تخلّف الكوارث بأشكالها المختلفة، ضغطاً كبيراً على الدول، باعتبارها المسؤولة الرئيسية لمواجهتها، فعلاوة على الأضرار البشرية والمادية الآنية التي تنجم عنها، غالباً ما تتفرع عنها أيضاً أزمات أخرى، لا تخلو من تداعيات اجتماعية واقتصادية ونفسية متصلة بالمستقبل.
وأمام هذه الانعكاسات التي يعمقها ضيق الوقت وما يتطلبه الأمر من كفاءات وإمكانيات، وقرارات سريعة، تصبح المقاربة التشاركية ضرورية تفرضها الظرفية الخاصة، وما تتطلبه المرحلة من تعاون وتعبئة للجهود، في إطار من التكامل والتخصص والتنسيق.
تعد المقاربة التشاركية عنصراً أساسياً ضمن مرتكزات الحكامة، وهي تحيل إلى «العمل مع» بدل «العمل من أجل»، كما أنها تمثل مدخلاً مناسباً لتجاوز الهدر الناجم عن الخيارات الانفرادية المتجاوزة، وتجاوز نقائص الديمقراطية التمثيلية، فهي أسلوب يعتمد على عمل الفريق، ويتيح الانفتاح على الكفاءات وعلى المحيط، والتعامل مع الوضع في إطار من التخليق والشمولية، كما أنها عملية تتطلب شركاء أكفاء، ومستعدّين لدخول هذه العملية بكل قناعة، وفي إطار من التشاور والتنسيق، بما يعطي لتدبير هذه اللحظات قدراً من النجاعة.
تكتسي التشاركية إبان الأزمات والكوارث أهمية قصوى، وهي تبدأ من مساهمة الفرد نفسه، وذلك بالتفاعل بشكل إيجابي مع التعليمات الصادرة عن السلطات المختصة في هذه الظروف.
كما لا تخفى أهمية الدور الذي يمكن أن تضطلع به المجالس التمثيلية بحكم القرب، فبالإضافة إلى الجانب العلاجي البعدي، يمكنها أن تنخرط أيضاً في ما يتعلق بالجانب الوقائي، من خلال تطوير مشاريع التنمية المستدامة التي تشكل أحد أهم السبل الكفيلة بتخفيف حدة الأضرار الناجمة عن الكوارث في حال وقوعها، فيما لا تخفى أهمية التنسيق بين أداء السلطة المركزية والجهات المحلية الفاعلة، وهو ما يتطلب إحداث أقسام متخصصة ووضع مخططات استراتيجية محلية متصلة بهذا الأمر، إضافة إلى توفير الإمكانيات التقنية والبشرية والمالية اللازمة محلياً، بالإضافة إلى سن تشريعات تدعم صلاحياتها في هذا الخصوص.
ويلعب الإعلام دوراً أساسياً في هذه الأوقات العصيبة على مستوى التواصل بين صانعي القرار من جهة، والمتضررين والمواطنين من جهة أخرى، أو من حيث تنوير الرأي العام بالمعلومات والمستجدات، وترسيخ ثقافة التعامل مع الكوارث، ونظراً لأن الكوارث توفّر مناخاً لانتعاش وتصاعد الشائعات والأخبار الزائفة، التي تربك الجهود، يمكن للإعلام أن يكون شريكاً أساسياً في تطبيق الاستراتيجية المعتمدة من قبل الدولة، عبر تنوير الرأي العام، والمساهمة في التوعية، وزرع الثقة وتبديد المخاوف، وضمان تدفق المعلومات، وتصحيح المغالطات الواردة في هذا الصدد، بالإضافة إلى التحسيس بمعاناة بعض الفئات والمناطق، ليمتد الأمر لما بعد نهاية الأزمة، عبر فتح نقاشات علمية وفكرية تطرح خلاصات وتوصيات كفيلة بالاستفادة من المحطّة الصّعبة.
وتستأثر المسؤولية الاجتماعية للشركات بقدر كبير من الأهمية خلال هذا الفترات، وهو ما يسائل القطاع الخاص بقوة، ويفرض عليه الموازنة بين تحقيق الربح من جهة، والمساهمة في الأعباء العامة في هذه الظروف من جهة أخرى. ويمكن القول إن انخراط الشركات في تخفيف العبء القائم على الدولة على المستويات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية؛ بما تتوافر عليه (الشركات) من كفاءات وخبرات، يجد أساسه في الالتزامات التضامنية التي تؤكد عليها المواثيق الدولية والدساتير إبان الأزمات والكوارث، وهو تعبير راق يرسخ صورة المقاولة المواطنة المنفتحة على قضايا وانشغالات المجتمعات.
وبالنظر إلى ما حققه المجتمع المدني من منجزات دفعت العديد من المنظمات الدولية الحكومية إلى اعتماده شريكاً، فيمكن للدول أن تستعين بخبرته وكفاءته على مستوى تدبير الكوارث، على عدة مستويات، سواء تعلق الأمر منها بالتوعية والتواصل مع الضحايا، أو المواكبة الميدانية عبر تعزيز العمل التضامني والتطوعي، وتقديم المساعدات والدعم النفسي للضحايا، ثم تقييم الوضع ورصد الأولويات، وطرح المقترحات الكفيلة بتطوير منظومة إدارة الكوارث والاستفادة من التجربة القاسية.
إن كسب رهان المساهمة الفاعلة في تدبير الكوارث في إطار المقاربة التشاركية، يتطلب إرساء أداء متطور ومتخصص من قبل الشركاء في إطار من الكفاءة والمسؤولية، بما يضفى قيمة مضافة على الجهود المعتمدة، كما يتطلب أيضاً استيعاب حدود المساهمة في العملية وعدم تجاوز الصلاحيات المرسومة في هذا الإطار، فيما يبقى على الدولة توفير الشروط القانونية والتقنية لمساهمة الشركاء، والاستئناس بمقترحاتهم في هذا الخصوص.
نقلا عن الخليج