وقّع 43 كياناً من قوى “الحرية والتغيير” (الائتلاف الحاكم في السودان)، في 8 سبتمبر 2021، على إعلان سياسي يُمهد لوحدة التحالف بمؤسساته القائمة والتي تضم “المؤتمر العام” و”الهيئة العامة” و”المجلس المركزي” و”المكتب القيادي”، يهدف إلى إصلاح الحرية والتغيير وصولاً إلى دولة مدنية ديمقراطية، وإنجاح الفترة الانتقالية، والوصول إلى انتخابات حرة، وذلك بحضور أعضاء في مجلس السيادة الوطني ورئيس الوزراء “عبدالله حمدوك”.
تحديات هامة
جاء توقيع القوى السياسية والحزبية المكونة لقوى “إعلان الحرية والتغيير”، على الإعلان السياسي الذي تضمن إعلان مجلس مركزي جديد يكون التمثيل فيه من خلال القوى السياسية الموقّعة على إعلان الحرية والتغيير في بداية الثورة، ولكن هذه المرة كأحزاب وحركات وليس ككتل سياسية، كما كان الأمر من قبل، خاصة وأن التوقيع عليه جاء في الوقت الذي يواجه فيه النظام السياسي الانتقالي حالةً من عدم الاستقرار على كافة المستويات، ومن ذلك ما يلي:
– طرح رئيس الحكومة الانتقالية “عبدالله حمدوك” مبادرة لإصلاح الحياة السياسية في البلاد، والتي دعت كافة الأحزاب والقوى السياسية -وعلى رأسها قوى الحرية والتغيير- للعمل على تعديل البلاد أوضاعها وتجاوز خلافاتها بما يُسهم في دعم الاستقرار السياسي في البلاد.
– انفلات أمني واسع النطاق في عددٍ من الولايات السودانية، ولا سيما في العاصمة الخرطوم، وإعلان السلطات الأمنية انتشار 3 آلاف عسكري لحفظ الأمن في الخرطوم، إلى جانب تصاعد الخلافات والصراعات القبلية في ولاية البحر الأحمر شرق السودان.
ردود متباينة
أثار الإعلان السياسي الجديد الذي وقّعت عليه مكونات تحالف قوى الحرية والتغيير ردود فعل متباينة، وخاصة بين الأحزاب والقوى السياسية المكونة لهذا التحالف، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- تطوير إيجابي: حيث رأى فريق تزعمه حزب “الوطني الاتحادي الموحد” أن الإعلان السياسي الجديد يعد تطويراً للإعلان السياسي الذي تم توقيعه في عام 2019، ومن مؤشرات ذلك:
– تأييد رئيس الوزراء السوداني “عبدالله حمدوك” لذلك، وتأكيده أن توقيع الإعلان السياسي لوحدة “قوى الحرية والتغيير” خطوة في الاتجاه الصحيح.
– أن الإعلان السياسي القديم الموقّع في عام 2019 كان بمثابة تحالف لإسقاط النظام السابق، في حين أن الإعلان الجديد جاء بمثابة برنامج ضم عشرات القضايا التي تمثل أهداف الثورة، خاصة وأنه نص على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في أبريل 2024، والعمل مع المكون العسكري لإحداث التحول الديمقراطي، وإكمال مؤسسات الفترة الانتقالية، ودعم لجنة إزالة التمكين، وانتهاج سياسة خارجية متوازنة، وإنصاف النازحين واللاجئين.
– إعلان حزب الأمة القومي (أحد مكونات تحالف قوى الحرية والتغيير) عودته للتحالف بعد أن اتخذ قراراً من قبل بتجميد عضويته فيه اعتراضاً على آلية اتخاذ القرارات داخل المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير في ظل سيطرة أحزاب “التجمع الاتحادي” و”المؤتمر السوداني” و”البعث العربي الاشتراكي” على المجلس، وما أدى إليه ذلك من تصاعد حدة الانقسامات والخلافات التي أصابت هياكل التحالف بسبب انشقاق بعض القوى المؤثرة، مثل تجمع المهنيين السودانيين، وخروج الحزب الشيوعي أيضاً.
2- خطاب إنشائي: في المقابل، رأى فريق آخر أن الإعلان السياسي الجديد ليست له قيمة حقيقية، وذلك استناداً إلى الآتي:
– إعلان 21 فصيلاً وكياناً سياسياً من مكونات قوى الحرية والتغيير رفضه للإعلان السياسي المعلن عنه، ومن أبرز الرافضين “الحزب الشيوعي السوداني” الذي يتخذ موقفاً بعيداً عن جناحي الحرية والتغيير بعد أن أعلن انسحابه من الائتلاف الحاكم والحكومة، واختار انضمامه لصفوف المعارضة، وإعلان الحزب الشيوعي أن هذا الإعلان غير قادر على جلب المعارضين وقوى الثورة الحية، وأنه مجرد محاولة من المجلس المركزي للحرية والتغيير الذي لا يمثل أكثر من واحد على 10 من قوى الثورة للحصول على ما أطلق عليه “قبلة حياة” بعد أن سحب مجلس الشركاء كل نفوذ التحالف.
– وصف بعض الكيانات الموقّعة وبعض أعضاء “اللجنة الفنية لإصلاح قوى الحرية والتغيير” هذا الإعلان السياسي بـ”المشوه”، وبرروا ذلك بأن الإعلان استثنى بعض شركاء السلام (حركة العدل والمساواة برئاسة “جبريل إبراهيم” وزير المالية الحالي – حركة تحرير السودان برئاسة “مني أركو مناوي” والي إقليم دارفور”) الممثلين في الحكومة الانتقالية خارج الحاضنة السياسية لقوى الحرية والتغيير.
