هل تنتهى الحروب الأبدية؟! – الحائط العربي
هل تنتهى الحروب الأبدية؟!

هل تنتهى الحروب الأبدية؟!



وصف الرئيس الأمريكى جو بايدن الحرب الأمريكية (الأطلنطية أيضًا) فى أفغانستان بأنها «أبدية» (The Forever War) لأنها استمرت عشرين عامًا دون نتيجة ودون اقتراب من نهاية. ولأن «الأبد» لا يمكن تحديده زمنيًا، إلا أنه وصف كافٍ لتلك التطورات التى لا توجد نهاية لها، فضلًا عن التكلفة المتصاعدة دومًا دون سقف أو عائد. ولعل ذلك الوصف يشير إلى أن الاستفادة من دروس التاريخ رغم الحديث الدائم عنه لا تقع كثيرًا، وما يحدث هو تكرار مخيف للأخطاء الاستراتيجية الكبرى، فمنذ الحرب العالمية الثانية، التى تعلم العالم منها أنه لا ينبغى أن تحدث مثل هذه الحرب مرة أخرى، وهو ما حدث فعلًا على مدى ثلاثة أرباع قرن من الزمان، كان نوع آخر من الحروب محدودة النطاق هو الشكل الذائع. وبينما يمكن أن يندرج تحت هذا العنوان حروب إقليمية بين دول، مثل تلك العربية الإسرائيلية، والهندية الباكستانية، والهندية الصينية، فإن حروبًا أخرى وقعت بين دولة عظمى وسلسلة من الدول الإقليمية. الولايات المتحدة كان لها نصيب وافر من هذه الحروب، بدءًا من الحرب الكورية، ثم الفيتنامية، والحرب فى أفغانستان، ومن بعدها الحرب مع وفى العراق. روسيا أو الاتحاد السوفيتى خاض حربه الخاصة فى أفغانستان، كما يمكن إدراج الحرب المصرية فى اليمن فى ستينيات القرن الماضى ضمن هذه النوعية من الحروب. وفرة هذه الحروب فى التاريخ المعاصر خلقت الحكمة العسكرية التى تقول إنه من الممكن معرفة بداية الحرب، ولكن نهايتها شأن آخر، ولذا فإنه منذ البداية لابد من توافر «استراتيجية للخروج أو Exit Strategy» داخل الاستراتيجية العامة للحرب المقبلة. ما حدث عمليًا كان دائمًا أمرًا مختلفًا فى الحرب التى خاضتها الولايات المتحدة فى أفغانستان مباشرة بعد العمل الإرهابى المروع الذى أصاب برجى مركز التجارة العالمى ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية فى الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١. كانت السمعة الدولية للولايات المتحدة قد أُصيبت فى مقتل، ولم يكن ممكنًا للقيادة الأمريكية آنذاك (إدارة جورج بوش الابن) إلا أن تسعى إلى استرداد هذه السمعة، وفى نفس الوقت الاستجابة للغضب الشعبى الأمريكى.

فى جميع التجارب والحروب المشار إليها كان هناك تقريبًا ذلك التفاعل بين الواقع الدولى، والجبهة الداخلية للدول، ولكن كل منهما مهما كانت فداحة الخطب والواقعة التى بدأت سلسلة التفاعل سرعان ما يصاب بالإرهاق. ما حدث فعليًا فى أفغانستان هو حرب غير متكافئة بكل المعايير، وذاع وقتها أن المشكلة الأمريكية فى الحرب أنها لم تجد أهدافًا كافية يمكن ضربها وتدميرها من جانب وسائل هجومية مسلحة بما يكفى لتدمير العالم. ما ثبت من كل الحروب المشار إليها أنها كانت غير متكافئة وغير متوازنة، وقوة الخصم فيها هى تحديدًا أنه ضعيف للغاية، فلا توجد لديه محطات للطاقة والكهرباء، ولا شبكات طرق وسكك حديدية ومطارات لكى تخرج من الخدمة، وفى الأغلب الأعم فإن اعتماده على العالم محدود، ولا توجد مشكلة قصوى إذا ما انقطع عن العالم، ولا يوجد لدى العالم كثير يفقده إذا ما خرجت هذه الدول من الإسهام فى النظام العالمى. فى ظل هذا الوضع يمكن للحرب أن تستمر عامًا بعد عام دونما قدرة على النصر أو الهزيمة أو الخروج فى كل الأحوال. والغريب أن التجربة الأمريكية ذاتها فى الحرب غير المتكافئة كان ممكنًا لها أن تكون مفيدة، فحرب المستعمرات البريطانية فى شمال أمريكا، بقيادة جورج واشنطن، (١٧٧٦-١٧٨٠) كانت بين دولة عظمى إمبراطورية ومجموعة من الميليشيات رثّة الملبس ومتفرقة المنشأ وقليلة الحيلة والتسلح. كانت استراتيجية القائد الأمريكى- الأضعف فى ذلك الوقت- هى ألّا ينهزم، والحقيقة أنه لم ينتصر قط فى معركة، ولكنه كسب الحرب فى النهاية لأنه حافظ على قواته، وأحيانًا بعضها، استعدادًا ليوم آخر.

«طالبان» اليوم هم الثوار الأمريكيون قبل قرنين ونصف القرن تقريبًا، ولكنهم فى عصر وزمن آخر توجد فيه الكثير من الأسئلة والقليل من الإجابات حول ما الذى تفعله قوة عظمى لم تستطع الانتصار، ولكنها لا تملك التخلى عن دور عالمى، وماذا يمكن أن تفعل قوة متعصبة فى التعامل مع دولة لم تعد، بعد عقدين من محاولات التحديث وحقوق المرأة، كما كانت يوم أن تركت «طالبان» العاصمة كابول. التفاعلات الدولية فى كل الأحوال لا تتوقف، وسرعاتها تزيد بما لم تعرفه البشرية من قبل، ودرس الحروب الأبدية لا ينبغى له أبدًا أن يغيب عن أذهان القادة وواضعى الاستراتيجيات الكبرى.

نقلا عن المصري اليوم