أنهى مؤتمر الأمم المتحدة المعني للمناخ، الذي انعقد بدبي على مدى أسبوعين، أعمالَه يوم الأربعاء الماضي بإصدار بيانه الختامي الذي وصفه خبراء عديدون بأنه «إنجاز تاريخي». وقبل التطرق لحيثيات هذا الرأي لابد من التأمل في دلالات حدث كهذا. والواقع أن المرء لا يمكنه تفادي التعبير عن الاعتزاز بهذا الإنجاز الدبلوماسي الجديد لدولة الإمارات، فما زلنا على مقربة أيام من قيادة الإمارات للجهد الدبلوماسي العربي في مجلس الأمن باعتبارها العضو الممثل للمجموعة العربية في المجلس، ورغم أن الفيتو الأميركي قد أعاق المشروع الإماراتي فإنه كشف العزلة الأميركية داخل المجلس، وسجل لدبلوماسية الإمارات مبادرةً جديدة تُضاف لرصيدها الإيجابي منذ تولت مسؤوليتها في مجلس الأمن. وسرعان ما تحقق الإنجاز التالي لهذه الدبلوماسية بانعقاد الدورة الـ28 من مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ على أرض الإمارات بمدينة إكسبو دبي. ومعروف كمُّ الصعاب التي تواجه العمل الدبلوماسي الدولي في مجال مواجهة التحديات الناجمة عن تغير المناخ، والذي بلغ في السنوات الأخيرة مرحلةً تنذر بالخطر يستطيع المراقب العادي غير المتخصص أن يدركها، بعد أن تفاقمت مشكلات المناخ بشكل متسارع، كما بدا في مظاهر التغير المناخي نتيجة انبعاث الغازات الدفيئة التي تؤدي لارتفاع درجات الحرارة، وما ينجم عنه من تغير في أنماط الطقس كما يبدو من ظواهر الجفاف والحرائق والفيضانات والأعاصير التي نشاهد آثارها الكارثية على نحو متزايد. وقد كان من الأمور الإيجابية دون شك أن تتصدى دولة عربية للعام الثاني على التوالي لمواجهة تحدي قيادة العمل الدولي من أجل مواجهة التغير المناخي، خاصة بالنظر إلى التحديات الجسام التي تواجه هذا العمل، والتي تنجم عن تناقض المصالح في الأسرة الدولية بين أصحاب المصلحة في اتخاذ إجراءات جادة لمواجهة التغير المناخي والمتضررين من هذه الإجراءات.
وهكذا انعقد «كوب 28» برعاية الدبلوماسية الإماراتية ليتغلب على التحديات الناجمة عن ضرورة الالتزام بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة من خلال تقليص استخدام الفحم والنفط والغاز بسرعة كافية، ومضاعفة استخدام الطاقة المتجددة والنظيفة، والعمل على تأمين التمويل لمشروعات التكيف مع التغيرات المناخية، وتطوير آليات هذا التمويل. وكالعادة فقد استمرت الخلافات بين وجهات النظر، وظهرت الاعتراضات على المسودات الأولية للقرارات، وبُذِلت الجهود المضنية من أجل التوصل إلى تفاهمات ترضي الجميع. ولعبت الدبلوماسية الإماراتية دوراً مُقَدَّراً في تجاوز الخلافات والوصول إلى القرارات التي حظيت بموافقة الجميع ووُصفت بأنها تمثل إنجازاً تاريخياً على أساس أنها شهدت لأول مرة اعترافاً بمسؤولية استخدام الوقود الأحفوري عن التغيرات المناخية، وموافقة الدول على «الابتعاد» عن الوقود الأحفوري تدريجياً، بالإضافة إلى تضمين هذا البند في الوثيقة الختامية للمؤتمر. كما أن إقرار تأسيس صندوق للتعويضات عن الخسائر عكَس مدى الجدية في قرارات المؤتمر وأعطى زخماً كبيراً لتقدم العمل في مجال مواجهة التغيرات المناخية. وعندما كان معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، رئيس المؤتمر، يعلن في ثقة وفرحة النجاح في تحقيق هذا الإنجاز، تذكرتُ بعض الاعتراضات الأوروبية والأميركية، وشعرتُ بالسعادة لأن الدبلوماسية الإماراتية تواصل إثبات جدارتها حتى في أعقد القضايا العالمية.. فإلى مزيد من النجاحات والإنجارات بإذن الله تعالى.
نقلا عن الاتحاد