بعد أن وجهت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” تهديداً بالتدخل العسكري في النيجر، على نحو دفع السلطات النيجرية إلى إغلاق المجال الجوي، في 6 أغسطس الجاري، حذّرت الجزائر من محاولات استخدام القوة، وأكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن “أزمة النيجر تُحل بالمنطق وليس بالقوة”.
ويمكن تفسير موقف الجزائر في ضوء تزايد القلق من أن تنزلق النيجر إلى العنف، ما قد يؤدي إلى ظهور بؤرة عنف أخرى في منطقة الساحل الأفريقي، الذي يُعاني بالأساس من عدم الاستقرار، بفعل الانقلابات المتكررة، وخطر الجريمة العابرة للحدود، وتزايد أنشطة التنظيمات الإرهابية، وهو ما يعني أن الجزائر ربما تخشى من تشكل ما يمكن تسميته بـ”قوس أزمات” في جوارها الجغرافي المباشر.
وبالنظر إلى التداعيات المحتملة، على المستويين الأمني والإنساني، يمكن القول إن الأزمة الناجمة عن انقلاب النيجر والإطاحة بالرئيس محمد بازوم، في 26 يوليو الفائت، تفرض تحديات مباشرة أمام دول الجوار، لا سيما الجزائر، التي تشترك في حدود مع النيجر تصل إلى 1000 كيلو متر، وتؤسس علاقات اقتصادية تسعى إلى استثمارها لتعزيز موقعها الاستراتيجي كأحد ارتدادات اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية في 24 فبراير 2022.
دوافع عديدة
في الوقت الذي كانت أنظار العالم تتابع فيه تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، وتأثيراتها في النظام الدولي والقوى المتحكمة في مساراته؛ قفزت القارة السمراء (أفريقيا) إلى قلب المشهد العالمي، عبر البوابة التقليدية لها: الصراعات الداخلية والانقلابات العسكرية. فبعد الصراع الدائر في السودان، منذ منتصف أبريل الماضي، بين الجيش وقوات الدعم السريع، صعدت النيجر إلى الواجهة، بعد الانقلاب العسكري والإطاحة بالرئيس محمد بازوم في 26 يوليو الفائت.
وبعد التهديد بالتدخل العسكري في النيجر، من جانب أطراف إقليمية، لا سيما دول منظمة “إيكواس”، أبدت الجزائر رفضها لهذا الخيار، وحذرت من تداعياته المحتملة، وهو موقف يستند إلى جملة من العوامل، التي يتمثل أبرزها في:
1- ارتباك المشروعات الاستراتيجية الثنائية: يأتي مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء ضمن حسابات المصالح التي تستند إليها الجزائر، في محاولة تجنيب النيجر تداعيات التدخل العسكري من جانب دول منظمة “إيكواس” وبدعم من قبل قوى إقليمية مثل فرنسا، ونتائجه التي يمكن أن تؤدي، في رؤيتها، إلى تصاعد حدة الاضطراب الأمني وعدم الاستقرار في المنطقة بشكل عام. ومن دون شك، فإن أهمية هذا المشروع تزايدت لدى الجزائر، في أعقاب اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، في ظل تطلع الدول الأوروبية إلى زيادة وارداتها من الطاقة من الدول الأفريقية، على نحو وفر فرصة للجزائر من أجل تعزيز مكانتها لدى تلك الدول كمصدر رئيسي للطاقة في المرحلة القادمة، حيث وقعت بالفعل صفقات في هذا الصدد مع دول أوروبية عديدة مثل إيطاليا.
