رغم اتخاذ الاتحاد الأفريقي، منذ أكثر من عقد من الزمان، قراراً حاسماً بعدم الاعتراف بأي نظام يأتي للسلطة عن طريق انقلاب عسكري؛ إلا أن الانقلابات العسكرية لا تزال تُمثل ظاهرة في العديد من دول القارة الأفريقية. وكانت آخر ملامح هذه الظاهرة، الأفريقية، هو الانقلاب العسكري الذي قاده عناصر من الحرس الرئاسي في النيجر، ضد الرئيس المنتخب محمد بازوم، في 26 يوليو الفائت، وهو الانقلاب الذي أعاد وضع الجيوش الأفريقية، ومركزيتها، في دول القارة إلى الواجهة من جديد.
إلا أنّ الأمر لم يتوقف، في هذا البلد الأفريقي، عند حدود السيطرة على السلطة من جانب جنرالات الحرس الرئاسي، ولكن تطور بشكل لافت من خلال القمة الطارئة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، التي عقدت في العاصمة النيجيرية أبوجا في 30 يوليو الفائت؛ حيث أمهلت المجموعة قادة الانقلاب العسكري أسبوعاً واحداً لإعادة بازوم إلى السلطة، وإلا فرضت عليهم عقوبات، فضلاً عن التلويح باستخدام القوة لإنهاء الانقلاب.
هذه الأحداث، وتطورها، من شأنها المساهمة في تعقيد الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ليس في داخل النيجر فقط، ولكن في المحيط الجغرافي لها عموماً، وفي منطقة الجنوب الليبي بشكل خاص، خاصة أن الرئيس بازوم ينحدر من قبيلة “أولاد سليمان” الليبية. وقد دعت التداعيات المباشرة التي يمكن أن يفرضها الانقلاب على الوضع في جنوب ليبيا، المسئولين الليبيين إلى المسارعة بإبداء مواقف منددة به، على غرار رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، الذي أدان الانقلاب، الذي يهدف، في رؤيته، إلى تغيير غير دستوري للنظام في النيجر، واصفاً إياه بأنه “عملية خارجة عن القانون والشرعية”. كما دعا رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة عبر حسابه على موقع “تويتر” إلى “وضع حد فوري لهذه التحركات العسكرية، التي تُقوِّض أمن المنطقة واستقرارها”.
انعكاسات سلبية
يمكن القول إن أحداث النيجر ربما تنتج تأثيرات سلبية على الداخل الليبي، ومنطقة الجنوب بشكل خاص، يتمثل أهمها فيما يلي:
1- تصاعد عدم الاستقرار على الحدود المشتركة: قد يؤدي الانقلاب في النيجر إلى حالة من عدم الاستقرار، التي ربما تشهدها البلاد في الفترة القادمة، خاصة في ظل الاحتمال القوي بتعرضها لجملة من التحديات الداخلية، والضغوط الإقليمية والدولية، بما يُفاقم من الاضطرابات السياسية والأمنية. وفي هذه الحالة، لن يتوقف الأمر عند حدود النيجر، ولكن ستمتد تأثيراته على الصعيد الإقليمي، سواء على مستوى منطقة الساحل الأفريقي، أو على مستوى الجنوب الليبي الذي يعتبر “منطقة رخوة” أمنياً بين ليبيا وجارتها الجنوبية.
2- التحول إلى ساحة للتنافس الدولي: لا يمكن استبعاداحتمال أن تتحول الحدود المشتركة بين النيجر وليبيا إلى ساحة للتنافس بين العديد من القوى الدولية، لا سيما فرنسا-المدعومة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية-والتي سارعت بدورها إلى اتخاذ مواقف منددة بالانقلاب، محذرة في الوقت نفسه من أى مساس بمصالحها، وهو ما رد عليه قادة الانقلاب بتعليق صادرات اليورانيوم والذهب إليها، وبين روسيا، التي ربما تحاول استغلال ما حدث في النيجر، من أجل تعزيز قدرتها على إدارة التصعيد مع الدول الغربية، عبر مجموعة “فاجنر”، التي بدأت في التماهي من جديد مع السياسة العامة التي تتبناها روسيا، بعد احتواء التمرد الذي قامت به في 23 يونيو الماضي. وهنا، فإن ذلك يمكن أن يزيد من العقبات التي تواجه الجهود التي تبذل من أجل إنهاء المرحلة الانتقالية في ليبيا وإجراء الانتخابات الرئاسية، التي ما زالت حتى الآن تمثل استحقاقاً مؤجلاً، في ظل اتساع نطاق الخلافات بين القوى المعنية بالتطورات السياسية التي تشهدها ليبيا.
