ملفات متشابكة:
أسباب استمرار التوتر بين المغرب وفرنسا

ملفات متشابكة:

أسباب استمرار التوتر بين المغرب وفرنسا



بات التوتر يمثل سمة رئيسية في العلاقات بين المغرب وفرنسا، نتيجة أسباب عديدة، يتعلق أبرزها باستمرار الخلافات حول ملف التأشيرات، واستياء المغرب من الموقف الفرنسي إزاء قضية الصحراء، واتجاه الرباط نحو تطوير علاقاتها مع دول غرب أفريقيا بالتوازي مع الانسحاب العسكري الفرنسي من مالي، فضلاً عن حرصها على توسيع نطاق خياراتها على المستويين الإقليمي والدولي.

تصاعدت حدة الخلافات بين المغرب وفرنسا خلال الفترة الماضية، على نحو بدا جلياً في مواصلة الحكومة الفرنسية تبني إجراءات مشددة في منح التأشيرات لفئات مختلفة من المغاربة لدخول أراضيها، رغم أن المتقدمين المغاربة هم من الكوادر والمتخصصين. وقد أثار هذا القرار ردود فعل مغربية سلبية، وصلت إلى حد استحضار الماضي “الاستعماري” للدولة الفرنسية.

وبالرغم من الارتدادات السلبية لهذه الإجراءات على علاقات فرنسا مع الدول المغاربية (الجزائر، تونس، المغرب)، إلا أن الأولى تمكنت من تجاوز جانب معتبر من ملفاتها الشائكة مع الجزائر وتونس بعد مراجعة إجراءات منح التأشيرات لمواطني البلدين، لكن بقي التوتر كامناً مع المغرب، وظهر ذلك في توقف الزيارات الثنائية الرسمية بين الطرفين.

وقد كان لافتاً أنه في خضم هذا التوتر، أشارت تقارير عديدة، منها تقرير لموقع “مغرب انتليجنس”، في 21 أغسطس الحالي، إلى أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون سوف يقترح، خلال زيارته للجزائر التي سوف تبدأ في 25 أغسطس الحالي، عقد قمة مصغرة في باريس أو أي مدينة فرنسية أخرى، تضم دبلوماسيين من الجزائر والمغرب وأسبانيا، لإجراء مباحثات حول الخلافات العالقة بين تلك الدول لا سيما حول قضية الصحراء، إلا أنه لم تتضح بعد ردود فعل تلك الدول إزاء هذا الاقتراح، الذي تسعى من خلاله باريس إلى تجاوز التعقيدات التي نجمت عن تشابك مصالح وحسابات تلك الأطراف إزاء هذا الملف تحديداً.

دوافع مختلفة

يمكن تفسير تصاعد حدة التوتر المكتوم، وجمود العلاقات بين باريس والرباط، في ضوء دوافع عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تنامي الحضور المغربي في غرب أفريقيا: لا ينفصل التوتر بين باريس والرباط عن مساعي الثانية لتعزيز نفوذها في دول غرب أفريقيا من خلال اتباع دبلوماسية نشطة، وظَّفت العديد من الأدوات الخاصة التي تمتلكها لتطوير حضورها الذي لا يتوافق، في رؤية اتجاهات عديدة، مع مصالح وحسابات باريس، وبدا ذلك جلياً في تعزيز الروابط الاقتصادية، حيث استضافت الرباط، في 8 يونيو الماضي، فعاليات المؤتمر الوزاري الأول للدول الأفريقية الأطلسية “أفريقيا الأطلسية”، الذي شاركت فيه 21 دولة أفريقية مطلة على المحيط الأطلسي. وقد أشار وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى مستوى اهتمام الرباط بتطوير علاقاتها مع تلك الدول، حيث قال أن “الدول الأفريقية الـ23 المطلة على المحيط الأطلسي تمثل 46 في المائة من سكان أفريقيا، وأن هذا الفضاء يتركز فيه 55 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأفريقي، وأن اقتصاداته تحقق 57 في المائة من التجارة القارية”.

