يمثل إعلان طهران عن مبادرتها للتطبيع مع المغرب، والذي جاء على لسان وزير خارجيتها، أمير عبد اللهيان، تحولاً كبيراً ومفاجئاً في السياسة الإيرانية الخارجية تجاه المغرب، ويبدو أن التحول في الموقف الإيراني يرتبط بدرجة كبيرة بالتحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، حيث يأتي في ظل التوتر الذي تشهده العلاقات الإسرائيلية منذ وصول حكومة نتنياهو إلى السلطة وسياستها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية، وهو ما أدى إلى تأجيل قمة النقب الثانية وعدم انعقادها حتى الآن، وهو ما يمكن أن تستثمره إيران في التقرب من المغرب لموازنة الدور الإسرائيلي. وعلاوة على ذلك، فإن طهران تستفيد من التقارب والتطبيع الذي تم مع المملكة العربية السعودية برعاية صينية في استثمار الدور السعودي في التقرب من بعض الدول العربية ومنها المغرب.
في 30 يونيو الماضي، وفي خطوة مفاجئة أعلن حسين أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني، عن رغبة بلاده في تطبيع العلاقات مع المملكة المغربية، وهو ما يثير التساؤلات حول دوافع هذا الاهتمام الإيراني في هذا التوقيت، والتحديات الماثلة أمام عودة العلاقات بين البلدين.
دوافع عديدة
ثمة دوافع عديدة تقف خلف إعلان وزير الخارجية الإيراني عن رغبة بلاده في استعادة العلاقات مع المغرب في هذا التوقيت، ومن أهمها:
1- استثمار خيار التهدئة في منطقة الشرق الأوسط، إذ إن ثمة قناعة متزايدة لدى دول المنطقة بأهمية احتواء التوترات والصراعات لتحقيق نوع من الاستقرار في المنطقة، وخاصة أن عقوداً من الصراعات المسلحة في سوريا واليمن والعراق لم تسفر سوى عن مزيد من الدمار وتشريد الآلاف من اللاجئين والمهاجرين. ومن ثم كان خيار التطبيع بين العرب وإيران بديلاً للصراع والتنافس، والذي يتوقع أن يدفع هذه الصراعات في مسار التهدئة والتفاوض حول وضع حلول للصراعات “الممتدة” في المنطقة.
2- توظيف التوتر في العلاقات الإسرائيلية العربية، حيث جرى تأجيل قمة النقب الثانية بين إسرائيل وبعض الدول العربية الموقعة على اتفاقات سلام معها أكثر من مرة، وذلك بسبب تصاعد التوترات بين هذه الدول وإسرائيل جراء الاعتداءات الإسرائيلية وسياسة الاستيطان التي تنتهجها حكومة نتنياهو في إسرائيل، وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن ضرورة العمل من أجل اجتثاث فكرة إقامة الدولة الفلسطينية وقطع الطريق على تطلعات الفلسطينيين لإقامة دولة مستقلة، والتي أدلى بها في 26 يونيو الماضي، خلال جلسة مغلقة للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، مؤكداً أن إسرائيل تستعد لمرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس، الذي يعاني من أزمة صحية. ومن ثم يبدو أن طهران تستثمر في هذا المناخ من أجل التقرب إلى المغرب، بشكل يسمح لها بموازنة النفوذ الإسرائيلي المتنامي في منطقة المغرب العربي.
3- استغلال انعكاسات اتفاق بكين بين الرياض وطهران، والذي أدى إلى عودة العلاقات السعودية-الإيرانية بوساطة صينية، والتي كانت مؤشراً على نهج سياسة جديدة لدى الجانب السعودي، مما يمكن أن يؤثر إيجابياً في تليين عودة العلاقات الإيرانية المغربية، فيما ترى طهران أن عودة العلاقات مع المغرب ومصر من أولوياتها الدبلوماسية. بينما ترى المملكة العربية السعودية أن احتواء التوترات بين الدول العربية وإيران يمكن أن يوفر مناخاً ملائماً ومناسباً للتوصل إلى تفاهمات مع طهران تسمح بعقد جولة جديدة من المفاوضات لإنهاء الصراعات المسلحة في اليمن وسوريا وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
تحديات مختلفة
برغم الدوافع السياسية لإعلان طهران عن رغبتها في تطبيع العلاقات مع المغرب، تواجه المبادرة الإيرانية بالعديد من التحديات، ومن أهمها:
1- الموقف الإيراني من قضية البوليساريو، خاصةأنإيران جددت على لسان مندوبها لدى الأمم المتحدة، خلال يونيو الماضي، عن موقفها الداعم لأطروحة الجبهة المدعومة من الجزائر، وأكدت ذلك تقارير موالية لجبهة “البوليساريو”، وقالت إن ممثل إيران جدد أمام “لجنة الأربعة والعشرين” C24 التابعة للأمم المتحدة، موقف طهران بشأن “أطروحة البوليساريو”، كما أعرب مندوب طهران عن دعم بلاده لعملية المفاوضات الجارية وشدد على الأهمية القصوى للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم وشامل ومقبول وفقاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة. وسبق أن كشفت تقارير دولية عن قيام طهران بتدريب مقاتلي جبهة البوليساريو ومدها بالسلاح بمباركة جزائرية، بينما يشترط المغرب أن تبتعد إيران عن دعم البوليساريو تحت يد الجزائر، وهو ما يعني أن الموقف الإيراني من البوليساريو سوف يمثل تحدياً كبيراً لعودة العلاقات بين البلدين.
