على مدى يومين متتاليين، استضافت جيبوتي قمتين: الأولى، قمة مُصغرة شارك فيها رؤساء جنوب السودان سيلفا كير ميارديت، وكينيا وليام روتو، وجيبوتي إسماعيل عمر جيلي. والثانية، قمة الهيئة الحكومية للتنمية “إيجاد”. وتأتي هاتان القمتان اللتان تم عقدهما خلال اليومين الماضيين، من أجل محاولة إقناع طرفي الأزمة في السودان بالعمل على إنهاء القتال الدائر بينهما. وقد حذر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي من أن استمرار الصراع في السودان “يُهدد بجر البلاد إلى حرب أهلية واسعة النطاق”؛ مؤكداً، خلال قمة “إيجاد”، على أن الأزمة “تتطلب حلاً سريعاً وموحداً من دون تأجيل”.
وكما يبدو، من خلال هاتين القمتين، فإن هناك محاولة واضحة للانخراط الأفريقي في مسار الصراع السوداني؛ على نحو يفتح الباب على مصراعيه أمام عدد من التساؤلات، التي ترتبط بدوافع هذه المحاولة، خاصة أن منظمة “إيجاد” تضم في عضويتها، إضافة إلى السودان، الدول السبع التي تُمثل منطقة “الجوار الإقليمي” للسودان، في شرق أفريقيا. هذا، فضلاً عما تُمثله هذه المحاولة مما يمكن تسميته بـ”تعزيز الدور” الأفريقي في الأزمة، ومحاولة حلها.
دوافع رئيسية
رغم أن منظمة “إيجاد” طرحت خلال القمة مبادرة جديدة لتسوية الصراع في السودان، إلا أنها واجهت مشكلات عديدة منذ البداية، على نحو بدا جلياً في اعتراض السودان على تغيير رئاسة اللجنة المكلفة بإدارة حوار بين طرفى الصراع.
وقد جاء تحرك منظمة “إيجاد” للانخراط في الجهود التي تبذل للوصول إلى تسوية للأزمة في السودان على إثر اجتماع عُقد بين رؤساء دول المنظمة، في 16 أبريل الماضي، تم فيه تكليف رؤساء جنوب السودان وكينيا وجيبوتي، بالعمل على اقتراح حلول للنزاع السوداني؛ إلا أن وفد الرؤساء الثلاثة لم يستطع الوصول إلى الخرطوم، بسبب تطورات الصراع العسكري. ومن هنا، فإن ما يتم الآن، هو محاولة تنشيط للتحرك “البطئ” من قبل منظمة “إيجاد”، بهدف تمديد الهدنة بين الطرفين المتقاتلين، وإجراء محادثات سلام بينهما تُعقد في جوبا عاصمة جنوب السودان.
وكما هو واضح، فإن ثلاثة من دول منظمة “إيجاد”: جنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا، هي دول جوار جغرافي مباشر للسودان؛ ومن ثم، فإن من مصلحتها أن يتوقف الصراع العسكري في السودان، خوفاً من تمدد تداعياته إليها عبر الحدود المشتركة مع السودان، في ظل الامتداد القبلي العابر لهذه الحدود.
وتتعدد العوامل التي تستند إليها محاولة “الانخراط الأفريقي” في مسار الصراع السوداني، ويتمثل أبرزها في:
1- محاولة تجنب السيناريوهات السلبية للأزمة: لا تستبعد اتجاهات عديدة أن تتحول الأزمة السودانية، بصورة تدريجية، إلى ما يشبه “قنبلة إقليمية موقوتة”؛ على نحو سوف يدفع، في الغالب، دول الجوار الإقليمي للسودان، إلى التحرك من أجل مواجهة المشكلات التي يمكن أن تترتب على ذلك.
وإضافة إلى المشكلات العسكرية والأمنية والاقتصادية؛ ومع اقتراب دخول الصراع الشهر الثالث له، دون توقف؛ إلى جانب إصرار طرفي الصراع على مواصلة استخدام الخيار العسكري، دون النظر إلى تكلفته البشرية والاقتصادية، فإن مستقبل الدولة السودانية يبدو أمام اختبار صعب، ومن ثم تتصاعد المخاوف من جانب هذه الدول إزاء تفاقم مشكلات اللاجئين، وعمليات التهريب، وانتشار الجماعات المسلحة سواء الإجرامية أو المتطرفة.
