تأتي زيارة اللورد طارق أحمد وزير الدولة البريطاني المكلف بشئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا والأمم المتحدة إلى الرباط، في 8 نوفمبر الجاري، في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط توتراً متصاعداً بسبب الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، والتي أثارت ردود فعل غاضبة في العالم العربي، وخاصة أن لندن تبنت موقفاً داعماً لإسرائيل. ويبدو أن لدى لندن مخاوف متنامية من أن يؤدي اتساع نطاق الحرب إلى التأثير على مصالحها الاقتصادية مع بعض شركائها في المنطقة، ولا سيما مع المغرب.
ولذلك، تستهدف التحركات البريطانية باتجاه المغرب بدرجة رئيسية احتواء التأثيرات المحتملة بشأن الموقف البريطاني من الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، وتكثيف التعاون الاقتصادي مع الرباط، ولا سيما في سياق جهود بريطانيا لتوسيع الاستثمارات في الخارج بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، علاوة على رغبتها في تعزيز التعاون بشأن مكافحة الإرهاب.
أسباب عديدة
تأتي زيارة اللورد طارق أحمد في سياق متغيرات إقليمية تشهدها منطقة الشرق الأوسط، ولعل أهمها الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة. لذلك، يمكن القول إن ثمة جملة من العوامل التي كان لها دور في زيادة الاهتمام البريطاني بتعزيز التعاون مع المغرب، يتمثل أبرزها في:
1- التنسيق بشأن الحرب الإسرائيلية في غزة: دعت الرباط من خلال وزارة الخارجية، في أكثر من مناسبة، إلى وقف إطلاق النار في غزة، وضرورة الالتزام بحل الدولتين، فيما أكّدت لندن دعمها لإسرائيل في الدفاع عن نفسها. لذلك، يبدو أن زيارة اللورد أحمد إلى المغرب تهدف، في قسم منها، إلى تقريب وجهات النظر بشأن الموقف من هذه الحرب بشكل لا يؤثر على المصالح المشتركة. وفي هذا السياق، أكد اللورد أحمد أن المملكة المتحدة والمغرب متفقتان تماماً على أن “السلام والأمن في الشرق الأوسط يمران عبر حل الدولتين”، وأوضح أن “البلدين يعدان الهدف النهائي يجب أن يكون حل الدولتين، حيث تعيش دولة إسرائيلية جنباً إلى جنب مع دولة فلسطينية في سلام”، وأكد أن “الروابط بين المملكة المتحدة والمغرب أقوى مما كانت عليه في أي وقت مضى”، مشيراً إلى أنها “لا تقوم فقط على الثقة المتبادلة، وإنما أيضاً على الوزن الذي تمثله الدولتان”، مذكراً بأن “البلدين يشتغلان على العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك”.
2- دعم العلاقات الاقتصادية الثنائية: تبدي بريطانيا اهتماماً خاصاً بتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي مع المغرب، منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي، لذلك تسعى إلى الحفاظ على مصالحها الاقتصادية وتحييد أية توترات قد تحدث نتيجة التباين في التعامل مع بعض التطورات، على غرار الحرب التي تدور رحاها حالياً في قطاع غزة.
وفي رؤية لندن، فإن تعزيز وتطوير العلاقات مع المغرب يكتسب وجاهة خاصة، بالنظر إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي والعلاقات التاريخية القوية التي تربط البلدين. ولدى لندن اهتمام لافت بزيادة استثماراتها في المغرب، لا سيما في العديد من القطاعات، مثل الطاقة المتجددة والسياحة والتعليم والصحة والفلاحة والتكنولوجيا والقطاع المالي، علاوة على التنقيب عن الغاز والبترول. وهناك شركات بريطانية عديدة تستثمر في قطاع التنقيب عن الغاز والبترول. ويعمل البلدان على تنفيذ مشروع بناء أطول كابل كهربائي تحت سطح البحر في العالم، ويتوقع أن يحول هذا الكابل الطاقة الشمسية والريحية من الصحراء إلى بريطانيا ليؤمن الكهرباء لحوالي 7 ملايين منزل.
