أعلن قائد المحور الثاني في قوات البيشمركة العراقية اللواء مردان جاوشين، في 4 أكتوبر الجاري، المضيّ في تشكيل لواءين مشتركين من قوات الجيش العراقي وقوات البيشمركة، لفرض السيطرة في خط التماس بالمناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد، مشيراً إلى أن تشكيل اللواءين المشتركين في المناطق المتنازع عليها يأتي في سياق تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي، وهو ما يعكس تصاعد الارتدادات السلبية في مناطق التماس على حالة الاستقرار في إقليم كردستان، فضلاً عن استمرار تفاقم الاضطرابات الأمنية في المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان العراق والحكومة الاتحادية في بغداد.
سياقات حاكمة
يأتي الإعلان عن تأسيس قوة أمنية مشتركة من القوات العراقية والبشمركة في ضوء سياقات محلية وإقليمية تفرض تداعيات مباشرة على الواقع العراقي، ويتمثل أبرزها في:
1- تفاقم التوتر في كركوك: تصاعدت حدة التوتر في مدينة كركوك التي تعد وفقاً للمادة 140 من الدستور العراقي لعام 2005، إحدى المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، وذلك على خلفية محاولات الحزب الديمقراطي الكردستاني العودة إلى المدينة، والسيطرة على مقر قيادة العمليات الأمنية المشتركة، وهو ما أدى إلى توسيع نطاق الخلافات بين المجموعات العرقية داخل المدينة، حيث احتج العرب والتركمان معاً على العودة المحتملة للحزب، بينما نظم الأكراد احتجاجات مضادة أسفرت عن سقوط العديد من الضحايا إثر لجوء قوات الأمن العراقية إلى العنف لفض الاشتباكات.
2- تصاعد حدة الضغوط الإقليمية: لا ينفصل الاتفاق بين بغداد وأربيل على تأسيس قوة أمنية مشتركة عن تصاعد الضغوط الإقليمية على العراق، خاصة من قبل تركيا وإيران اللتين تشنان ضربات صاروخية وهجمات بمسيّرات مفخخة على مواقع تابعة لحزب العمال الكردستاني والمعارضة الإيرانية الكردية المتمركزين في إقليم كردستان.
ويشار في هذا الصدد إلى أنه في 19 مارس الماضي تم التوقيع على اتفاقية أمنية مشتركة بين العراق وإيران تتضمن نقطتين مهمتين هما: نزع سلاح المعارضة الإيرانية، وضبط الحدود بين البلدين.
ومن جهتها، سعت تركيا إلى تكثيف ضرباتها العسكرية ضد المواقع الكردية شمال العراق عشية هجوم أنقرة الذي استهدف محيط وزارة الداخلية التركية في مطلع أكتوبر الجاري.
3- استمرار الخلافات حول المناطق المتنازع عليها: يعود الإعلان عن تكوين قوة أمنية مشتركة بين بغداد وأربيل، في جانب معتبر منه، إلى الفشل في حل معضلة المناطق المتنازع عليها، وذلك بسبب عدم تطبيق المادة 140 من الدستور، والتي تنص على ضرورة إجراء تطبيع وإحصاء في مناطق التماس، ثم إجراء استفتاء داخلها لتحديد إرادة مواطنيها في مدة أقصاها 31 ديسمبر 2007. بيد أن الإجراء لم يتم حتى الآن، بسبب خلاف المكونات السياسية العراقية حول تفسير النص الدستوري الذي لم يحدد ماهية وطبيعة مناطق التماس المتنازع عليها باستثناء مدينة كركوك.
4- غياب حسم الملفات الشائكة: شهدت الفترة الماضية صعوداً لافتاً للتوتر بين الحكومة الاتحادية في بغداد وإقليم كردستان، ووصل التوتر للذروة بين الطرفين، بعد اتهام الأخير حكومة محمد شياع السوداني بـ”تجويع” الأكراد، بسبب التأخير في دفع رواتب موظفي الإقليم.