2- تبني سياسة متوازنة في العلاقات مع المغرب والجزائر، حيث ترتبط طهران بعلاقات وطيدة مع الجزائر، وهي المنافس الرئيسي للمغرب في المنطقة، حيث تستفيد طهران من التنافس والصراع السياسي بين المغرب وطهران في زيادة مبيعاتها العسكرية إلى الجزائر، وخاصة مبيعات الطائرات المسيرة. وقد أكدت ذلك تقارير رصد دولية أشارت إلى تحركات إيران في السنوات القليلة الماضية لتوسيع نفوذها إلى مناطق جديدة على غرار منطقة الساحل والمغرب الكبير، لتجد بذلك موطئ قدم لها في منطقة استراتيجية متاخمة لممرات الشحن الحيوية في المحيط الأطلسي، مما دفعها إلى تعزيز علاقاتها مع الجزائر، وتعززت هذه العلاقات بعد تزويد طهران جبهة البوليساريو عن طريق الجزائر بطائرات بدون طيار في خضم التوتر بين الرباط والجزائر، وهو ما سبق أن سلط عليه الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، الضوء في مناسبات عديدة. وبالتالي، من المتوقع أن يثير التطبيع الإيراني مع المغرب مخاوف الجزائر التي قد تنظر إلى هذا التطبيع مع المغرب على أنه بداية لتحول الموقف من قضية الصحراء، أو حتى الاصطفاف مع المغرب في القضايا والملفات مثار الخلاف مع المغرب.
3- ضغوط التحالف الأمريكي – المغربي، إذ تنظر طهران بقلق متزايد تجاه تطور العلاقات الأمريكية – المغربية، وخاصة أن المغرب يعتبر حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة في المنطقة، وهذا واضح من الاهتمام الأمريكي بدعم الترسانة العسكرية للمغرب وتزويده بأحدث الأسلحة التي تضمن تفوقه العسكري، ولا سيما بعد إعلان البنتاغون الأمريكي في أبريل الماضي عن بيع أنظمة “هيمارس” الصاروخية للمغرب، وهي أسلحة متطورة ونوعية من شأنها تغيير “معادلة التسلح” في المنطقة. ويعتبر المغرب أول بلد أفريقي يتسلح براجمات الصواريخ “هيمارس”، وذلك بعد موافقة وزارة الخارجية الأمريكية على الصفقة بميزانية تصل إلى 524 مليون دولار. ولذلك فالتنسيق السياسي بين الولايات المتحدة والمغرب إزاء الملفات والقضايا الدولية بما في ذلك البرنامج النووي الإيراني، قد يمثل تحدياً آخر يعوق التطبيع بين إيران والمغرب، وربما تحاول إيران مساومة المغرب على موقفها من الصحراء مقابل دعم المغرب للموقف الإيراني فيما يتعلق ببرنامجها النووي.
سيناريو محتمل
وفي المجمل، يمكن القول إنه رغم هذه التحديات، فإن سيناريو عودة العلاقات بين المغرب وإيران لا يبدو مستبعداً، ويمكن توقع عودة هذه العلاقات وربما في سياق تُحافظ فيه طهران على موقف براجماتي تجاه قضية الصحراء بشكل يسمح لها بموازنة علاقاتها بين المغرب والجزائر، وفي الوقت نفسه قد يجد المغرب في استعادة العلاقة مع إيران فرصة كورقة مساومة مع إسرائيل، وخاصة ما يتعلق بالسياسة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. ويظل مستبعداً حدوث صفقة سياسية بين الجانبين تضمن اعتراف طهران بالموقف المغربي مقابل موقف مغربي داعم لطهران في برنامجها النووي.