اليوم التالي.. سؤال السلطة الفلسطينية – الحائط العربي
اليوم التالي.. سؤال السلطة الفلسطينية

اليوم التالي.. سؤال السلطة الفلسطينية



ماذا بعد الحرب في غزة؟

إنه سؤال اليوم التالي، بكل حمولاته السياسية والاستراتيجية والإنسانية المتفجرة.

الإجابات تتعدد باختلاف المواقع، تتناقض وتتباين، بدرجات مختلفة من الحدة والعصبية، رغم أن الحرب لم تتوقف، ولا استبانت نتائجها الأخيرة. لا الجيش الإسرائيلي حسمها، ولا الفصائل الفلسطينية المسلحة هُزمت.

في استباق النتائج، إيحاء ظاهر للعالم المفزوع من مشاهد الإبادة الجماعية، التي يتعرض لها الفلسطينيون، بأن آلة الحرب سوف تتوقف قريباً، ويعاد ترتيب الأوراق المبعثرة في القطاع المعذب بعد اجتثاث «حماس».

بتعبير موجز ودال للبيت الأبيض: «الوقت يضيق»، لكلفة الاستراتيجية الباهظة، والتضامن مع الفلسطينيين تتسع رقعته في العالم وداخل الولايات المتحدة، كما لم يحدث من قبل، ومواقف الحلفاء الغربيين بدأت تتشقق تحت ضغط الرأي العام في بلدانهم.

الخيار الأمريكي الأفضل لليوم التالي: إسناد الإشراف على غزة إلى السلطة الفلسطينية باسم «اتفاقية أوسلو»، أو بادعاء العودة إلى ما قبل الانشطار الفلسطيني عام 2007.

من حيث المبدأ، لا تمانع السلطة الفلسطينية في ذلك الاقتراح، لكنها تشترط لقبوله توافر حل سياسي شامل، حتى لا تتهم أنها عادت إلى غزة فوق دبابة إسرائيلية.

لم تكن هذه المرة هي الأولى التي يطرح فيها سؤال اليوم التالي على السلطة الفلسطينية.

عند كل منعطف يطرح السؤال نفسه.

عند أواخر يوليو/تموز 2010 أخذ رئيس السلطة محمود عباس يتحدث بإسهاب أمام رؤساء تحرير الصحف المصرية عن الموقف الصعب الذي يجد نفسه فيه، فهو مطالب بالذهاب إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل من دون أن يكون مقتنعاً بتوافر أية شروط موضوعية لنجاحها. قال مؤكداً: «لن أذهب إلى المفاوضات».. لكن أحداً من محاوريه لم يعتبر ذلك خبراً، أو أنه لن يذهب فعلاً.

هو رجل عملي يدرك أن غياب معطيات تُوَفِّر للمفاوضات جديتها يحيل الموضوع كله إلى نوع من العبث واستنفاد الوقت.. لكنه، مع تلك الاستخلاصات، ترك الباب مفتوحاً لاتصالات وتطمينات قد تأتيه في اللحظة الأخيرة من إدارة باراك أوباما، أو من الرئيس حسني مبارك، أو من العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أو أن يرفع نتنياهو الهاتف ويتصل به مطمئناً على جدية المفاوضات! عندها «سوف أوافق فوراً».

شيء مقارب قد يحدث غداً، إذا ما اتصل به الرئيس الأمريكي، أو أي طرف إقليمي فاعل ومؤثر، أو نتنياهو نفسه.

«يقولون إنني أمريكي.. لكنني غير واقع تحت الضغوط» رغم أن الولايات المتحدة تساهم في دعم السلطة الفلسطينية ب450 مليون دولار سنوياً!

كان مستعداً أن يذهب ل«الإيباك» بنفسه، وأن يتجاهل نصيحة تلقاها من أطراف في الإدارة الأمريكية بعدم الإقدام على هذه المخاطرة، فقد يجري اصطياد تصريحات يطلقها وتتعقد الأمور أكثر مما هي معقدة.

كان لافتاً للانتباه أن أبو مازن مانع في الذهاب إلى غزة بينما يشعر بالفخر أنه ذهب إلى «الإيباك».

يومها وُجِّه إليه سؤال محرج: «الذي يذهب إلى الإيباك.. لا يحق له عدم الذهاب إلى غزة أياً كانت حججه.. لماذا لا تذهب إليها الآن؟»، لم تكن لديه إجابة عن شيء من التماسك والإقناع.

عندما طُرح عليه سؤال آخر عن تصوراته للمشهد الفلسطيني المقبل في ظل المعطيات التي أسهب فيها، نظر نحوي مدركاً فداحة الموقف الذي يقف فيه: «ما رأيك أنت.. بم تنصحني؟».. قلت: «حل السلطة الفلسطينية التي تترأسها».. قال على الفور: «موافق.. لكن ليس الآن».

كانت السلطة الفلسطينية قد استهلكت أية أوهام ورهانات على التفاوض من دون أن تعلن أية قطيعة مع «اتفاق أوسلو»، ظلت في مكانها كأنها في بيت أشباح.

الأكثر مأساوية أن يطلب منها الآن لعب دور جوهري على مسرح أحداث غزة بعد انتهاء الحرب، من دون إدراك حقيقي في جميع السيناريوهات أن الأوضاع فيها، وفي الإقليم كله، لن تعود إلى ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

نقلا عن الخليج