وفي مطلع سبتمبر الفائت، تظاهر آلاف الأكراد في مدينة دهوك بسبب تأخير الرواتب، ورفع المحتجون لافتات عدائية ضد السلطة المركزية. كما تتواصل التظاهرات الاحتجاجية في مدينة السليمانية بسبب تأخير الرواتب. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الاتحادية في بغداد رفضت، في 3 أكتوبر الجاري، طلباً تقدمت به بعض الكتل السياسية الكردية يقضي بربط مرتّبات الموظفين الأكراد في كردستان العراق بالحكومة الاتحادية مباشرة وسط استمرار أزمة تأخير صرف المرتبات في الإقليم.
وبالتوازي مع ذلك، تصاعدت الخلافات بين الطرفين في ظل ضغوط تمارسها بعض القوى الشيعية المنضوية في حكومة السوداني باتجاه إلغاء الصيغة السياسية التي كانت قائمة في الحكومات السابقة للتعامل مع إقليم كردستان، وتحاول دفع أربيل للتعامل مع حكومة بغداد بوصفها السلطة الوحيدة في البلاد.
5- تزايد التباينات الكردية-الكردية: يأتي الإعلان عن تأسيس لواءين عسكريين لضبط حدود التوترات في المناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد، في سياق تفاقم التوترات الكردية-الكردية حول الانتخابات النيابية الخاصة بالإقليم، وانتخابات مجالس المحافظات، والمقررة نهاية العام الجاري. وتجدر الإشارة إلى أن ثمة تنافساً حاداً وخلافات عميقة بين الحزبين الكرديين في الانتخابات المقبلة، حيث يسعى كل طرف إلى إضعاف فرصة الآخر في ترسيخ دوره كرقم مهم في المشهد السياسي، خاصة داخل المحافظات المتنازع عليها مع الحكومة الاتحادية، ولا سيما كركوك.
تحدّيات قائمة
على الرغم من أن تأسيس قوة أمنية مشتركة بين بغداد وأربيل يمكن أن يسهم في حل العديد من القضايا الخلافية بالمناطق المتنازع عليها، إلا أن ثمة العديد من التحديات التي قد تُلقي بظلالها على تفعيل القوة المشتركة، في الصدارة منها تفاقم العديد من الأزمات الاقتصادية في بغداد وأربيل، وهو ما قد ينعكس على مدى إمكانية توفير المخصصات المالية اللازمة لتأسيس هذه القوة. ويشار في هذا الصدد إلى أن الاقتصاد العراقي شهد خلال الأشهر الأخيرة تباطؤاً في النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى انقطاع خط أنابيب كركوك – جيهان النفطي عن العمل.
وعلى صعيد متصل، فإن ثمة ضغوطاً داخل الإطار التنسيقي حول إدارة الملفات الخلافية مع حكومة أربيل، وخاصة في المناطق المتنازع عليها. فثمة إصرار شيعي على تهميش القوى الكردية، وتثبيت نفوذ بغداد في مناطق التماس. فعلى سبيل المثال، ترى مليشيا “عصائب أهل الحق” أن حكومة الاقليم تتجاوز حدود صلاحياتها، وتنظر لنفسها كطرف موازٍ للحكومة الاتحادية. ولا شك أن مثل هذه التوجهات الشيعية داخل حكومة السوداني تمثل تحدياً رئيسياً أمام تشكيل قوة أمنية مشتركة في المناطق المتنازع عليها.
إلى جانب ذلك، فإن نشر قوات مشتركة بين بغداد وأربيل في المناطق المتنازع عليها يواجه تحدياً آخر يرتبط بالخلافات الكردية-الكردية، والمشكلات القائمة بين إدارتي محافظتي السليمانية وأربيل، واختلاف توجهات الحزبين فيهما. في النهاية، يُمكن القول إن الإعلان عن تأسيس قوة مشتركة لإدارة مناطق التماس بين بغداد وأربيل يمثل خطوة يمكن أن تساهم في حل العديد من الملفات الشائكة بين الطرفين، بيد أن المهمة قد تكون صعبة، باعتبار أن الخلافات العالقة بين الطرفين ليست ثانوية ولا يمكن تسويتها بسهولة.