آلية رئيسية:
دوافع تزايد استخدام واشنطن للعقوبات في أزمات المنطقة

آلية رئيسية:

دوافع تزايد استخدام واشنطن للعقوبات في أزمات المنطقة



تصاعد استخدام إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للعقوبات كآلية لإدارة تفاعلاتها مع التطورات التي تشهدها المنطقة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، حيث استهدفت تلك العقوبات وكلاء وميليشيات مسلحة تعتمد عليها قوى إقليمية في تعزيز دورها المزعزع للاستقرار في المنطقة، فضلاً عن مسئولين سياسيين يقوضون فرص الحل الدبلوماسي للعديد من الأزمات التي تتقدم أجندة الإدارة، ويعرقلون تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين من تلك الأزمات.

توجه مختلف

تختلف استراتيجية العقوبات التي تتبناها إدارة الرئيس جو بايدن عن تلك التي انتهجتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب خلال السنوات الأربع الماضية، حيث عمل بايدن على تجديد الطريقة التي تستخدم بها الولايات المتحدة الإجراءات العقابية بهدف وقف حملات الضغوط القصوى لإدارة ترامب، والتي تدفع، وفقاً للإدارة الحالية، الدول إلى اتخاذ سياسات أكثر تشدداً، وتفرض أزمات إنسانية تستخدمها الدول المفروض عليها عقوبات أمريكية لاستقطاب دعم شعبي لسياساتها.

وتأتي هذه العقوبات الأمريكية ضمن استراتيجية الإدارة التي تُعلى من الجهود الدبلوماسية، والتي تشمل التعاون مع الحلفاء لتسوية الأزمات الإقليمية والدولية، حيث تعمل الإدارة على توسيع نطاق العقوبات التي تستهدف الفساد ومنتهكي حقوق الإنسان حول العالم، باعتبارها أولوية لها، بعد تراجع الاهتمام بها خلال الإدارة الجمهورية السابقة.

أهداف متعددة

تسعى إدارة بايدن عبر توسيع نطاق استخدام آلية العقوبات إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

١- مكافحة عمليات تمويل التنظيمات الإرهابية: على الرغم من انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان بعد عقدين من حرب مُكلِّفة، فإنها لا تزال ملتزمة بمواجهة الإرهاب ومحاربة التنظيمات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، وفي مقدمتها تنظيمى “القاعدة” و”داعش”، والجماعات الإرهابية الأخرى في مختلف أنحاء العالم، من خلال مكافحة تمويلها. واتساقاً مع هذا الهدف، فرضت الإدارة الأمريكية، في ١٦ سبتمبر الجاري، عقوبات على خمسة من أنصار تنظيم “القاعدة” الموجودين في تركيا، والذين قدموا الدعم المالي واللوجستي للتنظيم. ويتوازى ذلك مع العمل الوثيق مع الشركاء والحلفاء لتحديد شبكات الدعم المالي لتنظيم “القاعدة” وكشفها وردعها عن إساءة استخدام النظام المالي العالمي لتوفير عائدات للعمليات الإرهابية.

٢- ممارسة ضغوط أقوى على إيران: مع أن إدارة الرئيس بايدن وجّهت انتقادات لسياسة “الضغوط القصوى” التي تبنتها إدارة الرئيس ترامب ضد إيران لإرغامها على العودة إلى طاولة المفاوضات مجدداً بعد الانسحاب الأحادي الأمريكي من الاتفاق النووي في 8 مايو ٢٠١٨، فإن الإدارة الحالية لجأت إلى خيار العقوبات على إيران ووكلائها في المنطقة مع تعثر المفاوضات غير المباشرة في فيينا في أعقاب فوز إبراهيم رئيسي، وتشكيل حكومة من المحافظين تتبع سياسة أكثر تشدداً فيما يتعلق بالمفاوضات.

ففي هذا السياق، فرضت إدارة بايدن مزيداً من العقوبات على صادرات النفط الإيراني التي تعد أحد المصادر الأساسية لاقتصاد الدولة. ففي 13 أغسطس الفائت، فرضت وزارة الخزانة عقوبات على سمسار وأربع شركات وسفينة بتهمة التورط في شبكة دولية لتهريب النفط لدعم “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري. كما أعلنت الوزارة، في 4 سبتمبر الجاري، عن فرض عقوبات على شبكة استخبارات إيرانية متورطة في ملاحقة معارضين إيرانيين في الخارج، حيث اتهمت بمحاولة اختطاف الناشطة الأمريكية من أصل إيراني مسيح علي نجاد.