3- مواجهة التهديدات الأمنية المشتركة: ولا سيما في ظل توتر العلاقات الفرنسية-المغربية والانسحاب العسكري الفرنسي من العديد من دول الساحل الأفريقي، مثل مالي والنيجر، خاصة بعد الانقلاب العسكري الذي وقع في الأخيرة في 26 يوليو الماضي، وهو ما دفع بعض التنظيمات الإرهابية إلى محاولة استغلال ذلك في توسيع نشاطها في المنطقة بشكل يهدد دول الجوار.
وهنا، فإن لندن تبدو في حاجة إلى تنسيق جهودها الأمنية مع دول لها ثقلها السياسي في منطقة الساحل، مثل المغرب. لذلك، تسعى لندن إلى تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي مع الرباط في مواجهة التهديدات الإرهابية المحتملة، وخاصةً أن ثمّة تقارير دولية تحدثت عن تنسيق إيراني مع جبهة البوليساريو لاستهداف المصالح الإسرائيلية في المنطقة. وبغضّ النظر عن مدى صحة هذه التقارير، فثمة مخاوف بريطانية من أن تتعرض مصالحها لهجمات إرهابية محتملة.
انعكاسات محتملة
يتوقع أن تسفر هذه التحركات البريطانية عن تعزيز التفاهمات المشتركة مع المغرب حول العديد من القضايا والملفات الدولية والثنائية على النحو التالي:
1- التماهي مع موقف الرباط في ملف الصحراء: ربما لا يمكن استبعاد أن تتجه الحكومة البريطانية إلى الإعلان عن دعمها رسمياً للمبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء، حيث عبرت لندن، في مناسبات عديدة، عن موقفها الثابت والداعي إلى إيجاد حل سلمي ودائم وواقعي للنزاع حول الصحراء، لكنها لم تتخذ خطوة مماثلة للخطوة الأمريكية في الاعتراف بمغربية الصحراء، وهو ما قد يتحقق في ظل تطور الشراكة السياسية والأمنية والاقتصادية بين الدولتين، خاصة أن لندن اتجهت إلى زيادة استثماراتها في المناطق الجنوبية من المغرب من خلال عدد من المشاريع التي تتعلق بالطاقة المتجددة والتنقيب عن الغاز.
2- الانخراط في جهود وقف إطلاق النار في غزة: أكّد اللورد طارق أحمد في تصريحاته خلال لقائه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة على أن الرباط ولندن سوف تعملان معاً في هذا الاتجاه، أي لدعم حل الدولتين، وبالتعاون مع شركائهما الرئيسيين، معترفاً بأن “الأمر يتعلق بفترة صعبة، ولكن يجب ألا نفقد الأمل أبداً”. وهنا، فإن اتجاهات عديدة ترجح أن تسعى بريطانيا إلى تعزيز الجهود التي تبذل من أجل الوصول إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة خلال المرحلة القادمة.
3- تصاعد التنافس الاقتصادي مع الصين: من المتوقع أن يؤدي زيادة الاهتمام البريطاني بتعزيز الاستثمارات في المغرب إلى تصاعد حدة التنافس الاقتصادي مع قوى دولية مثل الصين، التي تهتم بدورها بتعزيز الاستثمارات في المغرب، وخاصة في ظل مبادرة الحزام والطريق، حيث كانت المغرب من أوائل الدول الأفريقية التي انضمت إلى هذه المبادرة، والتي سوف تمكنها من تأسيس شراكات في قطاعات مهمة، على غرار البنية التحتية والصناعات المتطورة والتكنولوجيا. وقد وقعت في هذا السياق اتفاقية مع الصين، في 6 يناير 2022، لزيادة التعاون في إطار هذه المبادرة.
ختاماً، يمكن القول إن زيادة التحركات البريطانية باتجاه الرباط تعكس النتائج التي تحققها الدبلوماسية المغربية، التي تسعى إلى توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها على الساحة الدولية، وتأسيس شراكات عديدة مع القوى الرئيسية المعنية بما يجري في منطقة الشرق الأوسط والطامحة لتوسيع نطاق دورها على المستويات المختلفة السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية.