على الرغم من الإعلان عن هزيمة تنظيم “داعش” في سوريا، في 23 مارس 2019، إلا أن التنظيم لا يزال يحتفظ بخلايا نائمة في شمال سوريا، وهو ما كشف عنه إعلان المتحدث الإعلامي باسم مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) سايمند علي، في 25 فبراير الجاري، عن اعتقال عناصر من التنظيم في مدينة الحسكة بشرق سوريا، مشيراً إلى أن الدلائل والشعارات توحي بأن التنظيم بدأ عمليات فردية وجماعية لاستهداف القوات العسكرية ووجهاء العشائر وحتى الموظفين في الإدارة الذاتية.

وأضاف سايمند علي أن هناك في الداخل السوري أكثر من 10 آلاف مقاتل من “داعش” يعملون بشكل متخفٍّ من خلال اكتساب مزيدٍ من الأراضي، حيث يسعى التنظيم إلى الهشاشة الأمنية والسياسية المحلية من أجل تنفيذ بعض العمليات الإرهابية النوعية.

مؤشرات عديدة

ثمة العديد من المؤشرات الكاشفة عن استمرار خلايا “داعش” في الداخل السوري في التوقيت الحالي، يمكن بيانها على النحو التالي:

1- إعادة ترتيب صفوف التنظيم: سعى “داعش” خلال الأشهر الماضية لإعادة تنظيم صفوفه من خلال تبني استراتيجية جديدة، تعتمد على الاندماج مع السكان المحليين، بالإضافة إلى تجنيد المزيد من المسلحين سواء داخل مخيم الهول شمال شرق سوريا أو المناطق الطرفية الضعيفة والمهمشة التي تعاني من الفقر.

وعلى صعيد متصل، سعى التنظيم إلى توظيف الصحراء السورية لإعادة تموضعه، وبناء هياكله من جديد، فضلاً عن العودة إلى استراتيجية قديمة تبناها في وقت سابق، وتعتمد على عمليات الكر والفر. كما بدأ التنظيم يعمل في إطار محاولته لتوفير الأموال اللازمة لأنشطته على ابتزاز الشركات التجارية ومداهمة المتاجر.

2- تصاعد حدة العمليات الإرهابية: تمكن “داعش” خلال الأشهر الأخيرة من تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية النوعية ضد أهداف مدنية وعسكرية في سوريا، أسفرت عن وقوع خسائر بشرية. فمنذ مطلع العام 2024 نفذ التنظيم نحو 49 عملية في مناطق شمال شرق سوريا، أوقعت أكثر من 100 مدني وعسكري.

ولم تكن هذه الهجمات النوعية هي الأولى من نوعها، ففي العام الماضي كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن أن خلايا “داعش” في سوريا، نفذت 336 عملية في مناطق النظام السوري والإدارة الذاتية شمال البلاد، أسفرت عن مقتل 700 شخص من المدنيين والعسكريين.

3- تزايد تحذيرات الأمم المتحدة: أكد مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في إحاطة قدمها لمجلس الأمن الدولي، في منتصف فبراير الجاري، على استمرار مخاطر تنظيم “داعش” في سوريا. وأشارت المنظمة الأممية إلى أن التنظيم لا يزال يحتفظ بقدرات تؤهله لشن هجمات إرهابية، فضلاً عن التخطيط لتهديد خارج مناطق عملياته.

وبالتوازي مع ذلك، كشفت الأجهزة الأممية المعنية بمكافحة الإرهاب، عن أن خطر عودة ظهور تنظيم “داعش” يظل قائماً في سوريا والعراق، خاصة أن أنشطة الجماعات المنتسبة للتنظيم ساهمت في تدهور الوضع في عديدة من سوريا. ووفقاً لتقرير للأمم المتحدة صادر في أغسطس 2023 عن الإرهاب، لا يزال “داعش” يحتفظ بما بين 5000 و7000 عنصر في مناطق نفوذه في سوريا والعراق.

4- استهداف قوات النظام السوري: تمكن تنظيم “داعش” خلال الفترة الماضية من استهداف قوات الجيش السوري، بالإضافة إلى مهاجمة محاور عسكرية تابعة للنظام، خاصة التي تتولى تأمين الحقول النفطية الممتدة بين غربي دير الزور وحمص. كما استطاع التنظيم خرق خطوط النظام والمليشيات الموالية له في عدة مدن محيطة بريف دمشق.