٣- تحجيم قوة وكلاء طهران بالمنطقة: كثيراً ما تتعرض إدارة بايدن لانتقادات بأنها تتغافل عن دعم إيران لوكلائها والميليشيات المسلحة التابعة لها، والتي تعزز من دورها الإقليمي المزعزع للاستقرار والأمن في المنطقة، مقابل التركيز على عودة طهران إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لعام ٢٠١٥، لكن الإدارة الأمريكية فرضت المزيد من العقوبات على هذه الأطراف خلال الأشهر الماضية. ففي ١٧ سبتمبر الجاري، فُرضت عقوبات جديدة على أعضاء شبكة مالية تعمل على تمويل حزب الله اللبناني و”فيلق القدس” الإيراني. ويشير بيان للإدارة الأمريكية إلى أن حزب الله يستخدم العائدات الواردة من هذه الشبكات لتمويل الأنشطة الإرهابية وإطالة أمد عدم الاستقرار في لبنان وجميع أنحاء المنطقة.

٤- تعزيز جهود تسوية الأزمة اليمنية: في إطار اهتمام الإدارة الأمريكية بحل الأزمة اليمنية، ووقف إطلاق النار، ودفع العمل الدبلوماسي لإنهاء العمليات العسكرية، عينت مبعوثاً خاصا لليمن، تيم ليندركينج، ولكن مع رفض حركة المتمردين الحوثيين دعم جهود التسوية، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية، في ١٠ يونيو الماضي، عقوبات على شبكة دولية تقدم الدعم المالي للحركة بالتعاون مع كبار المسئولين في “فيلق القدس”.

وتأتي تلك العقوبات بهدف ممارسة ضغوط على الحركة لوقف إطلاق النار واستئناف المحادثات السياسية التي تساعد على توفير الإغاثة العاجلة التي يحتاجها الشعب اليمني، حيث ترى الإدارة الأمريكية أن احتواء الأزمة الإنسانية في اليمن لا يمكن تحقيقه إلا عبر الوصول إلى اتفاق سلام بين أطراف الصراع.

٥- تأكيد الاهتمام بتطورات الصراع السوري: أبدت الإدارة الأمريكية اهتماماً ملحوظاً بالأزمة السورية، على نحو انعكس في استمرار العمليات العسكرية الأمريكية في سوريا، ومواصلة الدعم وتقديم الاستشارات لميليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، حليف واشنطن في مواجهة تنظيم “داعش”. وتطبيقاً لقانون قيصر الذي وافق عليه الكونجرس منذ عامين، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، في ٢٨ يوليو الماضي، عقوبات على ثمانية سجون سورية تديرها أجهزة الاستخبارات التابعة لنظام الأسد، وعلى خمسة من كبار المسئولين الأمنيين في مؤسسات النظام التي تديرها. كما فرضت عقوبات على جماعة “أحرار الشرقية” المسلحة السورية، التي تعمل في شمال سوريا، لارتكابها انتهاكات ضد المدنيين، وكذلك على اثنين من قادة تلك الجماعة، وعلى “سرايا العرين” التابعة للجيش السوري.

٦- محاولة إنهاء الأزمة الإنسانية الإثيوبية: سعت الإدارة الأمريكية إلى احتواء الأزمة الإنسانية في إثيوبيا، حيث تسبب تصاعد القتال بين القوات الإثيوبية المدعومة من القوات الإريترية في إقليم تيجراي، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وبات أكثر من خمسة ملايين شخص في حاجة ماسة إلى المساعدة وفقاً لبيان لوزارة الخارجية الأمريكية، من بينهم أكثر من ٩٠٠ ألف يعيشون في ظروف مجاعة. وقد كانت مهمة إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار عن طريق التفاوض أولى مهام المبعوث الأمريكي لمنطقة القرن الإفريقي، جيفري فيلتمان.

ومع فشل الجهود الأمريكية في إنهاء الأزمة الإنسانية في إثيوبيا، نتيجة تعنت أطراف الصراع، وتوالي أعمال العنف والانتهاكات ضد المدنيين، وقّع الرئيس بايدن، في ١٧ سبتمبر الجاري، على أمر تنفيذي لإنشاء نظام عقوبات جديد، يتضمن فرض عقوبات مالية على الأفراد والكيانات الإثيوبية المرتبطة بالنزاع في إقليم تيجراي، بما في ذلك المسئولين عن تهديد السلام والاستقرار أو عرقلة وصول المساعدات الإنسانية أو التقدم نحو وقف إطلاق النار أو ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

في الختام، يمكن القول إن استناد واشنطن إلى آلية العقوبات يبدو أنه سوف يتزايد في المرحلة القادمة، باعتبار أنه ربما يكون الخيار الأكثر ملاءمة، لاسيما في ظل انشغال الإدارة الأمريكية بمتابعة المعطيات الجديدة التي فرضتها عملية الانسحاب العسكري من أفغانستان، والتطورات التي تشهدها العديد من الملفات الإقليمية والدولية التي تحظى باهتمام خاص من جانبها.