تتحول غزة من سجن كبير إلى مقبرة كبيرة أمام العالم، ذلك أمر مشين للضمير العالمي، ردات فعل إسرائيل خارجة بكل المقاييس عن الأعراف الإنسانية، ولكن من قال إن الأخلاق تنتصر في الحروب؟
من الجانب العربي هناك أسئلة صعبة تفرضها تلك الأحداث الدامية، البعض يرى أنه ليس من اللائق في هذا الوقت طرح الأسئلة الصعبة حفاظاً على الروح المعنوية للجمهور الفلسطيني والعربي، والبعض يرى أن طرح الأسئلة الصعبة بحثاً عن إجابات قريبة إلى الإقناع هو واجب كل من يتحمل المسؤولية سواء سياسية أو حتى ثقافية.
الأسئلة الصعبة كثيرة منها ستة أسئلة مركزية:
أولاً: لقد ظهر في كثير من الكتابات أن (شق الجبهة الفلسطينية) هدف استراتيجي عملت عليه حكومات اليمين الإسرائيلي (فهي شجعت ظهور حماس) وسمحت بمدها بالحد الأدنى من سبيل البقاء (كهرباء ومال منقول عن طريق تل أبيب) بحيث تبقى مناكفة للسلطة الفلسطينية على اعتبار أن الأضرار التي تأتي منها (أقل من خسائر الوحدة الفلسطينية) لو تحققت، وتجاهلت أن الفاعل الوازن ـ مع الوقت ـ لـ«حماس» هي طهران! لذلك لدغ الحذر من مأمنه!
وكم عمل العرب على الوحدة الفلسطينية ولكنها لم تتحقق، جزئياً بسبب طموح القادة وجزئياً بسبب (مصالح إسرائيل) لتسويق تشدد فلسطيني! تلك حقيقة علينا أن نعيها!
ثانياً: تم استهداف مخيم جباليا وقيل إن الاستهداف لقيادي من «حماس»، ولكن ذهب في ذلك الاستهداف عشرات القتلى! كيف عرف الجيش الإسرائيلي بمكان ذلك القائد؟، قيل إن هناك (إخبارية)، إذا أضفنا إلى هذه المعلومة معلومة أخرى، وهي أن (البارومتر العربي) كان قد نشر نتيجة استطلاع رأي في غزة (انتهى منه يوم 6 أكتوبر) قبل نشوب الحرب بيوم، يقول ذلك الاستطلاع إن نسبة وازنة من الغزيين غير راضين على إدارة «حماس» للقطاع، ذلك مؤشر على أن هناك من المواطنين الفلسطينيين من لهم ملاحظات جدية على «حماس»، ولم يستشاروا أو تستحيط «حماس» لحمايتهم.
ثالثاً: غزة سهل مسطح لا وجود لجبال أو تلال أو موانع طبيعية، وأي عاقل يعرف أن هذا المسرح صيد سهل للطائرات الحربية، خاصة إن لم يتوفر ردع جوي، والاستعاضة عن ذلك بأنفاق تحت الأرض، وهي قد تكون مفيدة جزئياً، ولكن إغلاقها أيضاً سهل جزئياً، فلن تساعد كثيراً على المقاومة طويلة الأجل، بجانب أنه ليس هناك تدفق سلاح من الجوار، كما حدث في صراعات أخرى في العالم!
رابعاً: على الرغم من التمني أن لا تتسع الجبهات، لأنها سوف تخرب أوطاناً كثيرة، إلا أن التساؤل مطروح أين (محور المقاومة)؟ الذي يمكن أن يخفف على الجبهة الغزية تلك الحمم من النار، وهل يخدع أحد (بمفرقعات) يرسلها الحوثي عن بعد، وتقع في الغالب في أرض مصرية!
واضح أن حسابات من يمول (محور المقاومة) هي الاستفادة ما أمكن من دم ودمار الغزيين لتحقيق أجندته الدولية والإقليمية لصالحه وليس لصالح القضية!!
خامساً: أعلن المتحدث باسم «حماس» أنها سوف تطلق الأسرى (الأجانب)، والمعروف أن معظم الإسرائيليين (وهو سر معلن) يحملون جنسية مزدوجة، أمريكية وبريطانية وفرنسية وألمانية، بل الدولة الأخيرة تسمح قوانينها بوضوح بحمل جنسيتها لأي مواطن إسرائيلي من أصل أو عاش أجداده في ألمانيا! فهل يطلق كل الأسرى؟
سادساً: لا يجب أن ننخدع بأن (الرأي العام العالمي) سوف يتفهم القضية ويناصر أهل غزة، نعم هناك أصوات تصلنا، ونعتقد أنها الأغلبية، فقط لأننا نحب أن نسمعها، إلا أن الرأي العام الغربي وخاصة السياسي ما زال مناصراً لوجهة النظر الإسرائيلية، لأن الاثنين من قماشة واحدة وهي التي يدعونها (الثقافة اليهودية المسيحية)!.
تلك أسئلة صعبة وأي مجتمع متحضر يطرحها على نفسه وعلى قادة الصراع لتحمل المسؤولية، أما المزايدة في السياسة فقد كانت ولا تزال مقتل العربي وخاصة في هذه القضية.
نقلا عن البيان