3- حدوث تغير في التوازنات العرقية: ربما تدفع الأزمة التي أنتجها الانقلاب في النيجر إلى حدوث تغير في التوازنات العرقية على الحدود المشتركة بين الدولتين، خاصة أنها يمكن أن تتجه إلى الصراع المسلح، في ظل تهديدات دول “إيكواس” بالتدخل عسكرياً لإعادة الرئيس بازوم إلى السلطة مجدداً. وهنا، فإن ذلك يمكن أن يؤدي بدوره إلى إرباك التوازنات العرقية داخل ليبيا، خاصة أن القبائل الداعمة للرئيس بازوم، ربما تتجه إلى الانتقال إلى داخل الحدود الليبية وإدارة الصراع المحتمل مع قادة الانقلاب انطلاقاً من تلك الحدود. ومن دون شك، فإن انعكاسات هذا الاحتمال تبقى أكثر تأثيراً مع الوضع في الاعتبار أن الصراع العسكري في السودان دفع عناصر تنتمي إلى قبائل من دارفور إلى الانتقال إلى داخل الحدود الليبية، بشكل يمكن أن يساهم في تحول الجنوب الليبي إلى ما يمكن تسميته بـ”حاضنة” لكيانات عرقية من السودان والنيجر.
4- تزايد معدلات النزوح والهجرة غير الشرعية: وهى أزمة تعاني منها ليبيا في الأساس وتفاقمت حدتها خلال الفترة الماضية، بسبب تحولها إلى نقطة عبور للاجئين والمهاجرين غير الشرعيين إلى دول جنوب المتوسط. ومن دون شك، فإن هذا الاحتمال سوف تتزايد مؤشرات حدوثه في حالة اتجاه دول “إيكواس” إلى التدخل عسكرياً في النيجر، على نحو سوف يدفع الآلاف إلى محاولة النزوح من مناطق الصراع إلى مناطق أخرى في الداخل، واللجوء إلى دول الجوار، ومنها ليبيا، وربما الانتقال منها إلى بعض الدول الأوروبية وفي مقدمتها إيطاليا، التي تبذل جهوداً حثيثة من أجل وقف محاولات الهجرة غير الشرعية إليها، لا سيما عبر ليبيا وتونس.
5- تمدد نشاط الجماعات والتنظيمات الإرهابية: ربما تحاول التنظيمات الإرهابية، لا سيما تنظيم “القاعدة” و”داعش”، استغلال الاضطرابات الأمنية التي سوف تشهدها النيجر من أجل توسيع نطاق نشاطها داخل الأخيرة، وتحويلها إلى نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات في دول الجوار، خاصة في ظل الحدود السائلة بين هذه الدول، خاصة بين النيجر وكل من مالي وبوركينافاسو وتشاد، إلى جانب ليبيا.
أزمة ممتدة
على ضوء ذلك، من المتوقع أن تتصاعد حدة الضغوط الفرنسية على قادة الانقلاب في النيجر، سواء عبر “إيكواس”، أو عبر جنودها المتواجدين داخل النيجر، أو من خلال فرض عقوبات قوية بالتنسيق مع الدول الغربية الأخرى، على نحو يؤشر إلى أن الانقلاب سوف يواجه اختبارات صعبة خلال المرحلة القادمة، وبما سيجعل منطقة الساحل عموماً، ومنطقة الحدود المشتركة مع النيجر، وفي مقدمتها الحدود مع ليبيا، أكثر اضطراباً؛ خاصة في حال اتجاه القوات الموالية للرئيس المعزول محمد بازوم، بحكم الامتداد العرقي، نحو الجنوب الليبي، وهو ما يوحي في النهاية بأن الأزمة في النيجر ممتدة وستفرض ارتدادات إقليمية مباشرة على دول الجوار.