2- إشكالية النتائج العسكرية والقبلية للصراع: ربما يساهم احتمال تصاعد حدة التداعيات العسكرية والأمنية للصراع الدائر، فضلاً عن الانعكاسات القبلية، في انخراط عدد من الحركات المسلحة، داخل السودان، في الصراع؛ وهو ما يمكن أن يؤدي إلى توسيع نطاقه؛ خاصة في ظل عدم القدرة على حسم الفوضى التي يمكن أن تنشأ في المناطق الملتهبة، مثل دارفور التي ينتشر بها أكثر من مليوني قطعة سلاح.
فضلاً عن ذلك، فإن خبرة الأزمات السودانية السابقة، خاصة أثناء الحرب الأهلية التي أدت إلى انفصال جنوب السودان، تكشف أن المنظومة السياسية السودانية تعتمد، في حل قسم من مشكلاتها، على المحاور الإقليمية. وبالتالي، فمع الحدود الطويلة مع هذه المحاور، ومع التمدد القبلي مع منطقة الجوار الإقليمي للسودان؛ تُصبح هناك إمكانية لانفجار بعض الصراعات القبلية، وتدخل الحركات المسلحة فيها، وبالتالي انخراطها في الصراع العسكري الدائر، بشكل أو بآخر.
3- الارتدادات المباشرة على الجوار الإقليمي: ترتبط السودان بمنطقة جوار إقليمي تتسم بالتعقيد من حيث المكونات القبلية. ومن ثم، تبدي بعض دول الجوار تخوفات من احتمال تعرضها لارتدادات خطيرة، على مستويات مختلفة، ما لم يتم حل الأزمة بشكل عاجل؛ خاصة أن تبعات الصراع ستصيب الغالبية العظمى من هذه الدول، التي لها حدود مباشرة مع السودان.
وكما يبدو، فإن بعض الإثنيات في دول الجوار السوداني، فضلاً عن القبائل ذات التداخلات العرقية مع مناطق التماس على حدود السودان، يمكن أن تستفيد من هذا الوضع، بما يشكل تهديداً لاستقرار دول الجوار. وطبقاً للمفوضية القومية للحدود السودانية، فإن لدى السودان 47 معبراً حدودياً مع دول الجوار، من خلال حدود يزيد طولها على ثمانية الآف كيلو متر. وبالتالي، فإن احتمالات المعاناة من تبعات الصراع السوداني سوف تزداد في دول الجوار، التي لا يزال بعضها يشهد حالة من عدم الاستقرار الداخلي، لا سيما إثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان، فضلاً عن تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا.
4- دعم الدور الأفريقي في عملية التسوية: لا تنفصل التحركات التي تجري على الصعيد الأفريقي للمشاركة في الجهود التي تبذل من أجل الوصول إلى تسوية للصراع في السودان، في رؤية اتجاهات عديدة، عن توجه لافت باتت تتبناه دول مثل إثيوبيا وكينيا، للحفاظ على ما يمكن تسميته بـ”أفرقة” الأزمة السودانية، مستفيدة من رؤية غربية مفادها منح أفريقيا دوراً أكبر في حل الأزمة؛ وذلك انسجاماً مع انطباع سائد في التعامل مع السودان كـ”بلد أفريقي”، دون النظر إلى هويته العربية.
تعزيز التعاون
في هذا السياق، يُمكن القول إنه نظراً إلى الأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها السودان، بالنسبة إلى منطقة شرق أفريقيا بشكل خاص، ترى بعض الدول الأفريقية ضرورة تولي الاتحاد الأفريقي، والمنظمات الإقليمية الأخرى، وفي مقدمتها “إيجاد”، زمام المبادرة لممارسة ضغوط على طرفى الصراع من أجل وقف القتال. إلا أن الصدام العسكري الحالي، وإصرار طرفيه على المضي قدماً فيه إلى نهايته، بصرف النظر عن مدى تكلفته الباهظة، يشير إلى أن الأزمة ما زالت أكبر من قدرات أي دور أفريقي؛ وأن حلحلة الصراع يمكن أن تتم من خلال التعاون مع أطراف أخرى، عربية وإقليمية ودولية، لديها أدوات ضغط على الطرفين.