الماضي بما يُعرف بـ”التمرد الريفي”، الذي يشير إلى تنفيذ عمليات في مناطق ريفية نائية بعيدة عن السلطة المركزية، وهي استراتيجية ليست جديدة بالنسبة للحركة، ولكن زاد الاعتماد عليها بعد تراجع جهود مواجهتها، وسيطرتها على عدد من القرى والبلدات، وتحديداً في جنوب ووسط الصومال، بما يفرض مزيداً من الصعوبات أمام عمليات المواجهة، بفعل اتساع النطاق الجغرافي لنشاطها. وهنا يمكن الإشارة إلى أن لواء “دنب”- الذي كان يتلقى تدريبات من القوات الأمريكية في الصومال- قام بتحرير نحو 29 قرية من قبضة الحركة خلال عامي 2019 و2020، وفقاً لتقديرات أمريكية، بما يعكس أن مواجهة “التمرد الريفي” تتسم بالتعقيد وتحتاج إلى فترة زمنية ليست قليلة.
3- القدرات التمويلية الكبيرة للحركة: اللافت في نشاط حركة “الشباب” منذ العام الماضي، في ضوء حالة الفراغ وتراجع عمليات المواجهة، هو زيادة القدرات التمويلية بصورة كبيرة؛ إذ تذهب التقديرات إلى أن العوائد المالية للحركة وصلت إلى 120 مليون دولار عام 2020، في حين أشارت تقديرات لمعهد “هيرال” للدراسات الأمنية في مقديشيو، إلى أن العوائد الشهرية للحركة وصلت إلى نحو 24 مليون دولار. وبعيداً عن اختلاف التقديرات، فإن ثمة تخوفات من زيادة هذه القدرات، بما يمكنها من زيادة الإنفاق على شراء الأسلحة، إضافة إلى إمكانية استقطاب عناصر جديدة، وتقديم أموال للمناطق الفقيرة، على نحو سوف يساعد في تقوية الشبكات الداعمة والحواضن في مناطق نفوذها.
4- تطور الإمكانيات العملياتية لـ”الشباب”: بخلاف نمط “التمرد الريفي”، فقد بدا أن ثمة تطوراً في القدرات العملياتية لحركة “الشباب”، مكّنها من تنفيذ عمليات معقدة ومؤثرة، وتحديداً في العاصمة مقديشيو، إضافة إلى التخطيط لعمليات استهداف مسئولين حكوميين، كان آخرها إصابة وزير الصحة في هيرشبيلي عبدي معلم، ووزيرة المرأة في الولاية عائشة خليف، في تفجير استهدف فندقاً بمدينة جوهر في ولاية هيرشبيلي، جنوب البلاد.
5- تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية: تعاني الصومال خلال الفترة الحالية من موجة جفاف شديدة، ستكون لها تداعيات اقتصادية ومعيشية قوية، بصورة استدعت إطلاق أطراف عربية مناشدات لتقديم مساعدات عاجلة للصومال، من أجل تجاوز موجة الجفاف، في ظل تعرض الملايين من الشعب الصومالي لخطر المجاعة. وتمثل هذه الأزمة مناخاً مناسباً لحركة “الشباب”، في التغلغل مجتمعياً بمناطق نفوذها، ربما لتقديم دعم لبعض الأسر، وإظهار عجز الحكومة عن التعامل مع تلك الأزمة.
معادلة صعبة
في ضوء ذلك، يمكن القول إن نجاح الحكومة الصومالية في إلحاق هزيمة كاملة بحركة “الشباب” يبدو احتمالاً صعباً، في ضوء الخبرة السابقة في مواجهة الحركة منذ عام 2009. ولذلك تدفع بعض الدوائر الأمريكية إلى ضرورة تبني استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب في الصومال، تعتمد في أولى مراحلها على تحجيم نشاط “الشباب”، تمهيداً للانخراط في مفاوضات معها، وهو مسار لم تتضح بعد إمكانية تحوله إلى خطوات إجرائية على الأرض.