شهد الداخل الليبي تصعيدًا في عدد عمليات تنظيم داعش خلال الأشهر الثلاثة الماضية بعد مرحلة من تراجع العمليات الإرهابية خلال النصف الأول من العام الجاري 2021، حيث تمكن التنظيم يوم 22 أغسطس الجاري، من تنفيذ عملية إرهابية ضد قوات الجيش الوطني الليبي بمنطقة (زلة) جنوب شرق ليبيا عبر سيارة مفخخة، وهي العملية الإرهابية الثالثة للتنظيم منذ شهر يونيو الفائت، حيث بدأت سلسلة العمليات الإرهابية لتنظيم داعش مع تنفيذ عملية إرهابية في 6 يونيو 2021، في مدينة سبها بجنوب غرب ليبيا، عبر عملية تفجير انتحاري استهدف نقطة ارتكازي أمني، مما أدى إلى مقتل 4 ضباط، تبعتها عملية إرهابية ثانية وقعت في 14 يونيو الفائت. هذا التصعيد المفاجئ لتنظيم داعش في ليبيا يطرح العديد من التساؤلات حول أسباب تصاعد العمليات الإرهابية لتنظيم داعش في الداخل الليبي خلال المرحلة الجارية.
أهداف متعددة
يرتبط هذا التصاعد في نشاط تنظيم داعش في ليبيا بعددٍ من الأهداف الرئيسية المتمثلة فيما يلي:
1- محاولة التأثير على المسار السياسي والأمني: يتزامن تصعيد تنظيم داعش لعملياته الإرهابية منذ شهر يونيو الفائت، مع اقتراب الدولة الليبية من إجراء الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في 24 ديسمبر 2021، والتي جاءت على إثر التوافق بين أطراف الصراع (الغرب والشرق الليبي)، وهو ما دفع مسار عملية السلام في ليبيا إلى الأمام، مما يجعل من العملية الإرهابية الأخيرة لتنظيم داعش رسالة لإثبات التواجد والنفوذ على الرغم من عملية توحيد الجهود والتعاون بين أطراف الصراع الليبي.
2- ضم ليبيا إلى فرع التنظيم في الساحل الإفريقي: تأتي العمليات الإرهابية الأخيرة لتنظيم داعش في ليبيا بعد سلسلة من العمليات الإرهابية الكبرى لتنظيم داعش في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، حيث يسعى تنظيم داعش من إعادة النشاط في ليبيا إلى ضم داعش ليبيا إلى فرع التنظيم في الساحل الإفريقي الذي يبدأ من ليبيا مرورًا بدول تشاد والنيجر ومالي وصولًا إلى موريتانيا، والاستفادة من حرية الانتقال، إذ تُعتبر الحدود بين ليبيا ودول الجوار الإفريقي، وبشكل خاص في الجنوب والغرب الليبي، حدودًا هشّة تساعد على حرية الانتقال لعناصر وأفراد تنظيم داعش للانتقال عبر حدود دول الجوار الليبي. بجانب قرب فرع تنظيم داعش في ليبيا من تمركز تنظيم داعش في غرب إفريقيا الذي يُعتبر واحدًا من أقوى أفرع تنظيم داعش في الإقليم، مما يجعل من هذه المنطقة منطقة نفوذ لداعش.
ويُلاحَظ -في هذا الصدد- أنه مع توقف العمليات الإرهابية للتنظيمات التابعة لتنظيم القاعدة (القاعدة في بلاد المغرب، نصرة الإسلام والمسلمين)، أصبحت ساحة العمل التكفيري في منطقة الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء مهيأة للاستحواذ الداعشي عليها، وخصوصًا مع تنامي عمليات التنظيم خلال العام الجاري عبر فرع التنظيم في غرب إفريقيا، وهي العمليات التي وصلت إلى ما يقرب من (350) عملية إرهابية في الفترة من يناير – أغسطس 2021.
