اتّخذ “إبراهيم منير”، القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان والمسئول عن التنظيم الدولي للإخوان، قراراً بإحالة العديد من قيادات الإخوان المسلمين للتحقيق معهم بتهم فساد مالي بعد نحو ثلاثة أشهر من قراره بحل المكتب الإداري لجماعة الإخوان في تركيا برئاسة “حلمي الجزار”، وهو المكتب شبه البديل لمكتب الإرشاد، والمسؤول عن شؤون الإخوان الموجودين في تركيا والذين تتجاوز أعدادهم حوالي 20 ألف إخواني، بجانب متابعة بعض الإخوان المقيمين في دول الإقليم.
وجاء قرار “إبراهيم منير” الأخير متزامناً مع تحركات من “محمود حسين” الأمين العام للجماعة وبعض قيادات الإخوان لمحاولة الإطاحة بـ”إبراهيم منير” من منصب القائم بأعمال المرشد. ومن ثم تُثير الأزمة الأخيرة العديد من التساؤلات حول أبعاد الأزمة، وهل يمكن أن يحدث انشقاق إخواني؟.
أبعاد الأزمة
يواجه تنظيم الإخوان علي المستوي الدولي أزمة داخلية محتدمة تجلت أبرز ملامحها فيما يلي:
1- تعيين “إبراهيم منير” قائماً بأعمال المرشد: مع قرار تعيين “إبراهيم منير” قائماً بأعمال مرشد الإخوان المسلمين (سبتمبر 2020)، في أعقاب القبض على “محمود عزت”، أصدر العديد من شباب الجماعة والعديد من قيادات جيل الوسط بالإخوان بياناً رافضاً تولي “إبراهيم منير” مسؤولية مرشد الجماعة، بجانب تحفظ العديد من أفرع جماعة الإخوان المسلمين ببعض دول المنطقة، وهو ما دفع “منير” ومجلس شورى الإخوان لإصدار بيان من لندن ينفي حدوث رفض من قبل شباب الإخوان لتعيين “منير” قائماً بأعمال المرشد.
2- ظهور الأزمة للعلن: في أعقاب تعيين “إبراهيم منير” قائماً بأعمال المرشد، تقدم العديد من أعضاء الجماعة باستقالاتهم تحفظاً على تعيين “إبراهيم منير” قائماً بأعمال مرشد الإخوان، وهو ما أدى إلى قيام “منير” بعزل العديد من القيادات من المستويات التنظيمية للجماعة، وفي مقدمتهم الأمين العام السابق للجماعة “محمود حسين”، بالإضافة إلى انسحاب العديد من شباب الجماعة من الإطار التنظيمي وتأسيسهم مؤسسات مجتمع مدني للعمل من خلالها بدول أوروبا وتركيا بعيداً عن الإطار التنظيمي للإخوان، حيث أكد بعض الشباب المنسحبين أن قرار الانسحاب والبحث عن بدائل للعمل السياسي يأتي بعد “تسويف قيادة التنظيم، وتعطيلها ومماطلتها في تنفيذ المراجعات التي تتناسب مع متطلّبات اليوم”.
3- احتدام الصراع: بدأ الصراع بين مكونات الإخوان يأخذ منحى تصاعدياً مع إعلان القائم بأعمال المرشد العام “إبراهيم منير”، في يونيو 2021، قراراً بحل المكتب الإداري لشؤون التنظيم برئاسة “حلمي الجزار”، وهو المكتب شبه البديل لمكتب الإرشاد والمسؤول عن شؤون الإخوان المتواجدين في تركيا والذين تتجاوز أعدادهم 20 ألف إخواني، بجانب متابعة بعض الإخوان المقيمين في دول الإقليم، وكذلك تأجيل الانتخابات الداخلية التي كان من المزمع إجراؤها خلال أسابيع لاختيار أعضاء مجلس الشورى العام، لمدة ستة أشهر.
