عندما تكتفي الولايات المتحدة بالقول إنها «قلقة» فقط من تصرفات إيران ودعمها للإرهاب، فإن هذا يعني أنه تشجيع لدولة الولي الفقيه لتتمادى كثيراً في التدخل في الشؤون الداخلية لهذه المنطقة، وأنها لا تكتفي باحتلالها السافر لأجزاء من العراق واحتلالها لبلاد الرافدين ولأجزاء من سوريا وأيضاً أجزاء من اليمن، الذي لم يعد سعيداً، وبالطبع للبنان كله على اعتبار أن «حزب الله» الإيراني وليس اللبناني يسيطر على بلاد الأرز كلها حتى بما في ذلك المناطق «السنية» و«المارونية» وأيضاً «الدرزية»!!
كان يجب وضع حد لكل هذا «التوغل» الإيراني في هذا البلد العربي الذي اتخذ ولا يزال يتخذُ الطابع الإلحاقي والاحتلالي في العديد من الدول العربية، وكما عليه واقع الحال في العراق، الذي يشكل «الحشد الشعبي» فيه جيشاً إيرانياً يتفوق على الجيش العراقي، حيث إن قائده فالح الفياض قد قال في لقاءٍ مع قائد «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي: نحن فخورون بنموذج «الحرس الثوري» وبخصائص الثورة الإسلامية، وأيضاً في سوريا وفي جزء رئيسي من اليمن وبالطبع في لبنان، حيث يقول البعض، وفي بعض دول أفريقيا العربية.
إن هذه مسألة باتت واضحة، وإن هذا أمر إنْ لم يتم التصدي له فعلياً وعملياً فإن ما لم يستطع الشاه محمد رضا بهلوي تحقيق ما كان يسعى إليه في هذا المجال فإن الثورة الخمينية، التي على رأسها حالياً الولي الفقيه علي خامنئي، قد سعت ولا تزال تسعى لتحقيق ما لم يتم تحقيقه في هذا المجال، ومع التأكيد على أن مرشد الثورة الإيرانية الحالي ليس فارسياً، وأنه «آذاريٌ» والبعض يقول إنه من أصولٍ عربية، وأنه، بحسب ما يزعم ويدعي، من آل البيت وأن والده جواد خامنئي من أبرز علماء «مشهد»، وذلك في حين أن جده حسين خامنئي من علماء أذربيجان في النجف وأنه يصل بانتسابه، كما يقال، إلى علي الأصغر بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب…!!
والمشكلة هنا هي أنه لا يوجد من يخلف خامنئي إن هو تنحى عن موقعه هذا أو توفي، والأعمار بيد الله، فأغلب الظن أن الذي سيحل محله هو الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، الذي يقال إنه لا إجماع عليه، وإن هذا العقد الذي كان بدأه الخميني في عام 1979 سينفرط بالتأكيد، وإن هذه الثورة سوف تنتهي كما انتهى النظام الشاهنشاهي، وحقيقة أن هناك من يؤكد أن هذا «العقد» سينفرط لا محالة، وأن الأمور قد تعود إلى فترات سابقة!!
والمعروف أن الحرب العراقية – الإيرانية التي استمرت ثمانية أعوام قد انتصر فيها العراق في عهد صدام حسين، وأن الإيرانيين ما لبثوا أن اختاروا مواجهة غير تلك المواجهة، حيث قد انتهى الرئيس العراقي إلى حبل المشنقة بترتيبٍ أميركي، وانتهت فيها الأمور في بلاد الرافدين إلى هذا الذي انتهت إليه، فحزب البعث قد أُزيح نهائياً والحكم في هذا البلد العربي بات في أيدي ثلاثة من الأكراد العراقيين: الأول هو الرئيس برهم صالح، والثاني رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والثالث وزير الخارجية فؤاد حسين، وهنا فإنه لا اعتراض على هذا على الإطلاق، وإن جميع هؤلاء عراقيون ومن حقهم أن يتبوأوا هذه المواقع التي تبوأوها في بلد هو بلدهم وبلد آبائهم وأجدادهم الذين كانوا قد قدموا من أجله العديد من قوافل الشهداء ومثلهم مثل أشقائهم العرب… وغيرهم!!