2- الاكتشافات النفطية لشركة “سوناطراك”: لا تتوقف المصالح الاقتصادية بين الجزائر والنيجر عند حدود أنبوب الغاز العابر للصحراء، ومروره بالنيجر، ولكن تتعدى ذلك إلى الاكتشافات النفطية التي قامت بها شركة “سوناطراك” الجزائرية في شمال النيجر، في عام 2018؛ حيث أعلنت الشركة حينذاك عن أول اكتشاف لها للخام الثقيل، في كتلة الاستكشافات الخاصة بها هناك. وبحسب تصريح المدير العام السابق لـ”سوناطراك” عبد المؤمن ولد قدور، في 25 أبريل 2018، فإن هذا الاكتشاف يُمثل مقدمة لاكتشافات أخرى مستقبلاً. ويبدو أن الشركة بالفعل في اتجاهها إلى رفع مستوى نشاطها في النيجر، لا سيما بعد أن وقعت شركتها الفرعية (BVI SIPEX) عقداً مع وزارة البترول والطاقة والطاقات المتجددة في النيجر، في 13 فبراير 2022، لتقاسم إنتاج حقل “كفرا”، والذي أكدت عمليات حفر جرت في عام 2019 أنه يحتوى على احتياطي يقدر بنحو 400 مليون برميل نفط.
3- إشكاليات اللجوء والهجرة غير النظامية: من دون شك، فإن عدم الاستقرار في النيجر لن يؤثر فقط على مصالح الجزائر المتعلقة بالنفط والغاز أو على العلاقات الاقتصادية المتنامية، ولكن أيضاً سوف يُضيف عليها عبئاً آخر، يُضاف إلى جانب عدم الاستقرار الذي تتسم به منطقة الجوار الجزائري، في ليبيا ومالي، فضلاً عن بوركينافاسو. ومن ثمّ تبنت الجزائر سياسة متوازنة في هذا الصدد، ففي الوقت الذي قامت فيه بإدانة الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، سعت إلى تعزيز الجهود التي تبذل من أجل الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة دون الاضطرار للجوء إلى الخيار العسكري الذي بدأت السلطات في النيجر تستعد له، عبر اتخاذ قرار إغلاق المجال الجوي في 6 أغسطس الجاري.
وهنا، فإن الجزائر لا تستبعد أن يؤدي استخدام الخيار العسكري إلى تفاقم أزمة جديدة على حدودها الجنوبية، يمكن أن تساهم في تصاعد ظاهرة اللجوء والهجرة غير الشرعية، خاصة أن بعض العصابات التي تدير عمليات الهجرة غير الشرعية تعتبر أن الجزائر تمثل ممراً مهماً للوصول إلى سواحل الدول الأوروبية، وهو ما تحاول الأخيرة مواجهته عبر رفع مستوى التنسيق الأمني مع دول جنوب المتوسط، حيث بات هذا الملف يكتسب أولوية خاصة في العلاقات بين الجانبين.
4- تصاعد تهديدات التنظيمات الإرهابية: وهو احتمال تتوقع الجزائر أن يتزايد في حالة اللجوء إلى استخدام الخيار العسكري في التعامل مع الأزمة في النيجر، حيث يمكن أن يوفر ذلك فرصة للتنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة من أجل تعزيز نشاطها وتوسيع نطاق المساحة التي تسيطر عليها في المثلث الحدودي بين مالي وبوركينافاسو والنيجر، على نحو يمكن أن يساهم في تحويل هذه المنطقة إلى إحدى أخطر البؤر الإرهابية، بعد أن بدأت التنظيمات الإرهابية الرئيسية، لا سيما تنظيم “داعش” و”القاعدة” في الانتقال إلى مثل هذه المناطق بفعل الهزائم التي تعرضت لها في المناطق التي سبق أن سيطرت عليها ثم خرجت منها، خاصة في كل من العراق وسوريا.
تأثيرات سلبية
في هذا السياق، يُمكن القول إن التدخل العسكري قد يؤدي إلى تصاعد حدة الاضطراب الأمني وعدم الاستقرار، وهو ما تتخوف منه الجزائر، خاصةً أن مثل هذا التدخل قد يساعد على اندلاع حرب أهلية هناك، على غرار النموذج الليبي الذي يجاور الجزائر جغرافياً. ومن ثمّ فإن رفض الجزائر لأي تدخل عسكري في النيجر، وإن كان يعود إلى “التأثيرات السلبية” اقتصادياً على الجزائر ومشروعاتها المختلفة؛ فإنه -في الوقت نفسه- يستند إلى التداعيات الأمنية لهذا التدخل، التي تتمثل بالأساس في تكوين حزام من الدول المأزومة في محيط الجزائر، خاصة في كل من مالي وبوركينافاسو وليبيا، إلى جانب النيجر.