مع قرب موعد إجراء الانتخابات في شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، تزداد، في الآونة الأخيرة، ضبابية الصورة وقتامتها حول ما يجري على الخشبة السياسة الليبية وما يدور في عتم كواليسها. فالحديث عن قرب موعد إجراء الانتخابات، كما حددته لجنة الحوار السياسي الليبي بإشراف بعثة الأمم المتحدة، ما زال يتأرجح كبندول في الهواء؛ إذ لم يتم، حتى هذه الساعة، الاتفاق على القاعدة الدستورية، التي وفقاً لبنودها، سيتم إجراء الانتخابات، بمستوييها النيابي والرئاسي، رغم كل الجهود المبذولة من بعثة الأمم المتحدة، والسفير الأميركي ريتشارد نورلاند. ويتواتر كلام، معجون بلغط وتكهنات ومقترحات، بإمكانية إنشاء غرفة تشريعية ثانية منتخبة، يكون مقرها العاصمة طرابلس، بغرض خلق نوع من توازن جهوي وإقليمي؛ خشية انفراد مدينة أو جهة بالبرلمان وسيطرتها على الآلية التشريعية.
ورغم كثرة الحديث عن شروط الترشح للمنصب الرئاسي، فإنه إلى حد الآن، لم تتفق الأطراف المتحكمة في اللعبة؛ نظراً لانعدام الثقة، من الوصول إلى اتفاق حول الشروط الواجبة في المترشحين. وعلى سبيل المثال، هل يحق قبول طلب ترشح شخص عسكري لمنصب الرئيس من دون أن يقدم استقالته؟ وهل يجوز له أو لغيره الرجوع إلى منصبه السابق في حالة فشله في الانتخاب؟ أضف إلى ذلك، الموانع والعقبات التي تصمم بكيدية كل يوم لمنع شخصيات بعينها، توصف بالخلافية، من الترشح، وجهوداً أخرى تبذل لوضع مواصفات تناسب مقاسات مرشحين معينين. وكل ذلك، يجري بشكل متوازٍ مع تنافس محموم على النفوذ والتأثير على مجرى الأحداث بين رئاسة البرلمان ورئاسة مجلس سيادة الدولة الاستشاري. وهذا، إلى جانب العداء الذي خرج للعلن بين البرلمان من جانب وحكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي من جانب آخر، مضافاً إليه، ما تسرب من أخبار، حول التعدي في استخدام الصلاحيات بين رئاسة المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة. وعلى سبيل المثال، الإشكالية حول تعيين السفراء، ولجوء رئاسة المجلس الرئاسي للقضاء لإثبات أحقيتها بها. وواقعياً، فإن حكومة السيد عبد الحميد الدبيبة، مثل حكومة السيد السراج السابقة، لا سلطات لديها على ما يحدث في شرق البلاد وجنوبها. وفي الأيام القليلة الماضية، تحدثت الأخبار عن منع قوة عسكرية طائرة رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي من الهبوط في مطار مدينة سبها، واضطرتها إلى الرجوع. الرسالة من المنع بدت واضحة. وهي أن الجنوب خارج نطاق صلاحيات المجلس الرئاسي والحكومة. ناهيك عن الإشكالات التي يخلقها رئيس مجلس الدولة السيادي، وهو مجلس استشاري، بتجاوزه لاختصاصاته، والزج بالمجلس في أمور تقع ضمن اختصاصات السلطة التنفيذية، مثل إصراره على مواصلة انتقاده ما حدث في الجارة تونس، في موقف مناقض لموقف الحكومة المعلن؛ الأمر الذي قد يسبب إرباكاً للعلاقة بين البلدين الجارين.
الحملات الانتخابية، سواء على المستوى البرلماني أو الرئاسي، بدأت فعلياً. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي الليبية، صرنا نتابع حملات دعائية لمترشحين من كل الجهات. إلا أن المترشحين للمنصب الرئاسي من الشخصيات المعروفة والمتنفذة والمتصارعة، لم يظهروا بعد على السطح، ولم يعلنوا بعد عن ترشحهم.. لكنهم واقعياً بدأوا حملاتهم الانتخابية وبشكل مغلف وغير معلن. ونظراً لغياب الشفافية؛ فلا أحد يعلم، على وجه التحديد، ما الذي يجري وراء الكواليس في عواصم عربية وأوروبية، وهل سيتم وصول الأطراف الخارجية المتورطة في الصراع الليبي إلى توافق؟ وكذلك لا أحد يدري على أي جهة تقف الجماعات المسلحة، وهل لدى قادتها استعداد لقبول نتائج الانتخابات، وما يترتب عليها مستقبلاً من ترتيبات تقتضي بالضرورة حل تلك الجماعات، وتسليم أسلحتها. في الأسبوع الأخير، عادت الاشتباكات إلى شوارع العاصمة طرابلس بين مختلف الجماعات المسلحة؛ آخرها كان في مقر الرقابة الإدارية في وسط العاصمة، نتيجة خلاف على أحقية من يتولى قيادتها. الضبابية التي تستحوذ على المشهد الليبي ليست جديدة، لكنها تزداد مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي قتامة، وتشير، إلى حد ما، إلى أن الاستحقاق الانتخابي قد لا يرى النور مطلقاً، والسبب هو أن كل الجهات المتصارعة والمتنافسة على السلطة والثروة، رغم تصريحاتها العلنية المؤيدة لعقد الانتخابات، فإنها يبدو أنها متفقة على عدم انعقادها؛ لأنها تشكل تهديداً فعلياً لمصالحها، ونهاية محتومة لا ريب تؤذن بخروجها نهائياً من المسرح. وفي الحقيقة، ومن وجهة نظر شخصية، فإن انعقاد الانتخابات من عدمه، لن يحل الإشكاليات العديدة التي ترزح تحتها ليبيا، وتحول بينها وبين الاستقرار، ما لم يتم الوصول إلى وفاق واتفاق بين الأطراف المتنافسة محلياً وخارجياً. وتجربة الأشهر القليلة الماضية ممثلة في حكم المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية الجديدين تثبت ذلك؛ لأن السلطة واقعياً، في مسارات الواقع الليبي اليومي، ما زالت في قبضة من يملكون السلاح، ومن يقف وراءهم بالدعم السياسي والمالي خارج الحدود.
نقلا عن الشرق الاوسط