وحقيقة هنا يجب قول الحقيقة حتى وإنْ كانت مُرة وبطعم العلقم، إن هذا البلد لم يعد عربياً وإن السيطرة عليه باتت في أيدي الإيرانيين، وهذا يجب أن يقال لأنه هو الصحيح والصحيح هو أن إيران هذه، التي كانت خمينية وأصبحت خامنئية وأصبح رئيسها هو إبراهيم رئيسي هذا الذي يصفه الإيرانيون بغالبيتهم بأنه مجرمٌ وقاتلٌ، باتت تحتل احتلالاً عسكرياً وأمنياً وسياسياً أربع دول عربية هي: العراق وسوريا وبالطبع ولبنان وجزء من اليمن الذي لم يعد سعيداً، والواضح هنا هو أن دولة الولي الفقيه ماضية في هذا الاتجاه، وأنها عندما خسرت حرب الأعوام الثمانية مع العراق قد لجأت إلى أسلوب التمدد المذهبي في الدول العربية التي يشكل فيها أتباع المذهب «الشيعي» رقماً أساسياً، وهنا فإن ما تجدر الإشارة إليه هو أن غالبية الشيعة العراقيين قد أداروا ظهورهم لما كانت ولا تزال تسعى إليه إيران، وأنهم قد تمسكوا بعروبتهم وأن بلدهم جزء أساسي ورئيسي من الاعالم العربي.
لكن ومع ذلك ومع أن «شيعة» العراق بغالبيتهم قد أداروا ظهورهم لما تريده إيران، فإن دولة الولي الفقيه قد واصلت محاولات اختراق بلاد الرافدين طائفياً. وبعدما أصبح لها جيش داخل الجيش العراقي، هو «الحشد الشعبي» بقيادة فالح الفياض والذي هو، وخلافاً لكل ما يقال، إنه قوات نظامية وإنه جزء من الجيش العراقي، وذلك مع أنه في حقيقة الأمر ميليشيات مذهبية تتبع لإيران مباشرة، وهذه مسألة باتت واضحة ومعروفة.
ثم وإن ما يؤكد هذا هو أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية قد عبّر، في حديث لإذاعة «بي. بي.سي» البريطانية عن قلق بلاده من أن يتقدم «الحشد الشعبي» الذي هو قوة إيرانية في اتجاه العديد من المناطق العراقية، وإقامة «حزام عسكري» يربط إيران بلبنان، وحقيقة أن هذا قد حصل وأصبح قائماً، وأن الأسماء التي أُعطيت لتشكيلات هذه القوة تدل على حقيقتها مثل: لواء الإمام محمد الجواد وفرقة الإمام علي القتالية وسرايا عاشوراء ولواء كربلاء… وأسماء أخرى متعددة وكثيرة!!
إن المقصود بهذا كله هو أن الهدف «الاستراتيجي» لإيران هو اختراق العالم العربي طائفياً ومذهبياً، وهو السيطرة على العراق كله بجنوبه ووسطه وشماله والانتقال إلى سوريا وإلى لبنان والوصول إلى اليمن وإلى مضيق هرمز وإلى الخليج العربي وخليج عُمان وبحر العرب والمحيط الهندي، والمعروف هنا أن هذا هو المنفذ البحري الوحيد للعراق والكويت والبحرين وقطر، حيث إن الدولة الإيرانية تطل عليه من الشمال من جهة محافظة بندر عباس، وهنا فإن هذه التسمية «هرمز» قد جاءت نسبة إلى مملكة هرمز القديمة، ولأن هذا كان اسم أحد ملوك بلاد فارس القديمة.
والواضح لا بل المؤكد أن إيران عندما تسعى لكل هذا التمدد «الاستراتيجي» في هذه المنطقة العربية، فإنها تريد استعادة أمجاد فارس القديمة، وإنه لا دافع لها فعلياً لا «الشيعة» ولا «التشيع»، وإنها تريد الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط والسيطرة على جزء من البحر الأحمر والوصول إلى مضيق باب المندب وخليج عدن والسيطرة على مضيق «هرمز» واستعادة ما تعتبره الأمجاد الفارسية القديمة.
وهكذا، وفي النهاية فإنه قد أصبح واضحاً ومؤكداً أن إيران هذه تسعى لاستعادة أمجاد قديمة وأنها تستخدم «التشيع» و«المذهب الشيعي» استخداماً سياسياً، ولذلك فإنها تحول دون أن يحقق «أكراد» العراق بقيادة مسعود بارزاني تطلعهم التاريخي لإقامة دولة كردية عاصمتها أربيل العراقية، لأن هدفها الفعلي هو تحقيق هذه التطلعات آنفة الذكر، ولأنها هي التي وقفت خلف أن تكون واجهة بلاد النهرين هي هذه الواجهة السياسية الكردية: أي برهم صالح رئيساً ومصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء وفؤاد حسين وزيراً للخارجية.
نقلا عن الشرق الاوسط