أزمة حكم في العراق أم أزمة نظام سياسي؟ – الحائط العربي
أزمة حكم في العراق أم أزمة نظام سياسي؟

أزمة حكم في العراق أم أزمة نظام سياسي؟



ظاهرياً تبدو الأزمة السياسية في العراق كما لو أنها واجهة لصراع على الحكم صارت أطرافه تتشدد في شروطها بحيث صار من الصعب عليها الوصول إلى مقتربات مشتركة تدفع بها إلى القبول بتسويات، تعيد الأمور كلها إلى مرحلة ما قبل الانتخابات وهي المرحلة التي يظن الكثيرون أنها شهدت نوعاً من التوافق بين الأطراف السياسية كلها. وفي ذلك نوع من العودة إلى المبدأ الأساس لنظام المحاصصة الذي سبق له أن انتقل من الطائفية إلى الحزبية. في لحظة ما تم استبدال الأحزاب بالطوائف. ذلك ما ثبت الأحزاب في مواقعها من النظام السياسي ومن ثم في المحاصصة في الوزارات وفي الثروات.

ذلك الصراع وإن كان موجوداً فإنه لا يختصر الأزمة السياسية، فالأزمة أكبر منه وحلولها تتخطى مسألة التوافق الموقت بين الأحزاب إذا ما عرفنا أن تلك الحلول لن تكون ميسرة وعملية في ظل تشبث الأحزاب بالسلطة باعتبارها غنيمة ومكافأة عما تُسميه بـ”سنوات النضال ضد النظام السابق” قبل الاحتلال الأميركي عام 2003. وهو المفهوم الذي تم تداوله عبر نحو عشرين سنة، لم يشهد العراق فيها أي نوع من التغيير على مستوى الوضع المعيشي والخدمات الأساسية، وبدا واضحاً أن بناء دولة بديلة من الدولة التي حطمها الاحتلال لا يحتل مكاناً في تفكير الطبقة السياسية الحاكمة التي انشغلت بمشاريع الفساد التي التهمت الجزء الأكبر من إيرادات العراق الهائلة من مبيعات النفط إلتى وصلت أيام حكم نوري المالكي إلى أكثر من مئة مليار دولار.

لقد سبق للنظام السياسي الحالي أن واجه أزمات عديدة على مستوى الحكم. يعضها حُل من طريق الالتفاف على الدستور وتفسير فقراته بطريقة ملتوية والبعض الآخر حُل من خلال التوافق القائم على توسيع دائرة توزيع الحصص بين الأحزاب. غير أن الأزمة الحالية ليست مسبوقة لأنها تتعلق ببنية النظام التي لم تعد قادرة على العمل بسلاسة في ظل الضغوط التي خلقتها المطالب الشعبية المتزايدة بتحسين الأوضاع المعيشية والخدمات الأساسية في مجالات الكهرباء والمياه والصرف الصحي ومواجهة انهيار قطاعي التعليم والصحة وتفشي البطالة وارتفاع منسوب الفقر وتداعي المشاريع الزراعية والصناعية. وهو ما يعني أن بنية النظام التي جرى تلفقيها من طريق اللصق العاجل من قبل سلطة الاحتلال لم تعد مؤهلة للبقاء أكثر وأن عصف احتجاجات عام 2019 قد اقتلعها أو على الأقل عراها وكشف عن عيوبها الجوهرية التي لا يمكن إصلاحها من طريق تغيير حكومي، لا يمت رئيس الحكومة فيه بصلة إلى الأحزاب التي فهمت الرسالة الشعبية غير أنها أرادت أن تلعب على الوقت في محاولة لتأخير سقوط النظام.

الأزمة الحالية إذاً هي أزمة وجود. وهي أزمة مؤجلة، كان ترحليها من عهد إلى آخر يتم إما من طريق التلويح بإمكان نشوب حرب أهلية أو من طريق برامج إصلاح وهمية يتم الترويج لها إعلامياً ومن ثم يجري التغاضي عنها ولا أحد يسأل في ظل أزمات العملة والكهرباء وماء الشرب والبطالة والغلاء، كما أن الإعلام الرسمي والحزبي المرئي لعب دوراً خطيراً في غسل العقول وتوجيهها في اتجاه الخصومات الحزبية ووقائع الفساد الثانوية.

وهكذا يمكن القول إن النظام السياسي في العراق يواجه استحقاقاً مؤجلا لا يمكن الإفلات منه إلا بطريقة ثورية، يتخلص من طريقها من نقاط ضعغه التي صارت ثقيلة لارتباطها في الوعي الشعبي بالفساد الأكثر انتشاراً والأعمق تأثيراً. وهي محاولة لإنقاذ النظام وليس لإزاحته كما يُخيل إلى البعض. فمقتدى الصدر الذي يقوم بتلك المحاولة، وهو جاد في التخلص من خصومه المباشرين، إنما يوفر لأولئك الخصوم قوارب نجاة للهروب من لحظة مواجهة سقوط النظام التي قد تنتهي بهم إلى السجون.

يفكر الصدر في مصير النظام السياسي الذي هو جزء منه ولا يهمه التفكير في مصير أفراد، كانت علاقته معهم سيئة دائماً. لو فشل الصدر في إقناع خصومه بتلك النقطة الجوهرية فإنه لن يتمكن من إنقاذ النظام الآيل إلى السقوط. ولكن إيران الحريصة على مصالحها في العراق تدرك ذلك جيداً. تلك المصالح لن تُمس في ظل بقاء النظام، وبالأخص إذا تعهد الصدر الإبقاء على “الحشد الشعبي” تحت غطاء تبعيته الصورية للحكومة العراقية. صحيح أن إيران أظهرت حياداً مبالغاً فيه في الأزمة السياسية الحالية غير أنها ستتدخل بطريقة خفيفة حين تأمر أتباعها بالانسحاب الناعم من العملية السياسية وهو ما يضمن استمرار مصالحهم ومصالحها. يومها سيكون خصوم الصدر مضطرين إلى الانسحاب بعد أن اطمأنوا إلى استمرار امتيازاتهم. ولكنه اطمئنان قلق. فمصالح إيران ليست كمصالح الأفراد الذين يمكن الاستغناء عنهم. تلك هي النقطة التي يراهن عليها الصدر.

ليس من المستبعد أن يكون زعماء الأحزاب المناهضين لانفراد الصدر بالحكم أن يرفضوا عرضه التخلي عن مناصبهم ومناصب ممثليهم في الحكومة المقبلة خوفاً على مصائرهم ومصالحهم الواسعة داخل العراق وخارجه، غير أنهم في تلك الحالة سيوسعون من دائرة الأزمة بحيث يتعرض النظام السياسي لما يحاول الصدر منع الوصول إليه.

نقلا عن النهار العربي