حركة طالبان عادت لتحكم أفغانستان مرة أخرى، فهل استعدت الدول العربية لهذا الأمر، بكل تبعاته وتداعياته ونتائجه المتوقعة وغير المتوقعة؟!
يقول البعض إنه لا يوجد استعداد لأن انهيار الحكومة الأفغانية، كان سريعا ويشبه الانهيار الفجائى والكاسح، وبالتالى فلا ينبغى أن نحمل البلدان العربية خصوصا الكبرى منها أى مسئولية فى عدم الاستعداد. هذا الفريق يقول إن الدول الكبرى بما فيها دولة الاحتلال نفسها أى أمريكا ومعها بريطانيا وغالبية دول حلف شمال الأطلنطى، لم تكن مستعدة بما فيه الكفاية لهذا التطور، بل ربما تكون قد فوجئت بهذا الانهيار غير المتوقع رغم وجودها على الأرض فى أفغانستان، وبالتالى لا يمكن أن نلوم دولة عربية أو غير عربية على عدم الاستعداد، طالما أن الدول الكبرى نفسها لم تكن مستعدة.
لكن هناك فريقا ثانيا يقول إنه رغم السرعة التى سقطت بها حكومة أفغانستان، فإن علامات السقوط كانت ظاهرة للجميع، وليس فقط للحكومات وأجهزة المعلومات ومراكز البحث والفكر والدراسات المختلفة.
يقول هؤلاء إن كتابات صحفية كثيرة بدأت تتحدث وتتوقع هذا السقوط قبل شهور طويلة، وأن الرئيس الأمريكى جو بايدن قال بوضوح فى حملته الانتخابية قبل نوفمبر الماضى، إنه سيقوم بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان. هذا الفريق يقول أيضا، إنه حتى قبل ذلك فإنه فى اللحظة التى بدأت فيها إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق دونالد ترامب المفاوضات مع حركة طالبان فى العاصمة القطرية الدوحة قبل أكثر من عام، فكان ينبغى على الجميع أن يضع عودة طالبان كاحتمال متوقع، لأن موضوع المفاوضات الأساسية كان يتمحور حول الانسحاب الأمريكى من هناك، وبالتالى، فإن نتيجة هذا الانسحاب العملية كانت تعنى عودة حركة طالبان، خصوصا أنها كانت تسيطر على أجزاء مهمة من البلاد.
يلفت هذا الفريق النظر إلى أن أمريكا اتخذت قرارا استراتيجيا بالانسحاب، حينما أدركت بوضوح أنها تتعرض لحرب استنزاف واضحة فى أفغانستان، وأن أحلامها ببناء دولة ديمقراطية مدنية تعددية فى أفغانستان كما زعمت سابقا، قد ذهبت أدراج الرياح منذ سنوات طويلة، بل إن إدارة بايدن تنفى الآن أنها فكرت فى بناء دولة حديثة هناك، بل كان كل ما يشغل الولايات المتحدة طوال الوقت، هو إضعاف تنظيم القاعدة المتمركز فى أفغانستان وشل حركته، ومنعه من شن هجمات ضد أمريكا والغرب، حتى لا يتكرر سيناريو ١١ سبتمبر ٢٠١١، حينما شن هذا التنظيم هجمات دموية قاتلة ضد برج التجارة الأمريكى فى نيويورك، ووزارة الدفاع «البنتاجون» فى واشنطن، كانت هى الأعنف والأخطر ضد الولايات المتحدة، ربما منذ الهجوم اليابانى الشهر ضد ميناء بيرل هاربور عام 1941. ونتيجة لهجمات ١١ سبتمبر، قامت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا باحتلال كامل أفغانستان فى ٧ أكتوبر ٢٠١١، أى بعد أقل من شهر من هجمات سبتمبر.
أمريكا نصبت حكومة هناك، وأنفقت أكثر من تريليون دولار، وتسبب غزوها فى أكثر من ٣ ملايين قتيل وجريح أفغانى و٢٥٠٠ قتيل أمريكى، لكن النتيجة الأهم أنها فشلت فى شل حركة التنظيمات المتطرفة، لأن تنظيم القاعدة ومعه داعش والعديد من التنظيمات المتطرفة صاروا أكثر وحشية، بل احتلوا نصف العراق، فى ظل وجود الجيش الأمريكى، كما احتلوا نصف سوريا، وشنوا هجمات متفرقة فى العديد من بلدان العالم، بل وفى قلب أوروبا وأفريقيا وآسيا، بل نفذوا هجمات دامية فى أستراليا.
كل هذه التطورات كانت تفرض على الدول العربية الاستعداد لتوقع مجىء هذا اليوم، الذى دخلت فيه طالبان إلى قلب كابول من دون أن تطلق رصاصة واحدة، بعد أن هرب الجميع من أول المتعاملين مع الاحتلال، نهاية بالرئيس أشرف غنى نفسه.
نتمنى أن تكون هناك دراسات وأوراق بحثية عربية بشأن هذه التطورات الدرامية، وإذا لم تكن موجودة فنتمنى أن يتم فورا الشروع فى إنجازها. والأهم أن يكون هناك تنسيق عربى خصوصا بين الدول المهددة من قبل التنظيمات المتطرفة، حتى لا نتفاجأ بتطورات دراماتيكية.
بالطبع هناك سؤال مهم جدا يشغل بال الكثيرين وهو: من المستفيد ومن المتضرر من هذا السقوط الدراماتيكى للحكومة الأفغانية والهزيمة المذلة لأمريكا وصعود طالبان، وهل هناك تأثيرات لهذه التطورات على البلدان العربية والإسلامية؟!
سؤال كبير وواسع ويحتاج إلى نقاش موضوعى لاحق.
نقلا عن جريدة الشروق