3- إنهاء نفوذ تنظيم القاعدة: يأتي التصعيد الداعشي في ليبيا خلال المرحلة الجارية بعد نجاح تنظيم داعش في قتل “أبو بكر شيكاو”، زعيم تنظيم بوكو حرام، وهي العملية التي أجبرت ما تبقى من تنظيم “بوكو حرام” على بث فيديو يُعلن التهدئة مع تنظيم داعش، حيث يسعى تنظيم داعش إلى اقتناص زعامة الحركات التكفيرية، وخصوصًا من تنظيم القاعدة المنافس القوي في شمال إفريقيا، خاصةً وأن الفئة المستهدفة للتنظيمين القاعدة وداعش متشابكة بشكل كبير، وكذلك في ظل التقارب الأيديولوجي بينهما وتقارب الخطوط العامة في خطابهما الديني.
4- إعادة فرض السيطرة: يسعى تنظيم داعش من إعادة توسيع نشاط العمليات الإرهابية في الداخل الليبي إلى محاولة فرض السيطرة على بعض المناطق الجغرافية التي افتقدها التنظيم بعد نجاح الجيش الوطني الليبي في السيطرة عليها بالوسط الليبي، وبشكل خاص منطقة سبها والفقهاء، وهو ما دفع التنظيم لمحاولة استرجاع تلك المناطق الجغرافية التي تُعتبر استراتيجية بالنسبة لتنظيم داعش.
5- رسائل لفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية: يطمح تنظيم داعش من إعادة النشاط في الساحة الليبية إلى توجيه رسائل للمجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية بأن تنظيم داعش متواجد في الداخل الليبي، وأنه جزء أساسي في صياغة مشهد الصراع على الرغم من تصعيد الحرب على التنظيم من قبل قوات “برخان” العسكرية لمكافحة الإرهاب في الساحل والصحراء الإفريقية.
6- استغلال الانسحاب الأمريكي: تتزامن العمليات الإرهابية الأخيرة لتنظيم داعش في ليبيا مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن إعادة ترتيب الأوضاع العسكرية الأمريكية من حيث انتشار القوات العسكرية بالإقليم، وهو ما دفع أفرع التنظيم المختلفة، ومنها فرع تنظيم داعش في ليبيا، إلى تكثيف عملياته الإرهابية كنوع من استغلال حالة الارتباك بالمنطقة جراء تخفيض القوات العسكرية المشتركة في مكافحة الإرهاب.
7- اكتساب مقاتلين جدد: يُعتبر عنصر استقطاب عناصر جديدة إلى تنظيم داعش من أهم أولويات التنظيم خلال المرحلة الجارية نتيجة ضعف العناصر المنضمة خلال المرحلة التي أعقبت سقوط الباغوز (مارس 2019)، ومقتل “أبو بكر البغدادي” في أكتوبر 2019. ومن ثم تُعتبر البيئة الليبية المحلية بوضعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي إحدى أهم البيئات الجاذبة للعناصر المتطرفة والإرهابية، وتعتبر من أهم الساحات المفرزة لعناصر متطرفة.
إعادة تموضع
في المجمل؛ يسعى تنظيم داعش عبر إعادة النشاط والتموضع والسيطرة داخل الساحة الليبية خلال المرحلة الجارية لإرسال بعض الرسائل السياسية للغرب ودول المنطقة، بجانب إثبات التواجد والنفوذ، ومحاولة خلق مناطق تمركز للتنظيم، وخلق محور لداعش بمنطقة الساحل والصحراء الإفريقية، بجانب سعي التنظيم في ليبيا إلى تقليل الضغط على فرع التنظيم المركزي في سوريا والعراق، والاستفادة من ضعف بنية الدولة الليبية وتنوع مصادر الصراع وهشاشة الحدود مع الجوار الغربي والجنوبي، وهو ما يُنذر باحتمالية تصاعد نفوذ وقوة تنظيم داعش بالداخل الليبي، وبشكل خاصٍ في جنوب ووسط ليبيا خلال المرحلة المقبلة.