مع تزايد الهجمات التي تشنها مليشيا الحوثيين ضد السفن التجارية رغم الضربات العسكرية الأمريكية-البريطانية ضد مواقع تمركزها ومنصات إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار التي تهدد الملاحة الدولية في باب المندب والبحر الأحمر ذي الأهمية الاستراتيجية لأوروبا؛ أعلن جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية، في ٣١ يناير الفائت، أن الاتحاد الأوروبي يعتزم إطلاق مهمة بحرية جديدة في البحر الأحمر، ومن المتوقع أن يبدأ الاتحاد، في ١٩ فبراير الجاري، هذه المهمة بعد توقيع وزراء خارجية الاتحاد عليها.
أهداف رئيسية
تأتي المهمة العسكرية الأوروبية في البحر الأحمر في ظل موقف الاتحاد الأوروبي الذي ينتقد الهجمات التي تشنها مليشيا الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر الذي يعد أحد أهم الممرات المائية العالمية، حيث يمر عبره ما يقرب من ٤٠٪ من حجم التبادل التجاري بين آسيا وأوروبا. وتتمثل أبرز الأهداف الأوروبية من تدشين تلك المهمة فيما يلي:
1- حماية السفن الأوروبية من الهجمات: مع تزايد التهديدات الحوثية للسفن التجارية في مياه البحر الأحمر، بدأت عديد من الشركات الأوروبية تطالب الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات للدفاع عن سفن الشحن ضد هذه التهديدات، بالنظر إلى الآثار التجارية المترتبة على إجبار السفن التجارية على تجاوز البحر الأحمر في طريقها من وإلى أوروبا. ولذلك، أعلن جوزيب بوريل أن الوجود البحري الأوروبي الجديد في البحر الأحمر يهدف إلى حماية السفن التجارية من هجمات الحوثيين.
2- ضمان أمن الطاقة الأوروبي: منذ اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية في ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، زاد الاتحاد الأوروبي من وارداته النفطية من منطقة الشرق الأوسط كجزء من محاولاته المتعددة لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية. وتشكل الهجمات الحوثية تهديداً لأمن الطاقة الأوروبي الذي يعتمد بصورة رئيسية على الغاز الطبيعي المستورد من الموردين في الشرق الأوسط الذي يمر عبر البحر الأحمر وقناة السويس لتعويض النقص الروسي.
وقد أشار تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”، في 7 فبراير الجاري، إلى أنه تم إلغاء حوالي ٧٠٪ من شحنات الغاز الطبيعي المسال من قطر والتي كانت متجهة إلى المحطة الرئيسية في إيطاليا على البحر الأدرياتيكي في يناير الفائت.
وفي العام الماضي، زودت قطر ٤٠٪ من احتياجات إيطاليا من الغاز الطبيعي المسال. وفي العام الماضي كذلك، مر ١٢,٩٪ من الغاز الطبيعي المسال في أوروبا عبر البحر الأحمر من الموردين في الشرق الأوسط.
3- القيام بمهمة دفاعية بحتة: بينما تقود الولايات المتحدة الأمريكية، بالتعاون مع مجموعة من الحلفاء الغربيين، ومنهم دول أوروبية، هجمات استباقية ضد الحوثيين لمنعهم من شن هجمات مسلحة جديدة، وإحباط بعضها قبل تنفيذها ضد السفن التجارية في مياه البحر الأحمر، فإن المسئولين الأوروبيين يؤكدون أن المهمة الأوروبية ستكون دفاعية بحتة. فوفقاً لبوريل، فإنها لا تهدف لشن أي نوع من الهجوم، حيث إنها ستنتشر في البحر، ولن تقوم بأي عملية على الأراضي اليمنية.
4- تأكيد التواجد الأوروبي بالمنطقة: رغم إبداء بعض دول الاتحاد الأوروبي تحفظها على الهجمات الأمريكية-البريطانية ضد مليشيا الحوثيين، واعتراضها على الخضوع لقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها تريد التأكيد على دورها السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً أن فرنسا وإيطاليا تمتلكان بالفعل سفناً عسكرية في المنطقة، وفاعليتها في مواجهة التحدي الحوثي للمصالح الاقتصادية الأوروبية وحرية الملاحة في البحر الأحمر.
5- تجنب مزيد من التداعيات الاقتصادية: تؤدي الهجمات الأخيرة في البحر الأحمر إلى تعطيل الشحن وزيادة التكاليف والتي ستكون لها تأثيرات على أسعار كل المنتجات، وكذلك التضخم. فوفقاً لدراسة أجراها صندوق النقد الدولي، في ٢٨ مارس ٢٠٢٢، فإنه مع تضاعف أسعار الشحن العالمية يميل التضخم إلى الارتفاع بمقدار ٧٠ نقطة أساس في الأشهر الـ١٢ إلى ١٨ اللاحقة.
وعلاوة على ذلك، قد يجبر الاضطراب المطول في البحر الأحمر بعض الشركات الأوروبية على تقليص حجم الإنتاج، أو وقف الإنتاج تماماً. وقد تلجأ بعض الشركات إلى الشحن الجوي بدلاً من البحري، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
فقد ارتفع متوسط تكلفة نقل كيلوجرام واحد من البضائع من الشرق الأوسط إلى أوروبا جواً بنسبة ٣٥٪ في الشهر الماضي، فضلاً عن أن عملية التحول من الشحن البحري إلى الجوي تعني رحلات أطول بكثير مما يعرّض سلاسل التوريد للخطر بالنسبة لصناعات مثل الإلكترونيات والسيارات. وقد علّقت شركة “تسلا” في ألمانيا، وشركة “فولفو” للسيارات في بلجيكا، و”سوزوكي” في هنغاريا، خطوط إنتاج معينة للسيارات بسبب نقص المكونات.
وقد حذّر المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي فالديس دومبروفسكيس من أن الاضطرابات التجارية الناجمة عن عدم الاستقرار في البحر الأحمر تُشكل خطراً على التوقعات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، وكذلك إمدادات الطاقة وأسعارها. ولذلك تأتي المهمة في إطار تجنب المخاطر التي تعود على الداخل الأوروبي.
قيود الفاعلية
كشفت الضربات العسكرية الأمريكية-البريطانية ضد مليشيا الحوثيين بعد استهدافها للملاحة الدولية في البحر الأحمر، أنها لم توقف هجمات الأخيرة؛ بل إنها تدفعها لتوسيع نطاق عملياتها، خاصة أنها لا تزال تحتفظ بغالبية قدراتها على تنفيذ هجمات مستقبلية، وهو ما يعني أن المهمة الأوروبية قد لا تنجح في القضاء على التهديد الحوثي، ولكنها تحمل في طياتها خطر التصعيد الحوثي ضد السفن والمصالح الأوروبية، الأمر الذي يستوجب تحركاً أوروبيّاً حذراً لتجنب التصعيد غير المرغوب فيه بمنطقة الشرق الأوسط، أو الإخفاق وعدم تحقيق المهمة والتأثير المرجو مما يُظهر الاتحاد الأوروبي بالفاعل الدولي الضعيف في الأزمات الدولية والحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين.
وهناك إشكالية تواجه المهمة العسكرية الأوروبية في البحر تتمثل في عدم وضوح طبيعة المهمة العسكرية الأوروبية في البحر الأحمر حتى الآن، وما إذا كانت ستتضمن إرسال سفن حربية للقيام بدوريات في المنطقة. ولذلك اقترحت مصادر أوروبية إعادة استخدام عملية “أجينور” الأوروبية بقيادة فرنسا والتي تستهدف ضمان حرية الملاحة في مضيق هرمز، والتي تشارك فيها 8 دول في الاتحاد الأوروبي كجزء من مهمة المراقبة البحرية الأوروبية في مضيق هرمز.
ويرتبط نجاح المهمة الأوروبية في البحر الأحمر بتقليص مساحة التباين مع “تحالف الازدهار” الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يركز على ردع هجمات الحوثيين، بينما يركز الاتحاد الأوروبي على حماية الملاحة البحرية بشكل عام، وتنسيق قواعد الاشتباك بين المهمتين لتجنب أي صدام.