– غياب الآليات التنفيذية والجداول الزمنية لقضايا مهمة كتشكيل المجلس التشريعي (البرلمان).
أهداف محددة
يمكن تفسير التوقيع على الإعلان السياسي الجديد لقوى إعلان الحرية والتغيير في الوقت الراهن، من خلال مجموعة من العوامل، ومن أهمها ما يلي:
1- تطوير الأداء السياسي “الضعيف”: إذ لجأت قوى الحرية والتغيير إلى توقيع هذا الإعلان السياسي بهدف تطوير أدائها السياسي الذي شابه العديد من نقاط الضعف خلال الفترة الأخيرة، وكثرة الانتقادات الموجهة لهذه القوى بإدارة العملية السياسية بعقلية الناشطين السياسيين وليس بعقلية الأحزاب السياسية التي لها خبرة كبيرة في العمل السياسي، وهو ما دفع الأحزاب والقوى السياسية المكونة لها إلى تدارك أخطاء الماضي، خاصة بعد انضمام ممثلي الحركات والجماعات المسلحة المنضوية تحت اسم الجبهة الثورية (الموقعة على الاتفاق النهائي للسلام في أكتوبر 2020 مع الحكومة الانتقالية)، والتي أصبحت جزءاً من السلطة الانتقالية، وفي ظل اختلاف التوجهات والرؤى بين هذه المكونات جميعاً كان لزاماً إعادة هيكلة قوى الحرية والتغيير بما يتماشى مع التغيرات التي طرأت عليها خلال العام الماضي، وبما يعزز من أدائها على المستوى السياسي خلال الفترة القادمة.
2- استكمال مؤسسات السلطة الانتقالية: منذ التوقيع على الإعلان السياسي بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري في 17 أغسطس 2019، لم ينجح تحالف قوى الحرية والتغيير في حسم بعض الأمور والقضايا السياسية العالقة التي لها أهمية كبيرة في دعم تجربة الحكم الانتقالي، وخاصة فيما يتعلق باستكمال بناء مؤسسات الدولة الدستورية، وعلى رأسها تشكيل المجلس التشريعي الذي لم يتم حسمه حتى الآن، وأيضاً المحكمة الدستورية ومجلس القضاء العالي ومجلس النيابة العامة، بالإضافة إلى عدم حسم اختيارات ولاة الولايات، ومن المتوقع أن تُسهم هذه التغييرات الهيكلية في تقديم الدعم السياسي اللازم لمؤسسات الحكم الانتقالي، وتحقيق مصير آمن لتجربة الحكم الانتقالي في البلاد، حيث تم الاتفاق على تسليم السلطة بعد نهاية المرحلة الانتقالية لحكومة منتخبة.
3- مواجهة مخططات الثورة المضادة: فمنذ إسقاط الثورة الشعبية لنظام الإنقاذ وحتى الآن، تعاني البلاد من مخططات أنصار النظام السابق وتنظيم الحركة الإسلامية الهادفة للانقلاب على نظام الحكم والعودة للسلطة مرة أخرى، وقد ساعدها على ذلك هشاشة الأداء السياسي لقوى الحرية والتغيير خلال تلك الفترة الزمنية، وذلك رغم الإجراءات العديدة التي اتخذتها الحكومة الانتقالية لإزالة التمكين وتفكيك النظام السابق الذي يتغلغل عناصره ومؤيدوه داخل مؤسسات الدولة العميقة، ولا سيما داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية. وبالتالي، رأت قوى الحرية والتغيير أهمية توحيد صفوفها في مواجهة مخططات الثورة المضادة لإسقاط الحكومة الانتقالية.
4- خوض الانتخابات المقبلة بصيغة مشتركة: جاءت إعادة هيكلة تحالف قوى الحرية والتغيير على هذ النحو في إطار استعداداتها لخوض عمار الحياة السياسية في مرحلة ما بعد انتهاء الفترة الانتقالية الراهنة، ومن ذلك إعداد الكوادر السياسية من أعضاء الأحزاب والقوى السياسية المكونة لها لخوض الانتخابات التي سيتم إجراؤها في كافة أنحاء البلاد بحلول عام 2024 بـ”صيغة مشتركة” تعبر عن موقف سياسي واحد تهدف إلى مواصلة الإصلاح وبناء الدولة التي تشمل كافة فئات المجتمع السوداني وطوائفه، وفق مشروع وطني متفق عليه يتضمن معايير مؤسسية يتم من خلالها صياغة برامج محددة للأحزاب السياسية المنضوية تحت مظلة قوى الحرية والتغيير، تتضمن حلولاً فاعلة للأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية المتفاقمة التي يعاني منها المجتمع السوداني في الوقت الراهن والمرشحة للاستمرار على المدى المتوسط والبعيد إذا لم يتم وضع سياسات وإجراءات فاعلة لحلها.
إدراك الهشاشة
خلاصة القول، تأتي عملية إعادة هيكلة قوى الحرية والتغيير في هذا التوقيت لتعكس إدراك هذه القوى للأداء الذي اتسم بالضعف والهشاشة للائتلاف الحاكم خلال الفترة الماضية، وانعكاس ذلك سلباً على قدرة النظام السياسي الحالي على مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية بالغة الأهمية التي تهدد استقرار البلاد، وما لهذه التحديات من تداعيات قد تؤدي إلى فشل تجربة الحكم الانتقالي الحالي، وفشل المرحلة الانتقالية برمتها. وبالتالي، يمكن القول إن الإعلان السياسي الجديد جاء استجابة لمبادرة رئيس الوزراء “حمدوك” الذي دعا فيها الحاضنة السياسية لحكومته إلى توحيد صفوفها وتجاوز خلافاتها البينية من أجل تقديم الدعم السياسي اللازم لإنجاح فترة الحكم الانتقالي الحالي.