آليات التدخل:
دوافع اهتمام واشنطن بأدوار الشركات الروسية الخاصة بمناطق الصراع

آليات التدخل:

دوافع اهتمام واشنطن بأدوار الشركات الروسية الخاصة بمناطق الصراع



في الوقت الذي يتراجع فيه النفوذ الأمريكي بعددٍ من المناطق والأقاليم حول العالم، في إطار إعادة انتشار القوات العسكرية الأمريكية لمواجهة الصين لما تمثله من تحدٍ للولايات المتحدة على المستوى الدولي؛ شرعت روسيا تحت حكم الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يطمح إلى استعادة نفوذ الاتحاد السوفيتي السابق، في زيادة نفوذها بتلك المناطق، وملء الفراغ الذي تركته واشنطن. وقد كانت الشركات العسكرية الخاصة، مثل مجموعة فاجنر، التي تمتلك قدرات عسكرية لا تبدو هينة؛ إحدى أدواتها في تعزيز وجودها بدول مثل سوريا وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى ومدغشقر وموزمبيق وأوكرانيا.

وقد أثار الانتشار المتنامي للشركات العسكرية الروسية حفيظة الأوساط السياسية الأمريكية الرسمية، ولا سيما مع تولّي إدارة ديمقراطية جديدة بقيادة جو بايدن تتبنى سياسات تقوم على مواجهة التهديدات الروسية للأمن القومي والمصالح الوطنية الأمريكية، وفي ظل حرص مراكز الفكر والرأي الأمريكية على تسليط الضوء على الأدوار الأمنية والعسكرية لتلك الشركات في مناطق النفوذ الأمريكي التقليدي، والدور البارز الذي تمارسه في تعزيز النفوذ الروسي عالميًا.

أسباب متعددة
يرجع الاهتمام الأمريكي المتزايد بأدوار الشركات العسكرية الروسية الخاصة في الآونة الأخيرة إلى جملةٍ من الأسباب الرئيسية التي تتمثل في:
1- حماية مصالح موسكو: تتعاون العديد من الشركات العسكرية الروسية الخاصة التي تعمل في مناطق النزاعات، وفي منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا تحديدًا، ولا سيما مجموعة فاجنر، مع الحكومة الروسية، وكثيرًا ما تقوم تلك الشركات بمهام قتالية وشبه عسكرية وأمنية واستخباراتية لصالح الحكومة الروسية.

2- زيادة عدد الدول التي تنشط فيها الشركات الروسية الخاصة: تشير التقديرات الأمريكية إلى تزايد عدد الشركات العسكرية الروسية التي تعمل في مناطق الصراعات إلى سبعة أضعاف بين عامي 2015 و2021، حيث كانت تعمل تلك الشركات في 4 دول خلال عام 2015، بينما تعمل في 27 دولة في عام 2021. وتنشط تلك الشركات في إفريقيا، والشرق الأوسط، وأوروبا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية.

عدد الدول التي تعمل فيها الشركات العسكرية الروسية الخاصة

3- الانخراط في الحروب غير النظامية: تشارك مجموعة فاجنر في بعض العمليات القتالية، وجمع المعلومات الاستخبارية وتحليلها، والخدمات الوقائية، والتدريب، وأمن المواقع، والعمليات المعلوماتية، والدعاية لتعزيز مصالح موسكو.

4- المساهمة في تعزيز النفوذ الروسي: تمارس الشركات العسكرية الروسية دورًا في تعزيز تنامي النفوذ الروسي، الاقتصادي والسياسي والعسكري، في مناطق الانتشار العسكري الأمريكي، ولا سيما في إفريقيا وآسيا. كما أنها تعمل على حماية المصالح الاقتصادية والأمنية الروسية في المناطق التي تعمل فيها. وتساعد في عودة موسكو إلى استعادة مكانة الاتحاد السوفيتي السابق كقوة منافسة للولايات المتحدة في قيادة النظام الدولي. وترى التقارير التي تصدر عن المؤسسات الرسمية الأمريكية أن موسكو باتت بمثابة “قوة تعديلية” في النظام الدولي، وتسعى إلى إحداث تغييرات في النظام الذي أسسته واشنطن مع نهاية الحرب العالمية الثانية على قيم ومبادئ أمريكية تخدم المصالح الأمريكية بصورة رئيسية.
وفي هذا السياق، خَلُصَ التقييم السنوي لمجتمع الاستخبارات الأمريكية عن التهديدات لعام 2021 إلى أن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة الروسية القريبة من الكرملين توسع نفوذ موسكو العسكري بتكلفة منخفضة، مما يسمح لروسيا بالتنصل من مشاركتها، وتقليل خسائرها من المشاركة في مناطق الصراعات.