4- بوادر الانشقاق: تصاعدت حدة الصراعات الداخلية بالإخوان المسلمين خلال الأيام الماضية، عبر سعي العديد من قيادات الجماعة الإطاحة بـ”إبراهيم منير” القائم بأعمال مرشد الجماعة، كرد فعل على قرار “إبراهيم منير” بحل المكتب الإداري للتنظيم، بجانب تأجيل انتخابات مجلس الشورى العام لمدة 6 أشهر، وعزل “محمود حسين” من منصب الأمين العام للجماعة، وهو ما دفع مجموعة “محمود حسين” للسعي للإطاحة بـ”إبراهيم منير” من منصب المرشد العام عبر جمع توقيعات بتحجيم صلاحيات “منير” بجانب المطالبة بعودة تعيين “محمود حسين” أميناً عاماً للتنظيم، وإعادة تشكيل الهيئة الإدارية العليا وتحديد صلاحياتها، ليخرج “منير” بعد ذلك يطالب مجلس شورى التنظيم بالتحقيق مع العديد من قيادات التنظيم، حيث تم تحويل “عبدالله حامد” و”إبراهيم فوده” و”محمد القصبي” للتحقيق بتهمة السعي للإطاحة بـ”إبراهيم منير” وقيادات التنظيم الدولي، وإحالة “محمود حسين” للتحقيق بتهم مخالفات مالية وفساد، بجانب تهم التحريض على الإطاحة بالمرشد، وهي الاتهامات نفسها التي وُجهت إلى بعض قيادات الإخوان التابعين لمحمود حسين مثل: مدحت الحداد، وهمام يوسف، ومحمد عبدالوهاب، ورجب البنا، وممدوح مبروك، مما أدى إلى احتدام الصراع بشكل غير مسبوق بين قيادات تنظيم الإخوان خلال المرحلة الجارية.
مساران محتملان
يستدعي الصراع الراهن داخل الإخوان مسارين محتملين لمستقبل الجماعة:
1- الانشقاق: يُعتبر مسار الانشقاق هو الأقرب حدوثه خلال المرحلة القادمة داخل الإخوان المسلمين، حيث إن خروج “محمود حسين” والعديد من قيادات التنظيم مع بعض العناصر من جيل الوسط والشباب، يجعل من الانشقاق المحتمل أكبر الانشقاقات الإخوانية تأثيراً في بنية التنظيم خلال السنوات الثماني الأخيرة مقارنة بانشقاق “محمد كمال” (عضو مكتب الإرشاد، ورئيس اللجنة الإدارية العليا) عام 2015.
2- الإطاحة: ويتحقق هذا المسار عبر نجاح مجموعة “محمود حسين” وشباب الإخوان في الإطاحة بـ”إبراهيم منير”، القائم بأعمال المرشد، وهو الاحتمال الأضعف من حيث إمكانية الحدوث نتيجة سيطرة “منير” على مفاصل تنظيم الإخوان الدولي والقدرات المالية للتنظيم، وهو ما يجعل “منير” في مرتبة أقوى في مواجهة جبهة “محمود حسين”.
انعكاسات الصراع
وبصرف النظر عن المسار المستقبلي لتنظيم الإخوان، فإن الصراع الحالي سيؤدي إلى انعكاسات سلبية على التنظيم، وتتبلور هذه الانعكاسات في بُعدين رئيسيين:
1- التبرؤ وفك الارتباط: سينعكس الصراع الدائر داخل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين على أفرع التنظيم بدول المنطقة العربية، حيث من المتوقع إعلان بعض أفرع الإخوان بدول المنطقة فك الارتباط مع التنظيم الدولي للإخوان، والعمل بشكل أكثر استقلالاً لتفادي آثار الصراع على الأوضاع التنظيمية للإخوان ببعض دول المنطقة، وبشكل خاص في دول المغرب العربي.
2- تدشين أذرع جديدة بتسميات مختلفة: في محاولة للالتفاف من قبل بعض عناصر التنظيم، وخصوصاً من أجيال الوسط والشباب، هناك احتمال لقيام بعض الأطراف بتدشين أشكال تنظيمية جديدة بعيدة عن الإخوان المسلمين للمساعدة في الحركة بدول أوروبا وبعض دول الارتكاز للتنظيم في الإقليم.
في المجمل، يأخذ مسار الصراع الدائر داخل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين مستويات تصاعدية من حيث أطراف الصراع ونفوذها داخل البنية التنظيمية، وسيطرة كل طرف على العديد من مكونات التنظيم البشرية والمادية، وهو ما يجعل من الأزمة الجارية بداية انقسام وانشقاق يُعد الأكبر والأكثر تأثيراً خلال السنوات الأخيرة، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على بنية افرع تنظيم الإخوان المسلمين المختلفة بدول المنطقة، خصوصاً أن الصراع الدائر داخل تنظيم الإخوان الدولي يتزامن مع حدوث تراجع شديد في قدرات تنظيم الإخوان بتونس المتمثل في حزب النهضة، وسقوط حزب العدالة والتنمية (الجناح السياسي للإخوان في المغرب).