الاستقطاب العالمي المتفاقم – الحائط العربي
الاستقطاب العالمي المتفاقم

الاستقطاب العالمي المتفاقم



في العدد الأخير من مجلة «فورين أفيرز» (الشؤون الخارجية) الأميركية عنوانٌ لافتٌ على صفحة الغلاف: أخبرني كيف سينتهي هذا الأمر؟ وقد ظننتُ لأول وهلة أنّ المقصود الاضطراب العالمي الكبير الذي يبدو بلا بدايةٍ ولا نهاية. لكن خفّف من إعجابي العنوان الفرعي التالي: هل هناك سبيلٌ للانتصار في أوكرانيا؟ إذ لو تأملنا المشهد العالمي لوجدنا أنّ الحرب في أوكرانيا ليست غير واحدةٍ من المشكلات العالمية الكثيرة، مثل تغير المناخ، وتزايد الأوبئة، وتوابعه من العواصف الفيضانات وحرائق الغابات ومواسم الجفاف، وأخيراً وليس آخِراً متغيرات القيم والأخلاق. ولذا فقد يكون عنوان تلك المقالة غير دقيق، لأنّ الاستقطاب يوحي بوجود طرفين أو قطبين يتنافسان ويتصارعان على الموارد والمجالات والثروات.

وهذا أمرٌ حاصلٌ بالفعل، لأنّ هناك جهات كبرى تتصارع، بينما الاضطراب يتجاوز المعسكرات والأقطاب. والأزمات التي ذكرناها منتشرةٌ في كل مكان، وإن اختلفت في تأثيراتها بين جهةٍ وأُخرى وقطبٍ وآخر. لقد استغربتُ عندما سمعت تصريح «ميت رومني»، أحد المرشحين للرئاسة عن الحزب الجمهوري الأميركي، ينكر فيه وجودَ أزمة مناخٍ في العالم ويعتبرها مجردَ دعاية ضد الولايات المتحدة، بينما تشتعل الحرائق الهائلة في جزر هاواي، والعواصف والفيضانات في نواحٍ أخرى من أميركا نفسها! لقد قرأت أن وزيرة الخزانة أو التجارة الأميركية تريد زيارة الصين للتفاوض، وفي الوقت نفسه تعمد وزارة الدفاع الأميركية إلى تزويد تايوان بالمزيد من الأسلحة الحديثة! كأنما يريدون دفع الصين نحو الحرب، مثلما يقول الرئيس الروسي إنّ الأميركيين هم الذين دفعوا روسيا إلى الحرب في أوكرانيا أو العكس!

    ويصرّح بعض قادة مجموعة «بريكس» بأنّ المراد إزالة السيطرة الأميركية على العالم بالدولار.. وبالطبع فإنّ سيطرة الدولار نوعٌ من الهيمنة. لكني أشبّهُ بريكس بجبهة عدم الانحياز إبّان الحرب الباردة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. لكن وجود أوجه الشبه بين التحالفين لا ينفي وجود الاختلاف. فقد كانت دول عدم الانحياز تريد التخفيف من الاستقطاب بين الجبارين خشية الحرب الشاملة أو النووية المهلكة، بينما تريد دول بريكس الناهضة الحصولَ على حقّها في القرار العالمي، وهو الحقّ الذي استحقته بالحجم الذي صار لها في الاقتصاد العالمي، وتريد أن يكون لها الحجم نفسه في القرار الاستراتيجي العالمي أيضاً. هل هذا هو تعدد الأقطاب الذي يدعو له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟! لقد تغيرت الأحجام، لكنّ المشكلات ذاتها أو ما يشبهها تتكرر!  

  ولنذهب إلى المشكلات الكبرى المستجدة، والتي لم تكن موجودةً قطعاً في خمسينيات وستينيات القرن العشرين.

وأقصد بذلك كبرى المشاكل وهي أزمة المناخ والتلوث البيئي المهلك لأجواء الكون والحياة الإنسانية. إنّ الفساد البيئي هذا يقال إنه وراء الاضطراب في نظام الأرض أو الكون بين السيول والزلازل والتصحر. ومعظم هذا التلوث والتغير آتٍ من الدول الصناعية المتقدمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة. فهل يدخل في حسابات زعماء مجموعة بريكس وهي تريد الخلاص من هيمنة الدولار، التأثير الإيجابي في حلّ مشكلات المناخ على كثرة المواثيق والتعهدات في هذا الشأن؟

    هناك ثورانٌ أخلاقيٌّ وقيميٌ في العالم الغربي على وجه الخصوص، يتسبب في تفكك الأُسَر وخراب العائلات، وفي انهيار الأعراف والعادات. معظم الداعمين لبريكس هم من آسيا وأفريقيا، فهل يكون هناك اهتمامٌ أيضاً باستعادة شيء من الرشد إلى نظام حياة البشر واستقرارهم القيمي والأخلاقي؟

نقلا عن الاتحاد