5- مساعدة حلفاء روسيا: تكشف التقديرات الأمريكية أن الشركات العسكرية الروسية كانت ذراع موسكو الأساسي في دعم الأنظمة السياسية الموالية للأخيرة، والتي تعتبرها الولايات المتحدة أنظمة غير ديمقراطية، بجانب أنها تعزز النفوذ الروسي في تلك الدول على حساب النفوذ الأمريكي والغربي عمومًا. وتشير أيضًا إلى أن تلك الشركات قد ساعدت نظام بشار الأسد على استعادة الأراضي التي كانت تحت سيطرة قوات المعارضة. وفي فنزويلا ساعدت مجموعة فاجنر في حماية الرئيس نيكولاس مادورو، الذي تعرض لضغوط من الولايات المتحدة للتنحي عن السلطة.

6- الحصول على مزيدٍ من الموارد: في الوقت الذي يُواجه فيه الاقتصاد الروسي جملة من التحديات التي ستكون لها تأثيرات كبيرة على صعود روسيا، ودورها العالمي؛ فإن الشركات العسكرية الخاصة توفر الكثير من الموارد للاقتصاد الروسي، حيث تعمل على توسيع نطاق النفوذ التجاري والاقتصادي الروسي في العالم النامي، وبناء مصادر جديدة للإيرادات للاقتصاد الروسي. ومن الأمثلة على ذلك النفط والغاز في سوريا، والأسلحة ومشاريع البنية التحتية والمحروقات في ليبيا، والذهب واليورانيوم والأسلحة والماس في جمهورية إفريقيا الوسطى، فضلًا عن النفط والذهب والأسلحة في فنزويلا.

استراتيجية جديدة
مع تبنّي الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن سياسة مغايرة تقوم على مواجهة روسيا، بدلًا من سياسة المهادنة التي اتبعتها إدارة دونالد ترامب السابقة، وتزايد اهتمام مراكز الفكر والرأي الأمريكية بدور الشركات العسكرية الروسية الخاصة في مناطق النفوذ الأمريكي؛ قدّم تقرير أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي بعنوان “جنود الشركات الروسية: التوسع العالمي للشركات العسكرية الخاصة الروسية”، والذي نشر في 21 يوليو الجاري، مجموعة من التوصيات لصانع القرار الأمريكي، من أبرزها استهداف نقاط الضعف التي تعاني منها تلك الشركات، وخاصة مجموعة فاجنر، والترويج للتداعيات السلبية التي تفرضها الأنشطة غير المشروعة التي تقوم بها، لا سيما فيما يتعلق بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، إلى جانب إقناع الدول التي تتصاعد فيها أنشطة تلك الشركات بالتحرك من أجل اتخاذ إجراءات قانونية ضدها تساعد في تقييد عملياتها المختلفة.

في الختام، تُمثّل الشركات العسكرية الروسية الخاصة، مثل مجموعة فاجنر، إحدى أدوات موسكو في حربها غير النظامية ضد الولايات المتحدة وشركائها الدوليين. وقد استخدمت الأولى تلك الشركات لزيادة نفوذها في الخارج، والسيطرة على الموارد الاقتصادية للدول التي تعمل فيها تلك الشركات، وتعزيز انتشار قوتها العسكرية وقدراتها الاستخباراتية التي ترى اتجاهات عديدة أنها تمثل تهديدًا للولايات المتحدة وحلفائها حول العالم، وهو الأمر الذي يدفع إدارة جو بايدن إلى التحرك من أجل مواجهة تزايد عدد وتأثير تلك الشركات في مناطق الصراع.