2- اتساع نطاق الخلافات الدبلوماسية: تصاعدت في الفترة الماضية العديد من الأزمات الدبلوماسية بين باريس والرباط، وكان آخرها إعلان باريس أنها مستمرة في رفض منح التأشيرات لفئات مختلفة من مواطني المغرب، بالرغم من أن المتقدمين كوادر في القطاعين العام والخاص، ومنهم مهندسون وأطباء وطلبة، حيث إن الكيانات القنصلية الفرنسية بالمغرب لا تزال ترفض ملفات كثيرة للمواطنين المغاربة دون مبررات مقنعة، رغم أنها خففت القيود بالنسبة للتونسيين والجزائريين، مما أثار استياءً متصاعداً في المغرب. ويُشار إلى أن فرنسا اتجهت، منذ 28 سبتمبر الماضي، إلى تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين والمغاربة بنسبة 50 في المائة، والتونسيين بنسبة 30 في المائة، وذلك للرد على رفض الدول الثلاث، حسب المزاعم الفرنسية، اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة مواطنيها الذين وصلوا إلى فرنسا بطرق غير شرعية. وقد وصفت المغرب هذه السياسة بأنها غير مبررة، ووصل الأمر إلى حد مطالبة الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، في 18 أغسطس الجاري، السفيرة الفرنسية في الرباط هيلين لوغال بالتدخل لدى المصالح القنصلية في مختلف مدن المغرب، من أجل إعادة مصاريف التأشيرات التي لم يتم منحها للمواطنين المغاربة، الذين تقدموا بالحصول على تأشيرة، باعتبار أنها تتعلق بخدمة لم تنجز وهى منح التأشيرة.

3- خفوت الدعم الفرنسي للحكم الذاتي للصحراء: كان لافتاً أن الدعم الذي أبدته فرنسا لمقاربة الحكم الذاتي التي تبنتها المغرب في قضية الصحراء، لم يكن على نحو بارز، مقارنة بالمواقف التي اتخذتها العديد من الدول الغربية مثل أسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية، التي نظمت بالمشاركة مع المغرب، في 15 يناير 2021، مؤتمراً وزارياً دولياً، عبر تقنية “الفيديو كونفرانس”، حول دعم خطة الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب، وذلك بمشاركة 40 دولة، منها 27 ممثلة على المستوى الوزاري. وقد كان هذا الموقف محط اهتمام وترقب من جانب الرباط، نظراً للثقل الفرنسي على المستوى الأوروبي، وهو ما فرض في النهاية ارتدادات سلبية على العلاقات بين الطرفين.

4- تبني سياسة تنويع الشركاء الاستراتيجيين: لا يبدو أن توجه المغرب في الفترة الماضية نحو تفعيل سياسة “تنويع الشركاء الاستراتيجيين” كانت محل ترحيب من جانب فرنسا، على نحو بدا جلياً في تعزيز العلاقات بين المغرب وكل من أسبانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وتركيا، والذي وصل إلى المستوى العسكري، حيث تسلمت الرباط، على سبيل المثال، في 25 سبتمبر 2021، أول دفعة من الطائرات التركية من دون طيار من طراز “بيرقدار تي بي 2″، في إطار العقد الذي وقع مع شركة “بايكار” التركية بقيمة 70 مليون دولار.

تداعيات محتملة

ربما يفرض التوتر المستمر بين المغرب وفرنسا تداعيات سلبية محتملة على مسارات العلاقات بين البلدين. إذ أنه قد يؤدي إلى ابتعاد المغرب، تدريجياً، عن ما يسمى بـ”الدائرة الفرانكفونية”. وربما تتجه نحو توظيف الانسحاب الفرنسي من غرب أفريقيا لملء الفراغ الناتج عن ذلك، خاصة أن المغرب تسعى إلى تعزيز دورها وحضورها في المجال الإقليمي، وتُولي اهتماماً خاصاً بمنطقة الساحل الأفريقي نظراً لقربها الجغرافي، وكتلتها التصويتية داخل الاتحاد الأفريقي، فضلاً عن تأثيراتها المباشرة على أمنها ومصالحها. ومن دون شك، فإن هذا التوجه يستند إلى اعتبارات عديدة يتعلق أهمها بانسحاب القوات الفرنسية من مالي، في 15 أغسطس الجاري. ختاماً،يمكن القول إن استمرار باريس في تطبيق إجراءاتها المشددة بشأن منح التأشيرات للمغاربة كشف عن عمق التوتر المستتر بين البلدين، وتعقد عملية بناء الثقة، وحدود جهود احتواء الملفات الخلافية، خاصة مع سعى الرباط إلى إعادة توجيه سياستها الخارجية نحو فاعلين جدد، بشكل يوفر لها خيارات أوسع على الساحة الدولية.