وثمة تقديرات محلية تشير إلى اتجاه “داعش” نحو تعزيز ترسانته العسكرية وتطوير قدراته الدفاعية في الآونة الاخيرة، بعدما تمكن من الاستيلاء على بعض الذخائر والأسلحة التي كانت بحوزة قوات النظام السوري. ووفر انسحاب تلك القوات- المدعومة من المليشيات الإيرانية والقوات الروسية- خلال يناير الماضي من منطقة البادية، وتفكيك نقاط الارتكاز العسكرية داخلها، بيئة مواتية لتنظيم “داعش”، لاستعادة جانب واسع من حضوره في الداخل السوري، وخاصة في مناطق دير الزور والبادية.

5- مواصلة اختراق مخيم الهول: يمثل مخيم الهول في شمال شرق سوريا بؤرة مركزية لعناصر “داعش”، كما تعتبره اتجاهات عديدة بمثابة “خزان بشري” احتياطي لمقاتلي “داعش”. وقد تمكن التنظيم خلال الآونة الأخيرة من تهريب بعض عناصره من المخيم، وهو ما دفع الأجهزة الأمنية للإدارة الذاتية الكردية للقيام بحملات أمنية في يناير الفائت، للتصدي لخلايا “داعش” النائمة داخل المخيم، والتي تنسق مع عناصر التنظيم في الخارج لاستهداف المخيم على غرار استهداف التنظيم لسجن الحسكة في فبراير 2022.

دافعان رئيسيان

على الرغم من أن ثمة مؤشرات كاشفة عن استمرار مخاطر تنظيم “داعش” في الداخل السوري، إلا أنه لا يمكن استبعاد اتجاه “قسد” نحو توظيف عودة التنظيم من جديد، والترويج للتحديات والمخاطر المحتملة التي يمكن أن يفرضها ذلك خلال المرحلة المقبلة.

وهنا، فإن ثمة اعتبارين رئيسيين يمكن أن يدفعا “قسد” إلى تبني هذا التوجه: أولهما، تصاعد مخاوف “قسد” من احتمال الانسحاب الأمريكي من مناطق الشمال السوري، خاصة مع صدور تقارير وتسريبات في يناير الماضي كشفت عن نية واشنطن سحب قواتها من سوريا. صحيح أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن نفت هذه التسريبات، إلا أن ذلك لم يبدد مخاوف “قسد” التي تراهن على علاقاتها مع واشنطن ليس فقط لتمرير الاعتراف بشرعية الإدارة الذاتية شمال وشرق سوريا، وإنما أيضاً لتوظيف القوة العسكرية الأمريكية في مواجهة الخصوم سواء “داعش” أو النظام السوري وحلفائه.

إذ تدرك “قسد” أن بقاءها في صدارة المشهد السوري أو على الأقل ضمن مكوناته الرئيسية في التوقيت الحالي يتوقف بدرجة أكبر على الدعم العسكري الأمريكي. ولعل حديث “قسد” عن احتمال عودة “داعش” والتحذير من تجدد مخاطره يرتبط، في جانب معتبر منه، بالضغط على واشنطن لضمان بقائها عسكرياً في شمال شرق سوريا.

وثانيهما، السعى لتحشيد المواقف الإقليمية والدولية ضد العمليات العسكرية المحتملة التي يمكن أن تشنها تركيا على مناطق شمال سوريا، ومن ثم لجم التحركات التي تقوم بها أنقرة، والتي تنشط بصورة مكثفة خلال الآونة الأخيرة، وتستهدف مناطق “قسد”.

ختاماً، يمكن القول إن حرص “قسد” على الحديث عن عودة “داعش” والتحذير من مخاطر ذلك، ربما يرتبط، في قسم منه، بالرغبة في تعزيز الجهود الدولية لتوجيه ضربات قوية إلى التنظيم بعد تعرض مناطق “قسد” لعمليات نوعية شنها عناصره، أسفرت عن اختلال الأوضاع الأمنية في شمال شرق سوريا، وزادت من أعباء الأجهزة الأمنية التابعة للمليشيا. ويعزز هذا الاحتمال تراجع قدرة “قسد” على القضاء على “داعش”، وذلك في ضوء استمرار عمليات التجنيد داخل مخيم الهول، وتصاعد العمليات الإرهابية للتنظيم ضد السكان المحليين في شمال سوريا، وكذلك مهاجمة نقاط الارتكاز العسكرية التابعة لـ”قسد”.